الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يختبرون المريد، فإن وجدوه خليا طردوه، وعلى ذلك حكايات المشايخ في قولهم: من لم يكن فيه كذا، أو لم يصبر على كذا، فالزموه السوق (1).
وكان السهروردي رحمه الله تعالى، إذا جاءه المريد عرض عليه الأسماء الحسنى، فإن تأثر عند واحد منها سلكه به، وإلا أعاد عليه إلى الثلاث، فإن لم يتأثر صرفه عنه في الحال، لاعتقاده أن العمل فيه تعب بلا حاصل، ولكل طريق من هذه الطرق تفصيل نذكر بعضه الآن، وبالله التوفيق.
…
57 - فصل
في أنواع النفوس عند المغاربة وكيفية المعاملة فيها
وذلك أنهم يرون غالب النفوس كالمعادن السبعة المطرقة، التي يدخلها الانفعال بما يلقى إليها، فتعود لأصلها.
فالنفس الأولى: كالذهب في صفائها وخلوصها ونفعها وخاصيتها، وهي الخالية عن الشوائب والشواغب المحبوبة بالطبع، النافعة بمجرد الرؤية والصرف، لكنها ناقصة باعتبار ما فوقها، إذ لا تقلب عينا كالإكسير، ولا تقيم شيئا (2) فتحتاج للرياضة حتى تتضاعف قواها، فتصير إكسيرا لا تقع على شيء إلا قلبت عينه، لما هي به أو لما يراد منه، وهذه رتبة الولي الذي إذا أراد أغنى، وإذا نظر نفع.
الثانية: نفس كالفضة في النقاء والصفاء والخلوص، ولكنها غير متمكنة فيه، لخفة وزنها، ورقة عينها، وقلة زينها، ووجود انفعالها بالمخالطة، حتى ينقص خاصيتها، فتحتاج إلى ما ينقلها عن ذلك للرتبة التي
(1) في ت 2: السرق.
(2)
في ت: (ولا تقيم شيئا كالحجر فتحتاج. . . إلخ).
فوقها، بأن تصير جاذبة لما هي به كالإكسير، وكاملة كالذهب، لا تؤثر فيها العوارض ولا غيرها، وهذه رتبة العارف الذي إذا توجه نفع، ويصل إليها بالرياضة وصدق التوجه، والله أعلم.
الثالثة: نفس كالحديد، صالحة للنفع والرفع، غير أنها مصحوبة بسواد الشهوات والمعاصي، وقساوة الغفلات والكبر، فتحتاج إلى التطهير حتى تصير خالصة، ثم إلى التليين حتى تصير منطبعة قابلة للخاصية الفضية، ثم الخاصية الذهبية، وهذه نفوس أكثر المغاربة من المصامدة ومن جرى مجراهم، إلا من حفظه الله، وقليل ما هم.
الرابعة: نفس كالنحاس، وفيه ما في الذي قبله بزيادة النتن، وهي تزكية النفس ورؤيتها أهلا للكمالات، فتحتاج للتطهير بالتقوى، ثم للتليين بالتواضع والحضور، ثم للتنقية برؤية المنة لله سبحانه، وحينئذ يصلح لأن يكون فضة خالصة، أو ما يقرب منها، فافهم.
الخامسة: نفس كالرصاص، وفيه السواد واللين والنتن، فسواده عيبه وذنبه، ولينه انقطاعه وميله، ونتنه رؤيته نفسه، فيحتاج للتنظيف (1) ثم للتقسية حتى لا ينطبع إلا بقدر الحاجة، ثم للتنقية حتى لا تبقى لنفسه رائحة، وهذا حال المخالطين للفقراء من الجند، فإذا انتقل صلح لأن يكون ذهبا أو فضة، وهو أبعد، والله أعلم.
السادسة: نفس هي كالقصدير، وفيه سبع علل ظاهرة، وسبع علل باطنة، هي في غرضنا معاصي الجوارح السبعة، التي هي: العين والأذن والفم والبطن واليدان والرجلان والفرج، وأخلاق القلب السبعة، التي هي: الكبر والبخل والحد والحقد والحرص والطمع والهوى، فإذا خلا من هذه صفا ظاهره بالتقوى، وخلص باطنه بالإخلاص، فلم تبق فيه بقية لغير مولاه، بل صار فضة خالصة، لا شوب فيها بالحقيقة، فاعرف ذلك حقه.
(1) في خ: (للتنظيف، ثم للتنقية حتى لا ينطبع إلا بقدر الحاجة).
السابعة: نفس كالزاوق (1) ظاهره أبيض وباطنه أسود، إن أردت ضبطه تفلت، وإن أردت جمعه تشتت، لا تكاد تطلبه في بساط الحق إلا وجدته، ولا في بساط الباطل إلا وجدته، وأصله السواد، وصورته البياض، وهذا حال أكثر من يخالط الفقراء، وينتمي إليهم في هذه الأزمنة ممن لهم ذكاء وفطنة، يقولون من قول خير البرية، ويمرقون كما يمرق السهم من الرمية (2) كما ورد في الحديث، فهم أشكل الأنواع وأبعدهم من موارد الانتفاع، وأكثر ما يوجد هذا النوع في أولاد أولئك النوع ممن للناس عليه إقبال، فإياك وإياهم فإنهم يتعبونك ولا ينفعونك، بل لا ينتفعون منك إلا القليل عند المصادفة (3) فاعرف ذلك.
وأصل التدبير في ذلك كله بتلطيف النفوس بإصلاح التقوى، ثم تلطيف الأرواح بكباريت الاستقامة بعد تطهيرها من أوساخ البدع، ثم تلطيف الأجساد بأنواع التوجهات، وما هو إلا تهذيب، ثم تأديب، ثم تدريج ينتج وجود التقرب لكل من أهل له، وغير ما ذكر من النفوس لا عبرة به، فإهماله لازم وتركه واجب، لوجود الضرر به، ثم هذا الطريق مخطر لما فيه من الأطوار والأنواع والأخطار، وقل أن ينتج إلا مع صاحب همة وعزيمة، ويرحم الله من صنف في فن الأصل، فكان كلما ذكر المسألة قال: وعند اللقاء تبقى، ومبدأ هذا الطريق الموت، ومنتهاه الفوت، ونسماته من ريح الدبور، الذي هو أصل إهلاك قوم عاد، فهو طريق الإهلاك، فصاحبه لا يلتذ بالحق إلا من حيث استشعاره الاستهلاك فيه، فافهم.
…
(1) هو الزئبق.
(2)
جزء من حديث أبي سعيد الخدري (ض) في الخوارج، متفق عليه، انظر البخاري مع فتح الباري 7/ 187، ومسلم حديث رقم 1064.
(3)
في ت 1: (المصافحة).