المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌12 - فصلالطائفة الثالثة من الثانية - عدة المريد الصادق

[زروق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ تمهيد في التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌أولا - التعريف بالمؤلف

- ‌نسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌رحلته إلى المشرق:

- ‌نزوله بمصراته:

- ‌شيوخه

- ‌مؤلفاته

- ‌ومن كتبه في الحديث والفقه:

- ‌ثانيا - الكتاب

- ‌موضوع الكتاب:

- ‌طريقة المؤلف في الانتقاد:

- ‌أهم القضايا التي تناولها الكتاب:

- ‌1 - البدع:

- ‌2 - مفهوم التصوف عند المؤلف:

- ‌3 - السماع:

- ‌4 - التشييخ وأخذ العهد:

- ‌5 - أنواع الطوائف المدعية:

- ‌6 - التبرك بالآثار والزيارات:

- ‌نسخ المخطوط

- ‌الفئة الأولى وتشمل:

- ‌ نسخة (خ)

- ‌ النسخة (ت 1)

- ‌الفئة الثانية وتشمل:

- ‌ النسخة (ت 2)

- ‌ نسخة (ق)

- ‌وصية المؤلف لمن نسخ كتابه

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - فصلفي حقيقة البدعة وأحكامها وخواصها

- ‌2 - فصلفي موازين البدعة

- ‌3 - فصلفي البدعة ومجاريها

- ‌4 - فصلفي أصول ظهور مدعي التصوف في هذا الزمانبالبدع واتباع الناس لهم عليها

- ‌5 - فصلفي الأمور التي ينتفي بها إحداث البدععمن غلط فيها واتباع أهلها

- ‌6 - فصلفيما يتبع من أمور الصوفية المحققين وما يترك ويكون التابعوالتارك فيه تابعا مذهبهم المبارك من غير خروج

- ‌7 - فصلفي تحرير الطريقة، وما بنيت عليه من شريعة وحقيقة

- ‌8 - فصلفي ذكر ظهور المشايخ والمشيخةوما يتبع ذلك من طرق الاقتداء ونحوها

- ‌9 - فصلفي ذكر ما ظهر في هذه الأزمنة هن حوادث لم تسمع فيما قبل

- ‌10 - فصلالطائفة الثانية طائقة تعلقت بالأحوال

- ‌11 - فصلالطائفة الثانية من الثانية

- ‌12 - فصلالطائفة الثالثة من الثانية

- ‌14 - فصلفي ذكر أول من ظهر بطريقهم وحاله في نفسهووجه الدخول عليهم في ذلك

- ‌15 - فصلفي ذكر ما بنوا عليه طريقهم(تفصيلا وما اعتقدوه فيها ردا وقبولا)

- ‌16 - فصلفي بيان ما عرفناه من طريقهم جملة وتفصيلا

- ‌17 - فصلوأما القسم الثالث فمرجعه لعشرة أمور:

- ‌18 - فصلفي ذم فتاوى الفقهاء في هذه الطائفة

- ‌19 - فصلفي هجرانهم العلم والقرآن والصلاة على رسول الله (ص)

- ‌20 - فصلوأما هجرانهم تلاوة القرآن

- ‌21 - فصلوأما هجرانهم الصلاة على حبيب الله (ص)

- ‌22 - فصلفإن قالوا: نحن لا نهجر العلم رأسا ولا نترك التلاوة جملة ولا ندع الصلاة على رسول الله (ص) بتا

- ‌23 - فصلفي اقتصارهم على كلمة الشهادة دون تمامها إلا تبعا، والأوقاتالمعينة لها عندهم وذكر ما في ذلك

- ‌24 - فصلفي ذكر الأوقات المعدة عندهم للذكر

- ‌25 - فصلفيما أفادهم هذا الأمر من الفوائد المعتبرة،وهي خمس في الجملة:

- ‌26 - فصلفيما أفادهم مخالفة الجماعة من الأمور المضرة:

- ‌27 - فصلفي رد تعصبهم لطريقتهم واعتقادهم أن كل طريق سواه باطلأو ناقص، وهذا لا يخلو اعتبارهم له من وجوه

- ‌28 - فصلفي هجرانهم ما ورد عن الشارع من الأذكارواستبدالها بغيرها في محلها

- ‌29 - فصلفي تقييدهم في الدعاء بنوع خاص غير ثابت من الشارع وإن كان واضح المعنى صحيح المبنى

- ‌30 - فصلفي تقييدهم القراءة في الصلاة

- ‌31 - فصلفي ذكر شبههم فيما آثروه وهجروه مما تقدم ذكره

- ‌32 - فصلفيما يذكر عنهم من ترك قضاء الفوائت،وتفويت الصلاة إذا كان أحدهم في شغل الفقراء حتى يقضيه،وإن فات الوقت، وهما مصيبتان عظيمتان

- ‌33 - فصلفي استئذانهم في الواجبات والضروريات الدينيةوالدنيوية والإلزام بذلك

- ‌34 - فصلفي استئذانهم على من أتوه بالتسبيح

- ‌35 - فصلفي ذكر شبهتهم في ذلك وفيما قبله

- ‌37 - فصلفي تفويتهم العشاء إلى ما بعد صلاة العشاء في غير رمضان

- ‌38 - فصلفي دعائهم للمصافحة وكيفيتها وما يتبع ذلك

- ‌39 - فصلفيما أحدثوه من أخذ العهدوخالفوا به الحقيقة والقصد

- ‌40 - فصلفي أخذ العهد أصلا وفصلا،وكيفيته وفاء ونقصا، وما يجري في ذلك

- ‌41 - فصلفي التنبيه على الأمور المتشابهة من أحوال الجماعة المذكورة

- ‌42 - فصلفي أمور تقيدوا بها في العادات وغيرها

- ‌43 - فصلجامع لأمور شتى من وقائعهم ووقائع غيرهم على حسب التيسير

- ‌44 - فصلفي تحقيق القصد في الجواب والرد

- ‌45 - فصلفي صفة الشيخ المعتبر عند القوم جملة وتفصيلا

- ‌46 - فصلفي مستند المشيخة ودلالتها وتعرف آثارها ووجه إفادتها

- ‌47 - فصلفي العلامة التي يستدل بها المريد على حاله من الشيخ الذيقصده، أو فتح له به أنه ينتفع به

- ‌48 - فصلفي أوصاف المدعين وحركاتهم وما يجري منهم وبسببهم

- ‌49 - فصلفي الاعتقاد والانتقاد وطرق الناس فيه

- ‌50 - فصلفي أنواع المعتقدة ووجوه الاعتقاد

- ‌51 - فصلفيما يصنع من ادعيت له المشيحة وليس بأهل لها، ويخاف علىمن تعلق به أن يهلك في اتباع الجهلة، أو يتبطل جملة، لظنهمتوقف الأمر على الشيخ مع اعتقادهم فقد هذه المرتبة، وهو مماعمت به البلوى في هذه الأزمنة

- ‌52 - فصلفي بيان طريق الجادة وما احتوت عليه من فائدة ومادة

- ‌53 - فصلفيما يستعان به على سلوك طريق الجادة من العلوم والقواعدوالكتب المفيدة

- ‌54 - فصلفي العلوم النورانية والظلمانية والمتشابهة

- ‌55 - فصلفي الاكتفاء بالكتب في سلوك الطريق وعدمه، وكذا المشيخةوالتعلق بالأموات

- ‌56 - فصلفي أنواع المتعلقين بالمشايخ والمتشيخة وأنواع الطرق وذلكبحسب المتمسكين

- ‌57 - فصلفي أنواع النفوس عند المغاربة وكيفية المعاملة فيها

- ‌58 - فصلفي بيان طريق العجم، وما لهم فيها من رسوخ قدم وزلل قدم

- ‌59 - فصلفي بيان طريقة أهل اليمن وما ظهر منها وما كمن

- ‌60 - فصلفي طريق الخدمة والهمة وحفظ الحرمة

- ‌61 - فصلفي لوازم الفقير في نفسه ولوازمه في حق شيخه وحقه علىالشيخ وحقه على الفقراء وحق الفقراء عليه على الجملة والتفصيل

- ‌62 - فصلفي اعتبار النسب بالجهات والأقطار وما يعرف به رجال كل بلدمن الدلائل الخاصة والعامة، حسب ما هدى إليه الاستقراءووصلت إليه الفراسة الحكيمة

- ‌63 - فصلفي آداب مهمة على الفقير يتعين عليه مراعاتها

- ‌64 - فصلفي الأسباب الموجبة لانقلاب المريد ورجوعه على عقبه

- ‌65 - فصلفي الرخصة والشهوة والشبهة والتأويل وحال المريد في ذلكومعاملته فيه

- ‌66 - فصلفي التحصن مما ذكر من الآفات وإصلاح المختل بإدراك ما فات

- ‌67 - فصلفي ذكر أمور عمت البلوى بها في فقراء الوقت

- ‌69 - فصلوأما الكاغدية فهي فرع علوم الروحاني، ومرجعها لأحد أمرين:

- ‌70 - فصلفي الاشتغال بعلوم التصريف من الحروف ونحوها

- ‌71 - فصلفي الاشتغال بعلم المغيبات، وتحصيلها بطرق الكسبمن أحكام النجوم والفال والقرعة والسانح والبارحوعلم الكتب والرمل ونحو ذلك

- ‌72 - فصلفي طلب الاسم الأعظم والشيخ المربي بالهمة والكبريت الأحمرالذي لا يحتاج معه إلى عمل في بابه

- ‌73 - فصلفي الاغترار بكل ناعق وإيثار غير المهم

- ‌74 - فصلفي الوقوف مع الأسلوب الغريب في العلم أو في العمل أو فيالحركات أو غيرها والانقياد لكل من ظهرت عليه خارقة أو جاءبدعوى، وإن لم يكن له عليها برهان

- ‌75 - فصلفي الاستظهار بالدعوى والتعزز بالطريقة والأكل بالدين ونحو ذلك

- ‌76 - فصلفي معاملة المنتقدين والمنكرينوالمعترضين وهم على أنواع كثيرة

- ‌77 - فصلفي التظاهر بالأمور الغريبة من الشطحات والطامات وغيرها

- ‌78 - فصلفي وضع الشيء في غير محله

- ‌79 - فصلفي تتبع الفضائل وأنواع المندوبات

- ‌80 - فصلفي التكلف

- ‌81 - فصلفي أمور أولع بها بعض الناس وفيها مغمز ما

- ‌82 - فصلفي تتبع المشكلات والاستظهار بالكلام فيها مع العوام وغيرهموتعليمهم علوم التوحيد ودقائق التصوف

- ‌83 - فصلفي التجاسر على المراتب بادعائها مرة لنفسه ومرة لغيره ومرةفيما لا يصلح الدخول فيه

- ‌84 - فصلوأما ادعاء المراتب والمجاسرة عليها

- ‌85 - فصلفي التشبه وما يلحقه من الحركات وغيرها

- ‌86 - فصلفي التبرك بالآثار

- ‌87 - فصلفي بعض ما يتعلق بالتبرك والآثار من الآداب

- ‌88 - فصلفي السماع والاجتماع

- ‌89 - فصلفيما يصنع من عرض له السماعونحوه بطريق الابتلاء أو الحاجة إليه، وهي خمسة أمور

- ‌90 - فصلفي ذكر شيء من المواجيد والخواطر

- ‌91 - فصلفي الكلام على تعلقات العوام من أهل التمسك وغيرهم

- ‌92 - فصلفي ذكر الزمان وأهله وما احتوى عليه من الفساد والباطل الذيأخبر به الصادق المصدوق

- ‌93 - فصلفي افتتاح كلام لبعض المشايخ كتب به لمثله

- ‌94 - فصلثم قال رحمه الله: والزمان يا ولي، شديد، شيطانه مريد، جباره عنيد

- ‌95 - فصلثم قال: فأما هؤلاء فوالله لو اطلعت عليهم لرأيت إن نظرت إلى وجوههم عيونا جامدة

- ‌96 - فصلثم قال: ولقد لقيت بهذه البلاد من يلبس سراويل الفتيان، ويدعي مراتب العرفان

- ‌97 - فصلثم قال بعد ذلك: وأما أهل السماع والوجد في هذه البلاد، فقد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا

- ‌98 - فصلثم قال بعد فراغه من ذكر أصوله في ذلك: فيا أيها المعترض، هذه الأصول التي استندت إليها في ذم أهل وقتي

- ‌99 - فصلثم أخذ بعد انتهاء كلامه المتقدم في محاسبة نفسه على ما هو به

- ‌100 - فصلثم قال رحمه الله: وكل من سمع من الشيوخ فهو على أحد أمرين:

- ‌101 - فصلفي مواقع البدع وأنواع المخالفات

- ‌102 - فصلفي متشابه الأمور بين البدعة وغيرها

- ‌103 - فصلفي الطهارة

- ‌104 - فصلفي الصلاة

- ‌105 - فصلومن البدع الإضافية قول المؤذن قبل الإقامة:

- ‌106 - فصلفي المواعيد والاجتماعات

- ‌107 - فصلفي أمور عمت البلوى بها في بعض البلاد

- ‌108 - فصلفي اختيارنا من عمل اليوم والليلة،وهو الوسط حسبما دلت عليه الأحاديث النبوية والآثار السلفية

- ‌109 - فصلفي أوراد الذكر

- ‌110 - فصلفي خاتمة الكتاب

- ‌الفهارس العامة

الفصل: ‌12 - فصلالطائفة الثالثة من الثانية

للحق أنت لا تعرف، وهذا شيخ حقيقة، وأنت صاحب طريقة (1) وهذه أمور ذوقية لا تعرف بالخبر، وهذا كله جهل محض وضلال، ولو كان الشيخ محقا في حاله ومغلوبا في تصرفه، فله حكم يخصه، وهو حسن الظن به، وتأويل وقائعه بوجه يقبل من غير احتجاج ولا إعانة عليه، والتسليم لهم من غير اقتداء ولا اتباع في معصية لما نهي عنه من ذلك، والله أعلم.

‌12 - فصل

الطائفة الثالثة من الثانية

.

طائفة ظهرت بالجدب وتصرف المجانين بحيث أنها تمجذبت حتى صار الجذب لها سجية بحكم العادة، فلم تقدر على الاستقامة في التصرف، وثقل عليها الرجوع إلى المألوفات، ودعاها لذلك ما تراه من أحوال المجاذيب وما يجري لهم من الأحوال واستمالة الخلق، لميلهم لهذا النوع كثيرا، لا سيما الجهلة من أبناء الدنيا، فإنهم يؤثرون هذا النوع على غيره ويحبونه، ويقومون به وغالب من هذا شأنه أن يجانب العلم وأهله، ويعادي العمل ومن يلتزمه، ويقولون: هؤلاء هم الرجال الذين خرجوا عن الدنيا فلم تبق فيهم بقية، وهذه مصيبة وجهل، دعاهم إليها حب الدنيا حتى كرهوا كل من له بها تعلق، لكونه يشاركهم فيما لهم، بخلاف غيره.

وهناك طائفة على العكس، لا يرون المجاذيب شيئا ولا من يعتقدهم، وهم أسلم من الذين قبلهم، لتمسكهم بظاهر الشرع، وأسلم منهما من سلم الأمر، فلم ينتقد إلا بحق، ولا يعتقد إلا بحق، ويترك ما وراء ذلك، وقد قال بعض العلماء: ما زال يختلج في نظري أن المجذوب فاقد عقل التكليف الذي يثبت له به أصل الدين، فكيف تثبت له الولاية، وعلى مر الدهور يعتقد ولا نكير، حتى فتح الله بأن عقل تدبير المعاش هو الذي نيط

(1) أي: شريعة.

ص: 61

به التكليف، فإذا سقط التكليف فبقي صاحبه كالبهيمة في العالم، غير أنه إن ذهب هذا العقل بخيالات وهمية، كان صاحبه معتوها غير معتبر بوجه ولا بحال، وإن ذهب بحقيقة إلهية اقتضت ذهوله فيها ونحوه، اعتبر صاحبه من حيث أنه ظرف لمعنى شريف، وأن السبب في تعطيل وجوده عن مصالحه ذلك، فإن من كان في الله تلفه كان على الله خلفه، فافهم. قلت: ويعرف كل واحد منهما بإشارته، فمن أشار لحقيقة مجموعة فهو ذاك، وإلا فليس هناك، فإن كان من أهل التجريب (1) فحركاتهم لا تتعدى الصغائر المختلف في إباحتها ونحوها مع ثباتهم، وإلا فهو عصيان إن وقع مرة، وفسق إن تكرر مع الإصرار، وكان عظيمة والعياذ بالله، فافهم.

13 -

فصل الطائفة الثالثة (2) من أصول الطوائف.

طائفة تعلقت بالأعمال، وهم على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: قوم غلب عليهم الكسل والبطالة، وجمحت نفوسهم للانتساب للقوم، فعدلوا لرخص المذهب من السماع والاجتماع، وإيثار التزيي من المرقعات المزينة، والسبحات المزخرفة، والسجادات المزوقة، والعكاكيز الملفقة، وتباهوا في ذلك مباهات النسوان في الثياب، وتضاهوا فيه تضاهي أبناء الدنيا في الأسباب، فإذا عوتبوا في ذلك قالوا: يكفينا من اتباع القوم التشبه بهم، فإن من تشبه بقوم فهو منهم، فإن قيل: هذا منكم قلة همة، قالوا: أنتم في بركة الحال (3)، ونحن في بركة الزي، وقد قنعنا بالتزي، وما

(1) في ق وت 2: (التخريب)، وفي ت 1:(التحريب).

(2)

في ت 1: (الرابعة).

(3)

الحال: معنى يرد على القلب من غير تصصنع ولا اجتلاب، ولا اكتساب، من طرب أو حزن أو قبض أو بسط أو هيبة، ويزول بظهور صفات النفس، فإذا دام وصار ملكة يسمى مقاما، فالأحوال مواهب، والمقامات تحصل ببذل المجهود، انظر الرسالة القشيرية ص 23 وحاشية ابن عابدين 4/ 239.

ص: 62

هو إلا الركون للبطالة وحب الشهوة بالباطل، ويرحم الله القائل:

إن تكن ناسكا فكن كأويس

أو تكن فاتكا فكن كابن هاني

من تحلى بحلية ليست فيه

فضحته شواهد الامتحان

القسم الثاني: قوم آثروا المصالح العامة، وتتبعوا الفضائل فجنحوا لإطعام الطعام، واستئلاف العوام، ومعاناة الظلمة في الرد عن الظلم تارة بالشفاعة، وتارة بمفارقة السمع والطاعة، ورأوا ذلك دينا قيما وصراطا مستقيما، فدعاهم ذلك إلى الخروج عن الحق والإضمار، واضطرهم لوجود الرئاسة والاستظهار، فاحتاجوا لما يقوم به ناموسهم، وما تصح به صولتهم وعبوسهم، فرجعوا لطلب ما لا يطلبه إلا من قل فلاحه من علم الكنوز والكيمياء، وأسرار الحروف ونحو ذلك، فاضطرهم الكنز لتضييع الواجبات والسنن، والكيمياء لوجود الزغل والمحرمات والمحن والفتن - وغير ذلك - للسحريات وعبادة الوثن، فإذا عوتبوا بذلك، احتجوا بوقائع ذكرت عن مشايخ، أكثرها باطل وجلها تداركهم الله فيه بلطفه قبل الوقوع في تلك الرذائل، ويتهافتون في ذلك بما أمكنهم من دين ودنيا، ويرون فيه سر الممات والمحيا، وما هو إلا البلاء والوسوسة الباقية من حب الدنيا، لأنهم إن تعلقوا (1) بالوصول لإطعام الطعام، فالصدقة من القلة أفضل، وإن أرادوا إقامة المنصب والاحترام، فحرمة الله أوفر للمؤمن، وأحسن من ارتكاب الآثام، ولكن القلوب عمية، {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} ، وسرى لهم ذلك من الدخول فيما لا حاجة لهم به، وربما كان فيه حتف أحدهم من الكلام في الفاطمي (2)، وذكر زمنه، وترصده والاستفتاح به، والبحث عنه، حتى لقد رأيت بعض أكابر بلده هجر وطنه، ولازم موضعا تضيق فيه أخلاق أمثاله، وهو صابر على ذلك سنين لترصد هذا الأمر، ثم مات في ترصد ذلك، رحمة الله عليه، ورأيت بعض أهل الخير ممن يتعهد

(1) في ق وت 1: (تعللوا)، يعني بذلك جمعهم الدنيا بحق وبغير حق.

(2)

الفاطمي عند الشيعة هو المهدي.

ص: 63

ذلك أتاه بعض الشياطين، وادعى له هذه المرتبة، وقال له: أنت وزيري، وأراه زيادة في خلقته مستغربة، فاعتقد ذلك وعمل عليه، ووعد الناس به، حتى كتب لبعض الملوك في تهيئه ضيافته، وقال: إنه يخرج في سنة ثلاث وثمانين، فكانت تلك السنة سنة موته رحمة الله عليه، فبقي عند الناس كذابا ومغرورا، وما هو إلا الجهل والحرص على المنافع العامة، أعاذنا الله من البلاء بمنه، وكم من أخرق قام بدعوى هذه المرتبة فكانت سبب حتفه، وفساد دينه ودنياه، لأنه يتعرض لما لا حاجة له به، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

ويقع في رذائل، منها: تغيير قلوب الملوك إن سلموا منهم، وهو حرام إجماعا، ومنها فتح باب المحنة على نفسه، وباب الفتنة على المسلمين، باتباع القيام والخروج عن الأمراء، ولو بالإرادة والمحبة لذلك، وهو أيضا مضر بالدين اتفاقا، ومنها إغراء الملوك على الجنس (1) حتى يؤذوا من يتكلم بالحق، أو يربوا من يتوهم منه ذلك على اتباع أغراضهم، فيجعل الشريعة سببا لذلك، وربما اتحدت (2) بهم الأمراء لإشاعة أمور يستعينون بها على أمرهم في ذلك، وذلك كله في ذمة المتحركين في هذا الأمر، ومنها الدخول في علم الحدثان، تارة بطريق التنجيم ونحوه، وتارة بالأجفار (3) والعمل بها، التي أكثرها كذب ومحال، ثم هي وإن صادفت فغالب الأمر كذبها، فلقد حدثني من لا أشك في صدق خبره أنه عمل أبياتا على صورة جفر لبعض الأمراء كان يواليه، وأنه سيكون منه ويكون، فعمل الأمير

(1) هكذا وردت، ولعلها الحبس أو الجس من التجسس.

(2)

في ت 1: (مما انجرت به الأمور لإشاعة أمور يستعينوا بها على أمرهم).

(3)

الجفر قال التهانوي ما خلاصته: إنه علم يبحث عن خواص الحروف ودلالته على الغيبيات وحوادث العالم إلى انقراضه، وهو ما يسمى بعلم الحروف وعلم التكسير، قال: ولمشايخ المغاربة نصيب من علم الحروف ينتسبون فيه إلى أهل البيت، والجفر والجامعة كتابان تنسبهما الشيعة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يزعمون أنه ذكر فيهما الحوادث التي تحدث في العالم إلى انقراضه. كشاف مصطلحات الفنون 1/ 568.

ص: 64

المذكور على ذلك، وكانت سبب الفتنة بينه وبين ابن عمه إلى الآن، وتضرر بها المسلمون ضررا عظيما والعياذ بالله.

هذا مع أن كثيرا من العلماء يقول: بأن الفاطمي قد انقضى زمانه فيما مضى، وأنه عمر بن عبد العزيز (1) أو غيره، على اختلافهم في ذلك، والحق أن الأمر فيه مبهم، وأن الاشتغال به مما لا يغني، لاشتباه الأمر واضطرابه مع عدم الاضطرار إليه، وهب أنه نزل بباب المدينة التي أنت فيها، أليس في عنقك بيعة أميرها، فلا يحل لك الخروج عنه ولا الخروج إليه، لما في رقبتك من حق أميرك، هذا إن تحقق، فما ظنك والأمر متوهم الصحة في أصله، غير متحقق التأخير في وقوعه، وأصل هذا كله حب الرئاسة وبغض الأمراء، وهو دسيسة من حب الدنيا، وحقيقة طلب الفضول والاشتغال بما لا يعني، أعاذنا الله من البلاء بمنه وكرمه.

ومن ذلك التعرض للأمور الجمهورية كالجهاد ورد الظلامات، وتغيير المنكر بطريق القهر والاقتدار، دون يد سلطانية، ولا ما يقوم مقامها من الخطط الشرعية، فإن ذلك مفتاح باب الفتنة وإهلاك الضعفاء من المسلمين بغير حق ولا حقيقة، (فقد كان ببلادنا رجل من الصالحين يحوم حول ما ذكرناه، فجاءه من أخبره عن بعض جهات الروم أنها خالية، وأنها مقدور على أخذها، فمشى بجماعة من المسلمين، فخرج عليهم النصارى، فلم يجدوا فئة يرجعون إليها، ولا ملجأ يستندون إليه، فتمكن منهم العدو حتى أتى على جماعة بالقتل ونحوه، فهلك منهم جماعة كثير في ذمته)(2) ومع ظنه أنه عمل خيرا، نفعه بنيته، ولا واخذه بعمله، (وكان آخر يفعل مثل ذلك، فوقع له ولجماعة من المسلمين معه أمر عظيم مرارا، ثم إنه بيع لهم فأتوه ليلا فقتلوه، وقتلوا بعض من معه، وحصل لهم بذلك غرض كبير)(3) وكان آخر كثير الشفقة على العامة والمحاربة عليهم، فأداه ذلك لمحاربة الملوك ومعاداتهم، وإذايتهم والتجاسر

(1) الخليفة العادل إمام هدي (ت 151 هـ) تذكرة الحفاظ 1/ 118 صفوة الصفوة 2/ 113.

(2)

نقص في ت 1.

(3)

نقص في ت 1.

ص: 65

عليهم، وربما دخل في خلع بعضهم وهو يرى ذلك كله دينا قيما، وربما آذى من خالفه في ذلك من جنسه، وهو في ذلك يعتقد أنه على صراط مستقيم، فكان ذلك سبب الفساد والهلاك، فندم عليه وصار يطلب التنصل فلم يجد مساغا، وكان ذلك سبب حتفه بوجه، والله أعلم بحقيقته، أعاذنا الله من حب الرئاسة، ورزقنا العافية في جميع الأمور بمنه وكرمه (1).

ثم حسب الفقير في هذه الأزمنة من المصالح العامة لقمة يأكلها، أو يسد بها خلة محتاج على قدر إمكانه، فإن مد يده لأكثر من ذلك أخذا أو عطاء فقد أهلك نفسه، ومسألة يفيدها إن عالما، أو يستفيدها إن كان جاهلا، وظن السلامة في ذلك، وشفاعة (2)، في حميم حيث يقبل في ذلك ويكون مبتلى به، وإلا كان متكلفا، فإن الزمان فاسد، والناس لا يريحون ولا يتركون من يرح، ويرحم الله القائل:

لقاء الناس ليس يفيد شيئا

سوى الهذيان من قيل وقال

فاقلل من لقاء الناس إلا

لأخذ علم أو إصلاح حال

وقد قال رسول الله (ص): "إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك"(3)، وقال (ص):

(1) من هنا تتحد النسختان (ق) و (ت 2)، وتختلفان عن النسختين (خ) و (1)، وما في الأصل مرتب على ما جاء في (خ) و (ت 1)، وتمام هذا الفصل في (ق) و (ت 2)، كالآتي: فلم يزل له الحال حتى انقلب به الحال، فهلك بسبب ما وقع له في دينه ونفسه فيما يذكر لنا، فتلف، وعادوا يحذرون من كل ذي همة أو قوة من الجنس، وهذا ذنب لا تكاد تصح منه التوبة أبدا لتعلق حقوق الخلق به، والله أعلم.

(2)

أي: حسبه من معاناة الظلمة وإقامة المنصب لنفسه والجاه حسبه من ذلك شفاعة في حميم إلخ.

(3)

جزء من حديث أبي ثعلبة الخشني، خرجه الترمذي 5/ 257 حديث رقم 3058، ولفظه، قال (ص): "بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام

"، قال الترمذي: حديث حسن غريب، وخرجه أبو داود 4/ 123 حديث رقم 4341، وابن ماجه 2/ 1330 حديث رقم 4014، وسكت عنه المنذري.

ص: 66

"تجدون من خير الناس مؤمن بشعب يعبد ربه ويدع الناس من شره"(1)، وقال الفضيل بن عياض (ض) (2): هذا زمان احفظ فيه لسانك واخف مكانك، وعالج قلبك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر انتهى، وهو حكم الوقت، وعين المطلوب فيه، وبالله التوفيق.

القسم الثالث: قوم تبرؤوا من جماعات المتوسعين، وآثرو التجرد للعبادة وطلب الصدق في طريق الإرادة، فوقعوا في مهاوي البدع من طريق التشديد ومتابعة الهوى بترك السماح والسهولة، فدخلوا في قوله (ص):"لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتم من ورائهم، قيل: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن"(3) أخرجه البخاري وغيره، وقال ابن العربي (4): أشار (ص) بجحر الضب، لأن اتباعهم إياهم وقع من قبل التضييق فهو شر في الدنيا والآخرة، نسأل الله تعالى السلامة بمنه وكرمه، ثم هذا القسم منهم من يقتصر على نفسه ومنهم من يدعو إلى مثل حاله، وأعظمهم في ذلك طائفة ادعت المشيحة والتربية، وأن ما هي عليه هو الموصل للحق لا وراءه، وربما أسندوه لبعض أهل الصدق والولاية، وأخذوه بالعموم، وكان هو يعمل به في الخصوص، فكانت البدعة بتعميمهم الأمر دونه، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.

(1) لفظ حديث أبي سعيد الخدري في الصحيح: (قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله (ص)"مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله"، قالوا: ثم من؟ قال: "مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره"، البخاري مع فتح الباري 6/ 346، ومسلم 3/ 1503، قال الحافظ في فتح الباري: في الحديث فضل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو ونحو ذلك، وأما اعتزال الناس أصلا، فقال الجمهور: محل ذلك عند وقوع الفتن.

(2)

الفضيل بن عياض من أكابر العباد، كان ثقة في الحديث، توفي 187 هـ، انظر الأعلام 5/ 360.

(3)

الحديث في الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري (ض)، البخاري مع فتح الباري 7/ 307، 17/ 63، ومسلم 4/ 2054.

(4)

انظر العارضة 9/ 27.

ص: 67