الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القادة، وأئمة الهدى، ويرحم الله مالكا كان يقول في مجالسه كثيرا:
وخير أمور الدين ما كان سنة
…
وشر الأمور المحدثات البدائع
أعاذنا الله من كل فتنة وشر، بمنه وكرمه.
…
25 - فصل
فيما أفادهم هذا الأمر من الفوائد المعتبرة،
وهي خمس في الجملة:
أولها: اتساع الدنيا من طريق الأسباب والعوائد، وذلك محل كل تكلف وفتنة، إلا القليل من الناس، ولذلك كان السلف إذا أقبلت الدنيا قالوا: ذنب عجلت عقوبته، وإذا أقبل الفقر قالوا: مرحبا بشعار الصالحين، فهو (1) لا يعده فتحا إلا من عظمت الدنيا في عينه، ولا يراه منة من حيث هو، إلا من لا يعرف قدر الدنيا في فتنتها وإضرارها، فافهم.
الثانية: كثرة الأتباع والخدام، وهو فرع ما قبله، ونتيجة (تمسك)(2) بما هو محبوب كل مؤمن (أعني الكلمة المباركة، مع وجود)(3) محبوب الطباع الذي هو الاتساع في الدنيا، وذلك كله خير لو سلم مما اقترن به، أو بدت نتائجه على وجود المتلبس به، ولكن الكثرة قل أن يكون معها إنتاج، وإلى ذلك أشار الشاعر حيث قال:
(1) أي اتساع الدنيا.
(2)
في خ: (ما بعده).
(3)
في ت 1: (وما يتبعها من الاقفاء إلى الطريقة المباركة مع وجود
…
إلخ).
بغات الطير أكثرها فراخا
…
وأم الصقر مقلات (1) نزور وقد قال بعض المشايخ رحمهم الله: وليس مرادا أن يكثر في هذه الطريقة الزحام، إنما المراد أن يكون واحد من الأنام، لأنها سلطنة، والملك لا يكون إلا واحد انتهى، وأدلته واسعة فلا نطول بها.
الثالثة: النصرة على الأعداء، بحيث يحصل الأمر منهم (2) بعدم التشفي ونيل الغرض وضده، وهذا من خاصية الكلمة المباركة، فقد ورد أن الله تعالى يقول:"لا إله إلا الله حصني، فمن دخله أمن من عذابي"(3)، وهي موضوعة لذلك في الأصل والفرع، لحديث:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله"(4) الحديث، وما تضمنه من حقن الدماء والأموال والأعراض إلى غير ذلك، فهم في بركة أمنها كسائر المسلمين بزيادة فائدة لوجود الملازمة، وإن فاتهم نور الافتداء والمتابعة، فافهم.
(1) المقلات من النساء هي التي يبقى لها ولد، والنزور: قليلة الولد، وبغات الطير: شرارها وهو طائر به بقع سوداء وبيضاء صغير بطيء الطيران، والبيت للعباس ابن مرداس أو لكثير، انظر لسان العرب (قلت) و (نزر) والمعجم الوسيط 1/ 64،
(2)
في ت 1: (بحيث يحصل الأمر منهم خال لعدم عز التشفي).
(3)
حديث: "لا إله إلا الله حصني" ذكره الديلمي الهمذاني في الفردوس 5/ 251 حديث رقم 8101، من حديث علي يرفعه: ويقول الله عز وجل: لا إله إلا الله حصني"، وذكره ابن عراق الكناني في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الموضوعة 1/ 147 حديث رنم 39، وعزاه لابن عساكر، الذي قال: وفيه عبد الله بن أحمد بن عامر، ثم قال ابن عراق: قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء: رواه الحاكم في تاريخ نيسابور، وأبو نعيم في الحلية، والقضاعي في مسند الشهاب من رواية علي بن موسى الرضا عن آبائه، وهو ضعيف جدا، قال ابن طاهر في الكشف عن أخبار الشهاب: راويه عن علي الرضا في الحلية أبو الصلت السهروي متفق على ضعفه، وراويه عن علي عند القضاعي أحمد بن علي بن صدقة متهم بالوضع، وأما قول صاحب الفردوس: إن هذا الحديث ثابت مشهور فمردود عليه، تنزيه الشريعة.
(4)
خرجه مسلم 1/ 52، من حديث أبي هريرة (ض).
الرابعة: التصرف في أبشار الناس وأموالهم مع وجود الرضى منهم (1) دون توقف، أعني أصحابهم ومن يعتقدهم، وهذا أمر مباح أفاده التعظيم والاعتقاد، والأنس والمودة، ولكنه محل الغلط في التصرف على وجه لا يسوغ شرعا، وإن ساغ فلا يؤمن اختلال شرطه مع التكرار، وربما يحصل له بذلك ضرر، فلا يصح كونه فائدة، ولا زيادة إلا بالصورة، والله أعلم.
الخامسة: وجود التعزز ونفوذ الكلمة، بطريق العادة، بل على سبيل الصولة وكمال رفع الهمة، إذ لا تجد أحدا منهم يتعرض للسلطان ولا غيره لينال من دنياه، ولكن مشغولا بسبب، أو مكتف بما عنده من أسباب الدنيا، وهذه كلها مصيبات وابتلاءات لا كرامات، فقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي (2) (ض): إنما هما كرامتان جامعتان محيطتان: كرامة الإيمان بمزيد الإيقان وشهود العيان، وكرامة الاقتداء والمتابعة وترك الدعوى والمخادعة، فمن أعطيهما ثم جعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبد مفتر كذاب، وذو خطأ في العلم والعمل بالصواب، كمن أكرم بشهود الملك على نعت ارضى، فجعل يشتاق إلى سياسة الدواب، وخلع المرضى، قال: وكل كرامة لا يصحبها الرضى عن الله، فصاحبها مستدرج مغرور، أو ناقص أو هالك مثبور، انتهى.
والكلام في هذا يطول ويخرج عن الغرض، وكل فائدة كان مظهرها عالم الملك فلا عبرة بها، إذ الكائن في الكون لم تفتح له ميادين الغيوب، مسجون بمحيطاته، ومحصور في هيكل ذاته كما قال في (الحكم) وللعاقل إشارة، وبالله التوفيق.
…
(1) أي: وجود الرضى من الأتباع والمريدين بكل ما يفعل بهم مشايخهم من التصرف في أبدانهم وأموالهم.
(2)
الشاذلي علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي الضرير أبو الحسن نزيل الإسكندرية، شيخ الطائفة الشاذلية، له عبارات فيها رموز (ت 656) طبقات الأولياء 458.