الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
43 - فصل
جامع لأمور شتى من وقائعهم ووقائع غيرهم على حسب التيسير
.
فمن ذلك إنكار الناس عليهم ترك حلق ما تحت اللحية، وهو إنكار مندوب شرعا بمستحق عادة، لا يصح بحال، بل لا يجوز، لمخالفته الأصل والوجه الواضح، اللهم إلا أن يقال بنكره لما يؤدي إليه من وجوه ثلاثة:
أحدها: أنه صار شعارا للمبتدعة ببلاد المغرب، إذ لا يمتاز به إلا وهبي أو جزناري (1) أو نحو هذا، فيكون إغراء للناس على عرض فاعله، وسببا لسوء الظن به، أو إضلالا للعوام باعتقاد الفضل لكل من يظهر به، وهذه كلها مضرة بالدين والدنيا.
الثاني: ما يلحق أهله وولده بسبب ذلك (2) من الإهانة والمعرة، والتأذي في الاستمتاع من ترك الزينة التي اعتيد وجودها في جنسه، وهو أمر ممنوع في الأصل والفرع، فلا يقدم عليه (3) إلا من ضرورة شرعية، ولا ضرورة شرعية، إذ لا خلاف في أنه (4) مندوب إليه لا واجب، ووقاية العرض والدين وحفظ حرمة الأهل واجب.
الثالث: ما في ذلك من اعتقاد بعض الناس تحريم حلقه، والمبالغة في ذلك، وتعلقهم بنهي عمر (ض)، وأنه من شعار المجوس، وقد يكون بذلك ابتداعا بإحداث حكمه، فلذلك أفتى شيوخ بلادنا لما نظروا في شأنهم أن يحلقوه مرة حتى يعرف عدم اعتقادهم لوجوبه، وكان ذلك باتفاقهم بحضرة السلطان، في حكاية يطول ذكرها، وكان شيخنا أبو عبد الله القوري (ض) يقول، وسمعته من غيره غير مرة: ورد في الحديث أن
(1) في خ: (إلا وجبي أو جزنائي).
(2)
أي: بسبب عدم حلق ما تحت اللحية.
(3)
أي: ما اعتيد وجوده من ترك الزينة.
(4)
أي: إبقاء ما تحت الحلق وعدم حلقه.
النبي (ص) تنور بالنورة وجلس على المنصة وحلق ما تحت اللحية (1)، فإن صح هذا فهو الحجة، ثم لهم في التمسك بالسنة أقوى مستند، وأكبر معتمد، لمن قويت نيته، وعلت همته، وبالله التوفيق.
ومن ذلك أن طريق المصامدة حلق رأس التائب بالمقص، وبعضهم بالموسى، وهو شيء لا أصل له، غير ما يذكر من أن رسول الله (ص) قال لرجل أسلم وعليه شعر:"انزع عنك شعر الكفرة"(2) لكن يعارضه ما في
(1) حديث اطلاء النبي (ص) بالنورة خرجه ابن ماجه رقم 3751 من حديث أم سلمة وفي سنده انقطاع، وليس فيه الجلوس على المنصة، ولا حلق ما تحت اللحية، وخرج الترمذي 5/ 94 حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي (ص) كان يأخذ من لحيته، من عرضها وطولها، وفي سنده عمر بن هارون متروك، وكان حافظا كما في التقريب، ولذا قال الترمذي عن حديثه: غريب، ونقل عن البخاري أن عمر بن هارون مقارب الحديث، ولا يعرف حديث ينفرد به أو ليس له أصل إلا هذا الحديث، قال الترمذي: ورأيته أي: البخاري حسن الرأي في عمر، وقد ذكر ابن عدي في الكامل 5/ 1689 هذا الحديث فيما ينكر على عمر بن هارون، ثم قال: وفد روي هذا عن أسامة بن زيد غير عمر بن هارون، وقوله هذا مخالف لما نقل عن البخاري وكذلك العقيلي من أن الحديث لا يعرف لغير عمر بن هارون كما في العلل المتناهية 2/ 686، إلا أن يقال: من عرف حجة على من لم يعرف، والله أعلم، قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب (ض) نهى أن يحلق ما تحت اللحية إلى الغلصمة، وقيل: إنه من فعل المجوس، أنا أكره حلق الرقبة إلا لمن أراد أن يحتجم، وأكره تحديد اللحية والشارب بالموسى من جهاتها تحسينا وتزيينا، وإنما ذلك من فعل النساء، شرح ابن ناجي على الرسالة 2/ 370، وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة 2/ 370، بعد أن ذكر عن مالك كراهة حلاقة ما تحت الحلق، قال: وقد استخف أهل المغرب حلقه مخالفة لقوم من أهل الأهواء جعلوه شعارهم، وفي استجازته بذلك نظر.
وفي غذاء الألباب 1/ 424 للشيخ محمد السفاريني الحنبلي: لا يكره أخذ ما تحت الحلق، وأخذ الإمام أحمد (ض) من حاجبيه وعارضيه، نقله ابن هاني في الفروع. وقال المؤلف عند قول الرسالة: ولا بأس بحلاقة غيرها من شعر الجسد، ويدخل فيه ما تحت الحلق، والمنقول عن مالك كراهته، وقال ابن ناجي عند قول الرسالة: قال مالك: ولا بأس بالأخذ من طولها، قال: وكذلك يستحب الأخذ من عرضها 2/ 370.
(2)
جاء في المسند من حديث جد عثيم بن كليب بلفظ: "ألق عنك شعر الكفر"، يقول:
أحلق، وخرجه أبو داود من الطريق نفسه حديث رقم 356 وهو خطاب لأبي كليب =
الصحيح من سيما الخوارج، وأن سيماهم التحليق، أو قال: التسبيد (1)، يعني حلق شعر الرأس، فوجب إبقاؤه لذلك، ولقد بالغوا في ذلك حتى إن بعضهم يرى أن من لم يفعل ذلك فليس بتائب، نسأل الله العافية.
ومن ذلك أخذهم من كل مذهب بطرف، كالشافعي في النافلة جماعة، والحنفي في تأخير الصبح إلى الإسفار الأعلى، إلى غير ذلك وهو أمر جائز إن سلم من تتبع الرخص، وقصد المعاندة، إذا كان وجه المذهب المأخوذ به محققا عند العامل به، وهذا في بلاد المغرب معدوم، إذ لا يعرف فيه إلا مذهب مالك، والأخذ بغيره من غير تحقيق هو تلاعب بالدين، وكذلك أفتى أئمة المذهب أنه لا يفتى بغيره في بلاد المغرب، وفي المسألة اختلاف ليس هذا موضع تحقيقه، وقد تكلم ابن العريف في كتابه مفتاح السعادة على شيء من هذا، ووقع لنا كلام على قولهم الصوفي: لا مذهب له، أو مذهبه مذهب أصحاب الحديث، مستوفى في القواعد، فانظره (2) وفي آداب المريدين للسهروردي كفاية لمن نظر أوله، وبالله التوفيق.
…
= الجهني حين أتى إلى النبي (ص)، وقال: أسلمت، قال في الفتح الرباني 17/ 313 نقلا عن الحافظ: فيه انقطاع، وعثيم وأبوه مجهولان، وفي صحيح سنن أبي داود رمز له بالحسن.
(1)
سيماهم التحليق أو التسبيد جزء من حديث الخوارج في البخاري 23/ 7 قال أبو داود: التسبيد: استئصال الشعر، أبو داود 4766.
(2)
قال المؤلف في القواعد: لا يصح قول من قال: الصوفي لا مذهب له، إلا من جهة اختياره في المذهب الذي يتبعه أحسنه دليلا أو قصدا أو احتياطا أو غير ذلك مما يوصله لحاله، وإلا فقد كان الجنيد ثوريا أي: على مذهب أبي ثور، والشبلي مالكيا، والجريري حنفيا، والمحاسبي شافعيا، وقول القائل: مذهب الصوفي في الفروع تابع لأصحاب الحديث باعتبار أنه لا يعمل من مذهبه إلا بما وافق نصه، ما لم يخالف احتياطا، أو يفارق ورعا، ويلزم ذلك من غير اتهام للعلماء، ولا ميل للرخص، انظر قواعد التصوف ص 26.