الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
55 - فصل
في الاكتفاء بالكتب في سلوك الطريق وعدمه، وكذا المشيخة
والتعلق بالأموات
أما الاكتفاء بالكتب فقد وقعت في آخر المائة الثامنة بين فقراء (1)
الأندلس فيها مشاجرة، حتى تضاربوا بالنعال، ثم كتبوا إلى البلاد واشتهرت مسألتهم، فأجاب فيها كل أحد على قدر نظره.
فكان جواب سيدي أبي عبد الله بن عباد رحمه الله: إن ذلك باعتبار الأشخاص والأحوال، فشيخ التعليم تكفي عنه الكتب لمن له ذكاء وعقل، وشيخ التربية يكون واجبا في حق الغبي متأكدا في حق غيره، لأنه إن وصل بلا شيخ لم تفارقه رعونته وإن بلغ ما بلغ.
وعند الإمام الغزالي في (المنهاج): قد يكون ذلك بلا شيخ ولكن الشيخ فاتح.
وأجاب ابن خلدون (2): بأن ذلك يختلف باختلاف المجاهدات، فمجاهده التقوى لا يحتاج فيها إلى شيخ، ووجوده أحسن، ومجاهدة الاستقامة يكون فيها آكد، ومجاهده الكشف أعني تجريد الحقيقة النفسانية لتمكين الحقيقة الإيمانية هو فيه واجب، لعدم العلم بهما، أو لما يطرأ فيهما من شبه ووقائع، وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه، لأن التقوى معلومة والسنة مشهورة، وخبايا النفوس وتحف الحق غير معلومة ولا معروفة، ولا بد فيها من عالم يرجع إليه في معالمها، وأصله رجوعه (ص) في عرض ما أتحف به من مبادئ الوحي على ورقة (3)(ض)، حيث كان عالما بذلك، والله أعلم.
(1) في ت 2: فقهاء.
(2)
هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحيم الحضرمي الإشبيلي الأصل التونسي (ت 808 هـ) نيل الابتهاج 169.
(3)
الحديث في البخاري رقم 3.
وأما المشيخة فتكتفي بذي الطريقة السديدة في المقامين الأولين، لأن الثالث يحتاج إلى همة عالية، وحالة سامية، وذوق صحيح، وعلم واسع، ونظر دقيق، وإن كان المتشيخ على طريقة ناقصة، فإن كانت بينة الغي أو بقاؤه معه (1) مضرا بالعبد في دينه أو دنياه، بالاغترار به ونحوه، فيفارقه ويتبع الجادة، ويتمسك مما أمره به بما يوافق الحق، وإلا صحبه على ما هو عليه، وتحفظ منه، لأن تغيره عليه بعد تعلقه به يوجب ظهور أثر فيه بحكم سنة الله تعالى وإن كان كاذبا في حاله، ومن هذا الوجه ظهرت آثار على جماعة من المدعين في معتقديهم دون غيرهم، ولذلك أصل ليس هذا محل تقريره فنقتصر دونه، ثم المريد ينتفع بصدقه وإن كان الشيخ مخالفا، ما لم يتبعه في مخالفته، فيضل أعظم من ضلاله، فاعرف هذا الأمر حقه، فإنه مهم، واعتبره بقصة الخضير (س)، إذ لم يأمر موسى (س) بما يفعله، ولا شرط عليه (قبوله إن أمره به)(2) بل شرط الصبر عليه وأنكر منه الإنكار لما التزمه من وجود الاصطبار، والله سبحانه أعلم.
وقد نبه الغزالي على ذلك في (بداية الهداية) فانظره.
وأما التمسك بالأموات فهو من قلة الاعتقاد في الأحياء، وذلك من نقص الهمة، اللهم إلا أن يكون ذلك على سبيل التعرض لنفحات الرحمة بالزيارة لطلب الزيادة، فمدد الميت أقوى من مدد الحي، لأنه في بساط الحق، ولأن التعلق به عري عن الأغراض والعوارض، من الاستئناس ونحوه، كما قال لنا شيخنا أبو العباس الحضرمي (ض)، وكرامة الله لأوليائه لا تنقطع بموتهم، بل ربما زادت كما هو معلوم في كثير منهم، وسيأتي هذا النوع إن شاء الله تعالى، والسلام.
…
(1) أي: أو كان بقاؤه معه مع المتشيخ مضرا به إلخ.
(2)
في ت 1: (بقوله إن أمره).