الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
38 - فصل
في دعائهم للمصافحة وكيفيتها وما يتبع ذلك
.
أما دعاؤهم الخلق، فقد يرون أنه من باب هداية الخلق، وذلك مطلوب لحديث:"لأن يهدي الله بك رجلا"(1)، فقول: إن الهداية حاصلة بأصل الإيمان، فيقولون: إنما نريد كمال ذلك بالتقوى، فنقول: إنما هو بالوعظ والتذكير {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (2)، فيقولون: لنفوس لا تقبل الحق إلا بصورة مستغربة، والمصافحة سنة (3) ولنا فيها سند ومستند مسلم، فنقول: هي مطلوبة للتوثق والمعاضدة على الدين، إذ لا أصل لها إلا بيعة الصحابة ثانيا بعد تحقيق الإيمان أولا، ونحن نجد منكم
(1) وتمامه: "خير لك من حمر النعم"، البخاري مع فتح الباري 8/ 72.
(2)
النحل 125.
(3)
قال ابن بطال: الأخذ باليد هو مبالغة المصافحة، وذلك مستحب عند العلماء، وفي البخاري: باب الأخذ باليدين، وصافح حماد بن زيد ابن المبارك بيديه، ثم خرج البخاري حديث ابن مسعود (ض): "علمني رسول الله (ص) - وكفى بين كفيه - التشهد
…
"، الحديث، وفي حديث البراء، قال: قال رسول الله (ص): "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا"، أبو داود حديث رقم 5212، والترمذي رقم 2727، وهو صحيح، وفي الموطأ 2\ 908، قال رسول الله (ص): "تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا، وتذهب الشحناء"، وهو في الموطأ مرسل، قال ابن عبد البر: يتصل من وجوه شتى حسان كلها، وقال الحافظ السخاوي في المقاصد ص 166: هو حديث جيد، وفي سنن الترمذي حديث رقم 2729 عن قتادة، قال: قلت لأنس بن مالك: هل كانت المصافحة في أصحاب رسول الله (ص)؟ قال: نعم، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قال ابن بطال: المصافحة حسنة عند العلماء، وقد استحبها مالك بعد كراهته، وفي (الأذكار): اعلم أن المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاة الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا فيها في كثير من الأحوال، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها، قال ولي الله الدهلوي: وهكذا ينبغي أن يقال في المصافحة في يوم العيد، قال الحافظ: ويستثنى من عموم الأمر بالمصافحة المرأة الأجنبية، والأمرد الحسن، انظر فتح الباري 13/ 294، والفتح الرباني 17/ 349.
فيها خلاف ذلك، لا من قبل الكيفية، ولا من قبل القصد، ولا من قبل الحقيقة.
أما الكيفية فإن السنة فيها تمكين اليد من اليد على وجه يفهم المعاضدة والنصرة وهو توفية التمكين حقه، وشد كل يد صاحبه، وأنتم تجعلونها بأطراف الأصابع، وقلب إحدى اليدين على الأخرى، وتلقون ذلك بالتقبيل، وهو مكروه على المشهور (1) وليس من سنة المصافحة عند أحد
(1) قال ابن بطال: اختلفوا في تقبيل اليد، فأنكره مالك، وأنكر ما روي فيه، وأجازه آخرون، واحتجوا بحديث ابن عمر، وفيه: وذكر قصة، ثم قال: فدنونا - يعني من النبي (ص) - فقبلنا يده، خرجه أبو داود رقم 5223، قال المنذري: وخرجه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن، لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد، كما في عون المعبود 14/ 132، وقال الحافظ في الفتح 13/ 296: وقد جمع الحافظ أبو بكر الأصبهاني المقري جزءا في تقبيل اليد سمعناه، أورد فيه أحاديث كثيرة وآثارا، فمن جيدها؛ حديث الزارع العبدي، وكان في وفد عبد القيس، قال:(فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي (ص) ورجله)، أبو داود 4/ 357، ومن حديث أسامة بن شريك قال:(قمنا إلى النبي (ص) فقبلنا يده)، قال الحافظ: وسنده قوي، وعن ثابت أنه قبل يد أنس، وأن عليا قبل يد العباس ورجله، وأن أبا مالك الأشجعي قال: قلت لابن أبي أوفى: ناولني يدك التي بايعت بها رسول الله (ص)، فناولنيها فقبلتها، خرج ذلك كله الحافظ أبو بكر الأصبهاني، قال النووي: تقبيل يد الرجل لزهده وصلاحه أو علمه وشرفه أو نحو ذلك من الأمور الدينية لا يكره، بل يستحب، فإن كان لغناه أو شوكته أو جاهه عند أهل الدنيا فمكروه، شديد الكراهة، وقال أبو سعيد المتولي: لا يجوز، انتهى من فتح الباري بتصرف يسير، وقبلت اليهود يد النبي (ص) ورجله كما في حديث صفوان بن عسال، خرجه الترمذي رقم 2733، وقال: حديث حسن صحيح.
أما المعانقة والقبلة، فقد قال ابن بطال: اختلف الناس في المعانقة، فكرهها مالك وأجازها ابن عيينة، فقد خرج ابن عيينة في جامعه عن الشعبي أن جعفرا لما قدم تلقاه رسول الله (ص) فقبل جعفر بين عينيه، لكن في سنده انقطاع، وخرج الترمذي عن عائشة حديث رقم 2732، قام إلى زيد بن حارثة حين قدم المدينة فاعتنقه وقبله، قال الترمذي: حديث حسن غريب، ونقل الحافظ في الفتح 13/ 300 تحسين الترمذي دون قوله: غريب، وسكت عنه، قال في تحفة الأحوذي 7/ 433: في سنده محمد بن عباد لين الحديث، وأبو يحيى بن محمد ضعيف، كان ضريرا، وفي الطبراني عن أنس =
من العلماء، وأعظم من ذلك إلحاق التقبيل بوضع الجبهة على اليد، وهو شيء يشبه السجود، بل هو عينه، فيتعين تحريمه بظاهر شبهة السجود فيه، إذ قد نص العلماء على تحريم ما هو دونه، وهو إحناء الرأس لشبهه بذلك، وأضفتم إلى ذلك كونه محرما (1)، حال المصافحة، جالسا على الهيئة المطلوبة في الصلاة، وأعظم من ذلك اشتراطهم الحزام للصلاة، وهو أمر منهي عنه عند العلماء، منصوص عليه بالكراهة (2).
= كان أصحاب النبي (ص) إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا، قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح، الفتح الرباني 17/ 349، وخرج جابر بن عبد الله في طلب حديث إلى الشام كان عند عبد الله بن أنيس، قال: (
…
فخرج إلي يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته)، قال في الفتح الرباني 17/ 349: وهو حديث جيد الإسناد رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى. وخرج الترمذي حديث رقم 2728 عن أنس، قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه وصديقه أينحني له؟ قال:"لا"، قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: "لا"، قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: "نعم"، قال الترمذي: حديث حسن، ويجمع بين هذا الحديث والأحاديث التي قبله، بأن حديث أنس هذا لغير القادم من السفر، والأحاديث قبله التي تدل على مشروعية المعانقة محمولة على القادم من السفر، والله أعلم. وفي المسند من حديث خزيمة بن ثابت (ض) أنه رأى في منامه أنه يقبل النبي (ص)، فأتى النبي (ص) فأخبره بذلك، فناوله النبي (ص) فقبل جبهته، قال الهيثمي: فيه عمارة بن عثمان لم يرو عنه غير أبي جعفر الخطمي، وبقية رجاله رجال الصحيح، قال في الفتح الرباني: 17/ 352: عمارة بن عثمان وثقه الإمام أحمد، وأبو جعفر الخطمي وثقه ابن معين والنسائي كذا في الخلاصة، وعلى هذا فالحديث صحيح، أقول: عمارة بن عثمان قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وأبو جعفر الخطمي قال عنه: صدوق، فالحديث صالح للاحتجاج، وأخرج البغوي في معجم الصحابة من حديث عائشة: لما قدم جعفر، استقبله رسول الله (ص) فقبل ما بين عينيه، قال الحافظ في الفتح بعد أن ساقه: سنده موصول، لكن فيه محمد بن عبيد بن عمير، وهو ضعيف، فتح الباري 13/ 299.
(1)
أي: كاشفا رأسه.
(2)
يستحب لمن يريد الصلاة أن يلبس ثيابه على أحسن الهيئات، ولا يشمرها ولا يشدها بحزام، ولا يثني كمه، ولا يكف ثوبه، ولا شعره، ففي الصحيح عن الله عباس (ض):(أمر النبي (ص) أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعرا ولا ثوبا)، البخاري مع فتح الباري 2/ 439.
وأما القصد فشاهد الحال منكم طلب الاستتباع والتكاثر بالأتباع، لأنكم تغلبون في ذلك كل من يأتيكم، وتدعون له من لم يأتكم، وتهملونه بعد الأخذ عنكم من النظر في أحواله، بل سمعت ممن أقبل قوله ما هو أنحس من هذا، وهو أن بعض مشيخة هذه الطائفة أتاه بعض اللصوص ليتبرك به، فقال له: خذ العهد، فقال: لا أطيقه، لأني لا أقدر على ترك ما أنا فيه من قطع الطريق ونحوه، فقال له: خذ العهد تعن على ما أنت فيه، وهذه مصيبة كبيرة، وضحكة عظيمة، فيها تجرئة للعصاة، وزيادة في إذاية المسلمين، وفتح باب الاستخفاف بالفقراء، واستهزاء بالدين، نسأل الله العافية بمنه.
وأما الحقيقة: فالمصافحة مرادة للتبرك في حق المحب، وشرطها البيان والإيناس في حق المنتسب، وشرطها التعيين والإفادة في حق المريد، وشرطها الاهتمام، ولكل قوم فيها وجه، وله بعدها معاملة تخصه، وله فتح يليق به، وهم قد عمموا الأمر، وربما جعلوا دعواهم في ذلك ضمان الدرك عند الموت (1) بالثبات، وعند السؤال كذلك، وعند الصراط، إحالة منهم على غائب، حتى لا يفتضحوا، فانعكس الأمر بظهور الفضيحة، وذلك بشواهد الأخبار النبوية والعقود الإيمانية، فقد عرف أن هذه المواقف لا ينفع فيها أحد أحدا إلا الله سبحانه، دون واسطة ولا علة إلا مزيد الإيمان، لقوله تعالى:{يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} (2) وما قطع قلوب الأكابر إلا هذه المواقف، لعدم العلم بها، وتوقفها على مراد الحق سبحانه الذي لا تدخله علة ولا سبب، حسبما هو معلوم من الدين ضرورة، وإذا كان حسن الخاتمة أمرا لا يثق به الشيخ في نفسه، فكيف يدعيه في حق غيره، وأيضا فدعاء الرسل عليهم السلام عند
(1) أي: يقولون له: إن الشيخ يضمن لك هذه الثلاثة؛ الموت على الخاتمة والثبات عند السؤال وعند الصراط، ومعلوم أنه لا شيء من هذه الثلاثة يقدر أحد أن يضمنه لنفسه، فكيف يقدر عليه لغيره، قال تعالى على لسان نبيه: وما أدري ما يفعل بي ولا بكم}، وجاء في الصحيح أن دعاء الرسل يومئذ:"اللهم سلم سلم"، ولكنه الجهل والاغترار بالمراتب، وانظر فيما يأتي فصل 75.
(2)
إبراهيم 27.