المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌41 - فصلفي التنبيه على الأمور المتشابهة من أحوال الجماعة المذكورة - عدة المريد الصادق

[زروق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ تمهيد في التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌أولا - التعريف بالمؤلف

- ‌نسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌رحلته إلى المشرق:

- ‌نزوله بمصراته:

- ‌شيوخه

- ‌مؤلفاته

- ‌ومن كتبه في الحديث والفقه:

- ‌ثانيا - الكتاب

- ‌موضوع الكتاب:

- ‌طريقة المؤلف في الانتقاد:

- ‌أهم القضايا التي تناولها الكتاب:

- ‌1 - البدع:

- ‌2 - مفهوم التصوف عند المؤلف:

- ‌3 - السماع:

- ‌4 - التشييخ وأخذ العهد:

- ‌5 - أنواع الطوائف المدعية:

- ‌6 - التبرك بالآثار والزيارات:

- ‌نسخ المخطوط

- ‌الفئة الأولى وتشمل:

- ‌ نسخة (خ)

- ‌ النسخة (ت 1)

- ‌الفئة الثانية وتشمل:

- ‌ النسخة (ت 2)

- ‌ نسخة (ق)

- ‌وصية المؤلف لمن نسخ كتابه

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - فصلفي حقيقة البدعة وأحكامها وخواصها

- ‌2 - فصلفي موازين البدعة

- ‌3 - فصلفي البدعة ومجاريها

- ‌4 - فصلفي أصول ظهور مدعي التصوف في هذا الزمانبالبدع واتباع الناس لهم عليها

- ‌5 - فصلفي الأمور التي ينتفي بها إحداث البدععمن غلط فيها واتباع أهلها

- ‌6 - فصلفيما يتبع من أمور الصوفية المحققين وما يترك ويكون التابعوالتارك فيه تابعا مذهبهم المبارك من غير خروج

- ‌7 - فصلفي تحرير الطريقة، وما بنيت عليه من شريعة وحقيقة

- ‌8 - فصلفي ذكر ظهور المشايخ والمشيخةوما يتبع ذلك من طرق الاقتداء ونحوها

- ‌9 - فصلفي ذكر ما ظهر في هذه الأزمنة هن حوادث لم تسمع فيما قبل

- ‌10 - فصلالطائفة الثانية طائقة تعلقت بالأحوال

- ‌11 - فصلالطائفة الثانية من الثانية

- ‌12 - فصلالطائفة الثالثة من الثانية

- ‌14 - فصلفي ذكر أول من ظهر بطريقهم وحاله في نفسهووجه الدخول عليهم في ذلك

- ‌15 - فصلفي ذكر ما بنوا عليه طريقهم(تفصيلا وما اعتقدوه فيها ردا وقبولا)

- ‌16 - فصلفي بيان ما عرفناه من طريقهم جملة وتفصيلا

- ‌17 - فصلوأما القسم الثالث فمرجعه لعشرة أمور:

- ‌18 - فصلفي ذم فتاوى الفقهاء في هذه الطائفة

- ‌19 - فصلفي هجرانهم العلم والقرآن والصلاة على رسول الله (ص)

- ‌20 - فصلوأما هجرانهم تلاوة القرآن

- ‌21 - فصلوأما هجرانهم الصلاة على حبيب الله (ص)

- ‌22 - فصلفإن قالوا: نحن لا نهجر العلم رأسا ولا نترك التلاوة جملة ولا ندع الصلاة على رسول الله (ص) بتا

- ‌23 - فصلفي اقتصارهم على كلمة الشهادة دون تمامها إلا تبعا، والأوقاتالمعينة لها عندهم وذكر ما في ذلك

- ‌24 - فصلفي ذكر الأوقات المعدة عندهم للذكر

- ‌25 - فصلفيما أفادهم هذا الأمر من الفوائد المعتبرة،وهي خمس في الجملة:

- ‌26 - فصلفيما أفادهم مخالفة الجماعة من الأمور المضرة:

- ‌27 - فصلفي رد تعصبهم لطريقتهم واعتقادهم أن كل طريق سواه باطلأو ناقص، وهذا لا يخلو اعتبارهم له من وجوه

- ‌28 - فصلفي هجرانهم ما ورد عن الشارع من الأذكارواستبدالها بغيرها في محلها

- ‌29 - فصلفي تقييدهم في الدعاء بنوع خاص غير ثابت من الشارع وإن كان واضح المعنى صحيح المبنى

- ‌30 - فصلفي تقييدهم القراءة في الصلاة

- ‌31 - فصلفي ذكر شبههم فيما آثروه وهجروه مما تقدم ذكره

- ‌32 - فصلفيما يذكر عنهم من ترك قضاء الفوائت،وتفويت الصلاة إذا كان أحدهم في شغل الفقراء حتى يقضيه،وإن فات الوقت، وهما مصيبتان عظيمتان

- ‌33 - فصلفي استئذانهم في الواجبات والضروريات الدينيةوالدنيوية والإلزام بذلك

- ‌34 - فصلفي استئذانهم على من أتوه بالتسبيح

- ‌35 - فصلفي ذكر شبهتهم في ذلك وفيما قبله

- ‌37 - فصلفي تفويتهم العشاء إلى ما بعد صلاة العشاء في غير رمضان

- ‌38 - فصلفي دعائهم للمصافحة وكيفيتها وما يتبع ذلك

- ‌39 - فصلفيما أحدثوه من أخذ العهدوخالفوا به الحقيقة والقصد

- ‌40 - فصلفي أخذ العهد أصلا وفصلا،وكيفيته وفاء ونقصا، وما يجري في ذلك

- ‌41 - فصلفي التنبيه على الأمور المتشابهة من أحوال الجماعة المذكورة

- ‌42 - فصلفي أمور تقيدوا بها في العادات وغيرها

- ‌43 - فصلجامع لأمور شتى من وقائعهم ووقائع غيرهم على حسب التيسير

- ‌44 - فصلفي تحقيق القصد في الجواب والرد

- ‌45 - فصلفي صفة الشيخ المعتبر عند القوم جملة وتفصيلا

- ‌46 - فصلفي مستند المشيخة ودلالتها وتعرف آثارها ووجه إفادتها

- ‌47 - فصلفي العلامة التي يستدل بها المريد على حاله من الشيخ الذيقصده، أو فتح له به أنه ينتفع به

- ‌48 - فصلفي أوصاف المدعين وحركاتهم وما يجري منهم وبسببهم

- ‌49 - فصلفي الاعتقاد والانتقاد وطرق الناس فيه

- ‌50 - فصلفي أنواع المعتقدة ووجوه الاعتقاد

- ‌51 - فصلفيما يصنع من ادعيت له المشيحة وليس بأهل لها، ويخاف علىمن تعلق به أن يهلك في اتباع الجهلة، أو يتبطل جملة، لظنهمتوقف الأمر على الشيخ مع اعتقادهم فقد هذه المرتبة، وهو مماعمت به البلوى في هذه الأزمنة

- ‌52 - فصلفي بيان طريق الجادة وما احتوت عليه من فائدة ومادة

- ‌53 - فصلفيما يستعان به على سلوك طريق الجادة من العلوم والقواعدوالكتب المفيدة

- ‌54 - فصلفي العلوم النورانية والظلمانية والمتشابهة

- ‌55 - فصلفي الاكتفاء بالكتب في سلوك الطريق وعدمه، وكذا المشيخةوالتعلق بالأموات

- ‌56 - فصلفي أنواع المتعلقين بالمشايخ والمتشيخة وأنواع الطرق وذلكبحسب المتمسكين

- ‌57 - فصلفي أنواع النفوس عند المغاربة وكيفية المعاملة فيها

- ‌58 - فصلفي بيان طريق العجم، وما لهم فيها من رسوخ قدم وزلل قدم

- ‌59 - فصلفي بيان طريقة أهل اليمن وما ظهر منها وما كمن

- ‌60 - فصلفي طريق الخدمة والهمة وحفظ الحرمة

- ‌61 - فصلفي لوازم الفقير في نفسه ولوازمه في حق شيخه وحقه علىالشيخ وحقه على الفقراء وحق الفقراء عليه على الجملة والتفصيل

- ‌62 - فصلفي اعتبار النسب بالجهات والأقطار وما يعرف به رجال كل بلدمن الدلائل الخاصة والعامة، حسب ما هدى إليه الاستقراءووصلت إليه الفراسة الحكيمة

- ‌63 - فصلفي آداب مهمة على الفقير يتعين عليه مراعاتها

- ‌64 - فصلفي الأسباب الموجبة لانقلاب المريد ورجوعه على عقبه

- ‌65 - فصلفي الرخصة والشهوة والشبهة والتأويل وحال المريد في ذلكومعاملته فيه

- ‌66 - فصلفي التحصن مما ذكر من الآفات وإصلاح المختل بإدراك ما فات

- ‌67 - فصلفي ذكر أمور عمت البلوى بها في فقراء الوقت

- ‌69 - فصلوأما الكاغدية فهي فرع علوم الروحاني، ومرجعها لأحد أمرين:

- ‌70 - فصلفي الاشتغال بعلوم التصريف من الحروف ونحوها

- ‌71 - فصلفي الاشتغال بعلم المغيبات، وتحصيلها بطرق الكسبمن أحكام النجوم والفال والقرعة والسانح والبارحوعلم الكتب والرمل ونحو ذلك

- ‌72 - فصلفي طلب الاسم الأعظم والشيخ المربي بالهمة والكبريت الأحمرالذي لا يحتاج معه إلى عمل في بابه

- ‌73 - فصلفي الاغترار بكل ناعق وإيثار غير المهم

- ‌74 - فصلفي الوقوف مع الأسلوب الغريب في العلم أو في العمل أو فيالحركات أو غيرها والانقياد لكل من ظهرت عليه خارقة أو جاءبدعوى، وإن لم يكن له عليها برهان

- ‌75 - فصلفي الاستظهار بالدعوى والتعزز بالطريقة والأكل بالدين ونحو ذلك

- ‌76 - فصلفي معاملة المنتقدين والمنكرينوالمعترضين وهم على أنواع كثيرة

- ‌77 - فصلفي التظاهر بالأمور الغريبة من الشطحات والطامات وغيرها

- ‌78 - فصلفي وضع الشيء في غير محله

- ‌79 - فصلفي تتبع الفضائل وأنواع المندوبات

- ‌80 - فصلفي التكلف

- ‌81 - فصلفي أمور أولع بها بعض الناس وفيها مغمز ما

- ‌82 - فصلفي تتبع المشكلات والاستظهار بالكلام فيها مع العوام وغيرهموتعليمهم علوم التوحيد ودقائق التصوف

- ‌83 - فصلفي التجاسر على المراتب بادعائها مرة لنفسه ومرة لغيره ومرةفيما لا يصلح الدخول فيه

- ‌84 - فصلوأما ادعاء المراتب والمجاسرة عليها

- ‌85 - فصلفي التشبه وما يلحقه من الحركات وغيرها

- ‌86 - فصلفي التبرك بالآثار

- ‌87 - فصلفي بعض ما يتعلق بالتبرك والآثار من الآداب

- ‌88 - فصلفي السماع والاجتماع

- ‌89 - فصلفيما يصنع من عرض له السماعونحوه بطريق الابتلاء أو الحاجة إليه، وهي خمسة أمور

- ‌90 - فصلفي ذكر شيء من المواجيد والخواطر

- ‌91 - فصلفي الكلام على تعلقات العوام من أهل التمسك وغيرهم

- ‌92 - فصلفي ذكر الزمان وأهله وما احتوى عليه من الفساد والباطل الذيأخبر به الصادق المصدوق

- ‌93 - فصلفي افتتاح كلام لبعض المشايخ كتب به لمثله

- ‌94 - فصلثم قال رحمه الله: والزمان يا ولي، شديد، شيطانه مريد، جباره عنيد

- ‌95 - فصلثم قال: فأما هؤلاء فوالله لو اطلعت عليهم لرأيت إن نظرت إلى وجوههم عيونا جامدة

- ‌96 - فصلثم قال: ولقد لقيت بهذه البلاد من يلبس سراويل الفتيان، ويدعي مراتب العرفان

- ‌97 - فصلثم قال بعد ذلك: وأما أهل السماع والوجد في هذه البلاد، فقد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا

- ‌98 - فصلثم قال بعد فراغه من ذكر أصوله في ذلك: فيا أيها المعترض، هذه الأصول التي استندت إليها في ذم أهل وقتي

- ‌99 - فصلثم أخذ بعد انتهاء كلامه المتقدم في محاسبة نفسه على ما هو به

- ‌100 - فصلثم قال رحمه الله: وكل من سمع من الشيوخ فهو على أحد أمرين:

- ‌101 - فصلفي مواقع البدع وأنواع المخالفات

- ‌102 - فصلفي متشابه الأمور بين البدعة وغيرها

- ‌103 - فصلفي الطهارة

- ‌104 - فصلفي الصلاة

- ‌105 - فصلومن البدع الإضافية قول المؤذن قبل الإقامة:

- ‌106 - فصلفي المواعيد والاجتماعات

- ‌107 - فصلفي أمور عمت البلوى بها في بعض البلاد

- ‌108 - فصلفي اختيارنا من عمل اليوم والليلة،وهو الوسط حسبما دلت عليه الأحاديث النبوية والآثار السلفية

- ‌109 - فصلفي أوراد الذكر

- ‌110 - فصلفي خاتمة الكتاب

- ‌الفهارس العامة

الفصل: ‌41 - فصلفي التنبيه على الأمور المتشابهة من أحوال الجماعة المذكورة

فقد يقال: إنها من المصالح الدينية، لما فيها من التثبيت والتأثير الظاهر، والفائدة الجلية في ربط أقوام من أهل الجرائم عما هم عليه من القبائح والرذائل، لكن ما يزيده بعضهم من ذكره آية البيعة، وتكرير آخرها، قد ينكر من جهة تنزيل نفسه منزلة الشارع (ص) الذي هو نائب الحق سبحانه حقيقة، إلا أن تكرير آخرها قد يكون للتأكيد في عدم النكث والله أعلم، وبالجملة فهذه الكيفية لا تلزم، وكل أحد ينفق من حاله، فيلقي للمريد على قدره، وكل حركة صدرت من غير هوى أفادت الحقيقة والتحقق، بخلاف غيرها، وكل ما تضمنه العهد من مباح ونحوه فالوفاء به واجب، والمحرم حرام والمكروه مكروه، وبالله التوفيق.

‌41 - فصل

في التنبيه على الأمور المتشابهة من أحوال الجماعة المذكورة

.

ومدارها على ثلاثة أقسام:

أحدها: أمور خالفوا فيها المشهور، وعدلوا عن مذهب الجمهور، كالاستظهار بالنافلة جماعة، وهو مذهب الشافعي، أعني جوازه لاستباحته (1) لأن النوافل في البيوت أفضل اتفاقا، ولئلا تصير كالفرض في الصورة، بل قد ورد صلاة النافلة في البيت كالصلاة المكتوبة في الجماعة، وصلاة النافلة في المسجد كالفريضة في البيت (2).

(1) في خ: (لا استحبابه).

(2)

خرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 157 عن ضمرة بن أبي حبيب، عن رجل من أصحاب النبي (ص) موقوفا، وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 1/ 208: رواه آدم بن إياس في كتاب الثواب من حديث ضمرة مرسلا، وفي سنن أبي داود حديث رقم 1044 بسند صحيح عن النبي (ص) من حديث زيد بن ثابت (ض)"صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة".

ص: 134

وترك القصر في السفر، فقد قال (ص):"إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تترك عزائمه"(1) وقال (ص): "خيار أمتي الذين إذا أساؤوا استغفروا، وإذا سافروا قصروا وأفطروا"(2) أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد ورجاله ثقات، ولأن الزيادة بالإتمام عند القائل بالقصر نقص، كالنقص عند القائل بالإتمام، وقد كان في الصحابة المتم والمقصر، ولم يعب واحد منهم على واحد (3)، فالتحديد بعد ثبوت فضل أحد الطرفين تعد، والله أعلم.

وكالقنوت بعد الركوع مخالف للمشهور، لا للجمهور، فلا علة له إلا قصد المخالفة، لما الناس عليه من الأمر، إما قصد الامتياز أو رؤية أن مخالفتهم كمال، وهو قبيح بالتعريض والتعرض للأذى، والله أعلم.

وكالذكر بعد الصلاة بالجهر والجمع من التصلية والتكبير خلاف المشهور، ولكن يساعده قول ابن عباس: ما كنت أعرف انصراف الناس من الصلاة إلا بالتكبير (4)، رواه البخاري وهو من باب الفضائل الخارجة

(1) الشق الثاني من الحديث لا يبعد أن يكون المؤلف وهم فيه، فالحديث مروي عن النبي (ص) من طريق ابن عمر وابن عباس وغيرهما بلفظ:"إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه"، كما في مختصر زوائد مسند البزار حديث رقم 701، والمعجم الكبير للطبراني حديث رقم 11880، والسنن الكبرى للبيهقي 3/ 140، ومجمع الزوائد 3/ 165، وورد الشق الثاني من الحديث بلفظ:"كما يكره أن تؤتى معاصيه"، كما في الفردوس للديلمي حديث رقم 577، والسنن الكبرى ومجمع الزوائد، والحديث من طريق ابن عمر وابن عباس صحيح، رجاله ثقات.

(2)

عزاه المؤلف إلى أبي داود والنسائي وأحمد، وهو سهو، والحديث خرجه عبد الرزاق في المصنف 2/ 566 من حديث عروة بن رويح مرسلا، وعزاه الحافظ في التلخيص 2/ 51 من حديث جابر مرفوعا إلى الطبراني في الدعاء والأوسط.

(3)

الحديث بهذا المعنى في مسلم رقم 1117.

(4)

في الصحيح عن ابن عباس (ض): إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي (ص)، وقال: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله (ص) إلا بالتكبير، مسلم بشرح النووي 5/ 83، والبخاري مع فتح الباري 2/ 469.

ص: 135

عن ماهية الصلاة، فالعمل به غير قادح، لا سيما في الثغور على قول ابن حبيب (1)، والله أعلم.

وكقولهم في التقديم للصلاة بحديث: "صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله"(2) فيقدمون الجاهل (3) على العالم إذا كان مقدما عندهم، وانجر بهم الحال إلى تقديم من لا يحكم الصلاة على من يحكمها، وهو أمر صعب جدا، يضارع المحرم أو هو عينه، من جهة مخالفة الجمهور، بل الإجماع في الأولوية، وإن كان إجماع القوم على جواز الصلاة خلف كل بر وفاجر، فالأئمة شفعاء، والأحق مقدم أبدا كما هو معلوم من الفقه، وإن استووا في البراءة من الفسق، والله أعلم.

القسم الثاني: إدخال أمور على العادات يظن أنها من الشريعة وليست منها، كقيامهم للمحترمين منهم، وقد أجازه بعض العلماء، بشرط أن يكون المقام له من أهل الدين، بلا انحناء ولا تكتيف (4) وقد نهى (ص) العرب عن التزي بزي العجم، وما نهى العجم عن زي أنفسهم في قوله: "لا تفعلوا بي

(1) استحب ابن حبيب التكبير دبر صلاة العشاء والصبح في الثغور والرباطات والعساكر، خلافا لمذهب مالك، قال ابن رشد في البيان والتحصيل 2/ 573: ومذهب مالك أظهر، لأن التكبير محدث لم يكن في الزمن الأول، وأنكر ابن حبيب أن يتقدمهم واحد بالتكبير ثم يجيبه الآخرون بنحو من كلامه جما غفيرا.

(2)

عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 70 إلى الطبراني في الكبير من حديث ابن عمر (ض) مرفوعا بلفظ: "

وصلوا وراء من قال: لا إله إلا الله"، وقال فيه محمد بن الفضل بن عطية، وهو كذاب، وكذلك رواه الدارقطني في السنن 2/ 56 من ثلاثة طرق كلها واهية، وحديث: "صلوا خلف كل بر وفاجرا"، مروي من طرق أمثلها حديث أبي هريرة وهو منقطع، المقاصد الحسنة ص 267.

(3)

جاء في مجمع الزوائد 2/ 69: مر عبد الله بن مسعود على مسجد، فتقدم رجل فقرأ بفاتحة الكتاب، ثم قال: نحج بيت ربنا ونقضي الدين، وهو مثل القطوات يهوين، فقال عبد الله: ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق، وانصرف.

(4)

التكتيف: وضع اليدين على الصدر كهيئة الصلاة.

ص: 136

كما تفعل الأعاجم بملوكها " (1) وفي الصحيح لم يكن أحب إليهم من رسول الله (ص)، ولكنهم كانوا إذا رأوه لم يقوموا له (2) لما يعلمون من كراهيته لذلك وشدته عليه، وأعظم من ذلك قوله (ص): "من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار" (3) وهذا تبشير بسوء الخاتمة والعياذ

(1) المراد بزي العجم هنا، محاكاتهم في الهيئة التي يفعلونها من قيام بعضهم لبعض، وليس خصوص اللباس، ولفظ حديث أبي أمامة (ض) في المسند: قال: خرج علينا رسول الله (ص) وهو يتوكأ على عصا، فقمنا إليه، فقال:"لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا" وخرجه الطبراني في الكبير رقم 8072 وأبو داود 5230 وابن ماجه 3836، ومن بعض أسانيده أو العدبس مجهول وفي أسانيده الأخرى اضطراب، لذا قال الطبري: حديث ضعيف مضطرب السند فيه من لا يعرف، كما في فتح الباري 13/ 288، وانظر الفتح الرباني 17/ 354.

(2)

عن أنس (ض): لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله (ص)، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا، لما يعلمون من كراهيته لذلك، الترمذي حديث رقم 2754، وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وأحمد في السند، المسند مع الفتح الرباني 17/ 353.

(3)

خرجه الترمذي حديث رقم 2755، وأبو داود رقم 5229، من حديث معاوية يرفعه إلى النبي (ص) بلفظ: "من أحب أن يتمثل له الرجال قياما

"، وقال الترمذي: حديث حسن، وهو مخرج في صحح أبي داود برقم 4357، وفي رواية بلفظ: "من أحب أن يستجم له الناس صفوفا

"، أي: يجتمعون له، كما في النهاية في غريب الحديث 1/ 301.

حكم القيام للقادم: قال في الفتح الرباني 17/ 353: إنما كره (ص) قيامهم له تواضعا لربه، مخالفا لعادات المتكبرين حتى لا يتخذها المتكبرون من الأفراد سنة، وهذا لا ينافي القيام للوالدين وأهل الصلاح والتقوى من الأمراء وغيرهم، فقد روى أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن عائشة (ض): قالت: ما رأيت أحدا أشبه سمتا وهديا ودلا برسول الله (ص) من فاطمة (ض)، كانت إذا دخلت قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكانت إذا دخل عليها قامت إليه، وأخذت بيده، وقبلته وأجلسته في مجلسها، وفي الصحيح أن النبي (ص) أرسل إلى سعد بن معاذ عندما نزل أهل قريظة على حكمه، فجاء، فقال النبي (ص): "قوموا إلى سيدكم

"، البخاري مع فتح الباري 13/ 288، قال الخطابي: فيه من العلم أن قول الرجل لصاحبه: يا سيدي غير محظور إذا كان صاحبه خيرا فاضلا، وإنما جاءت الكراهة في تسويد الرجل الفاجر، وفيه أن قيام المرؤوس للرئيس الفاضل وللولي العادل، وقيام المتعلم للعالم مستحب غير مكروه، وإنما جاءت الكراهة فيمن كان بخلاف هذه الصفات، ومعنى ما روي من قوله: من أحب =

ص: 137

بالله، فكيف يتعرض له من كان في طريق الله، بمجرد احتمال قد يصح وقد لا، ويظهر من هذا أن الفاعل أعذر من القائل.

وقد سئل عز الدين بن عبد السلام رحمه الله عن هذا القيام، فأجاب بحديث:"لا تقاطعوا ولا تدابروا"(1)، وقال: تركه يؤدي إلى التدابر

= أن يستحم له الرجال صفوفا، هو أن يأمرهم بذلك على وجه الكبر والنخوة، الفتح الرباني 17/ 352، وفتح الباري 13/ 289، قال في العتبية 4/ 359: سئل مالك عن الرجل تكون له المرأة الحريصة المبالغة في تأدية حقه، فإذا رأته داخلا تلقته فأخذت عنه ثيابه ونزعت نعليه، فلا أرى بذلك بأسا، وأما قيامها فلا أرى ذلك، ولا أرى أن يفعله، هذا من التجبر والسلطان، فقلت له: والله ما ذلك من شأنه ولا تشبهه هذه الحال، ولكنها تريد إكرامه وتوقيره وتأدية حقه، وإنه لينهاها عن ذلك ويمنعها منه، فقال لي: كيف استقامتها في غير ذلك؟ فقلت له: من أقوم الناس طريقة في كل أمرها، فقال: تؤدي حقه في غير هذا، فأما هذا فلا أرى أن تفعله، فإن هذا من فعل الجبابرة، بعض هؤلاء الولاة يكون الناس ينتظرونه جلوسا فإذا طلع عليهم قاموا له حتى يجلس، فلا خير في هذا ولا أحبه، وليس هذا من أمر الإسلام، فأرى أن تدع هذا وتؤدي حقه في غير ذلك.

قال في البيان: القيام للرجل على أربعة أوجه: وجه يكون القيام فيه محظورا، ووجه يكون فيه مكروها، ووجه يكون فيه جائزا، ووجه يكون فيه حسنا.

الأول: الذي يكون فيه محظورا لا يحل، فهو أن يقوم إكبارا وتعظيما لمن يجب أن يقام إليه تكبرا وتجبرا على القائمين إليه.

الثاني: الذي يكون القيام فيه مكروها، فهو أن يقوم إكبارا وتعظيما وإجلالا لمن لا يحب أن يقام إليه ولا يتكبر على القائمين إليه، فهذا يكره للتشبه بفعل الجبابرة، ولما يخشى أن يدخله من تغير نفس المقوم إليه.

الثالث: الذي يكون القيام فيه جائزا، فهو أن يقوم تجلة وإكبارا لمن لا يريد ذلك ولا يشبه حاله حال الجبابرة، ويؤمن أن تتغير نفس المقوم إليه لذلك، وهذه صفة معدومة إلا فيمن كان بالنبوة معصوما، لأنه إذا تغيرت نفس عمر بالدابة التي ركب عليها، فمن سواه بذلك أحرى.

الرابع: الذي يكون فيه القيام حسنا، فهو أن يقوم الرجل إلى القادم عليه من سفر فرحا بقدومه ليسلم عليه، أو إلى القادم عليه مسرورا بنعمة أولاها الله إياه ليهنئه بها، أو إلى القادم عليه المصاب بمصيبة ليعزيه بمصابه وما أشبه ذلك، فعلى هذا يتخرج ما ورد في هذا الباب من الآثار ولا يتعارض شيء منها.

(1)

مسلم من حديث أبي هريرة (ض) عن النبي (ص) وتمامه: "ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا إخوانا كما أمركم الله".

ص: 138

والتقاطع، فلو قيل بوجوبه لم يكن بعيدا، فجعله من محل الضرورة لدفع المفسدة، وقد أشبع فيه ابن الحاج في مدخله، ثم هو بكل حال قبيح، وأقبح منه جعله من الدين، أعاذنا الله من البدعة والفتة بمنه وكرمه.

وكقراءة الفاتحة وسورة قريش بعد الطعام، وهو أمر لا نص فيه، فالتزام أهل الدين له يقتضي أن يكون منه، فيكون بدعة، وإلا فهو ذكر مذكر بالشكر والنعمة لا نص في نفيه، فقد يكون من حيز ما هو عفو، فيتعين بيانه بالترك مرة، والتنصيص أخرى، وكإدخال العروس بيته بالذكر، وهو تبديل لما ورد فيه من العادات المشعرة بها كالدف والغربال، والوليمة والدخان والغناء المباح لذلك، المعروف من الشريعة فيه، ولو كان محلا للذكر ما أغفله الشارع ولا أهمله السلف، ولن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى يه أولها، وكذلك الذكر مع الجنازة، والله أعلم.

وكذلك ذكرهم عند باب الشيخ إلى خروجه، أو وقوفهم به إلى قضاء حاجته من بيته، وقراءة بعضهم الفاتحة قبل الصلاة، وعدم الغسل بعد الطعام وقبله، وإن كان فيما قبله اختلاف، وقد صح "الوضوء قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم"(1) فأما إهمال المريض حتى يصح افتقاره فمن قلة الرحمة، وهو لا يعمل به إلا طائفة منهم، فلا حديث عليه، وبالله التوفيق.

القسم الثالث: في أمور اصطلحوا عليها، وجرت بينهم مجرى العرف والعادة، منها ما هو في الأكل، ومنها ما هو في اللباس، ومنها ما هو في المحاوراة، ومنها ما هو في التصرفات، فتحتاج لعقد فصل مستقل، وبالله سبحانه التوفيق.

(1) لم يصح. عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 23 للطبراني في الأوسط، وقال: فيه نهشل بن سعيد متروك، وذكره الصغاني في الموضوعات ص 17، وكذلك الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 155.

ص: 139