الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنظيف مرقعاتهم بل مشهراتهم، وترجيل لحاهم، غير أنهم يدعون أن أهل المغرب أهل حقيقة لا طريقة، وهم أهل طريقة لا حقيقة، وكفى بهذا الكلام فسادا، إذ لا وصول إلى حقيقة إلا بعد تحصيل الطريقة (1)، وقد قال الإمام المقدم، والصدر المبرز، أبو سليمان الداراني (ض): وإنما حرموا الوصول، وهي الحقيقة، لتضييعهم الأصول، وهي (2) الطريقة، وقد شهدوا على أنفسهم بفراغهم عن الحقيقة، فهي شهادتهم بعينها أنهم على غير طريقة، وهاتان جهالتان منهم وهم لا يشعرون.
…
94 - فصل
ثم قال رحمه الله: والزمان يا ولي، شديد، شيطانه مريد، جباره عنيد
، علماء سوء يطلبون ما يأكلون، وأمراء جور يحكمون بما لا يعلمون، وصوفية صوف بأغراض الدنيا موسومون، عظمت الدنيا في قلوبهم فلا يرون فوقها مطلبا، وصغر الحق في أعينهم فأعجلوا عنه هربا، حافظوا على السجادات والمرقعات والمشهرات والعكاكيز، والسبحات المزينات، كالعجائز طغام، صبيان الأحلام، لا علم عن الحرام يردهم، ولا ورع عن الشبهات يصدهم، ولا زهد عن الرغبة في الدنيا يصرفهم، اتخذوا ظاهر الدين شركا للحطام، ولازموا الخوانق في الرباطات رغبة فيما يأتي إليها من حلال وحرام، وسعوا أربانهم، وسمنوا أبدانهم، فوالله ما أراهم إلا كما حدثني غير واحد، وذكر سنده إلى سالم مولى أبي حذيفة (ض) قال: قال رسول الله (ص): ((ليجاءن يوم القيامة بأقوام معهم من الحسنات أمثال جبال تهامة، حتى إذا جيء بهم جعل الله أعمالهم هباء، ثم قذفهم في النار))، فقال سالم: يا رسول الله بأبي أنت وأمي صف لنا هؤلاء القوم حتى نعرفهم، فوالذي بعثك بالحق إني لأخاف أن أكون
(1) أي: الشرع.
(2)
والأصول: كتب الحديث ومعرفة الآثار والسنن كما فسرها القشيري في رسالته ص 56.
منهم، قال:((يا سالم أما إنهم كانوا يصومون ويصلون))، وفي حديث آخر:((كانوا يأخذون وهنا من الليل، ولكنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام))، وفي رواية من طريق آخر:((شيء من الدنيا وثبوا عليه، فأدحض الله عز وجل أعمالهم)) (1) فقال مالك بن دينار (2): هذا والله النفاق، فأخذ المعلى بن زياد (3) بلحيته فقال: صدقت والله (يا أبا الخير)(4)، والله يا ولي لو رأيتهم في صلاتهم ينقرونها، وفي صفوفهم لا يقيمونها، يجعل أحدهم بينه وبين صاحبه قدر ما يدخل فيه ألف شيطان، ثم إذا جئت تسد ذلك الخلل، تراهم قد قطبوا وجوههم، فإن غفلت ووطئت سجادة أحدهم، لكمك لكمة حيثما جاءت منك، وقد يكون فيها حتفك، وهذه وأشباهها هي الطريقة التي أهل زمانك عليها، ويرحم الله القشيري حيث أدرك من تحلى بحلية القوم في ظاهره، وتعرى عنهم في باطنه، فأنشد:
أما الخيام فإنها كخيامهم
…
وأرى نساء الحي غير نسائها
هذا قد اشترك معهم في زيهم الظاهر، فأما اليوم فلا خيام ولا نساء.
ثم قال: بإجماع من القوم أن الموت الأحمر (5) عندهم طرح الرقاع
(1) حديث سالم مولى أبي حذيفة رواه أبو نعيم في الحلية 1/ 178 بسند فيه انقطاع، وعزاه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 3/ 200 إلى أبي نعيم بسند ضعيف، وإلى أبي منصور الديلمي من حديث أنس، وهو ضعيف أيضا، وخرجه ابن ماجه رقم 4245 من حديث ثوبان عن النبي (ص) بلفظ:((لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، بيضا، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا))، قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(2)
مالك بن دينار السامي الناجي أبو يحيى البصري الزاهد، أحد رواة الحديث، ثقة (ت 127) تهذيب الكمال 27/ 135.
(3)
في خ العلاء بن زياد وهو المعلى بن زياد القردوسي البصري الزاهد، ثقة، تهذيب الكمال 28/ 289.
(4)
هكذا ورد في الأصول، وفي الحلية: يا أبا يحيى، وهو الصواب، فهي كنية مالك بن دينار كما في تهذيب التهذيب.
(5)
في خ: الموت الأخضر عندهم طرح الدقاق.
بعضها على بعض، وذلك شعارهم (ض) (1) فقام هؤلاء وقالوا: إنما لنا لبس مرقعة خاصة، ولم يلحظوا ما أريد بها، فتأنقوا (2) في الثياب المطرحة، والأعلام المشهرة، وخاطوها على وزن معلوم وترتيب منظوم تساوي مالا، وأفسدوا عليها ثيابا وسموها مرقعة، فرحم الله سيد هذه الطائفة أبا القاسم الجنيد، حيث أنشد لما رأى فساد الحال:
أهل التصوف قد مضوا
…
صار التصوف مخرقة
صار التصوف ركوة
…
وسجادة ومزلقة
صار التصوف صيحة
…
وتواجدا ومنطقة
كذبتك نفسك ليس ذي
…
سنن الطريق المحلقة (3)
ثم قال: والله ما أعلم أهل الطريقة كذا، ما كان إلا بالقعود في مرابط الكلاب (4) مجاهدة، وتحمل الأذى وكفه رياضة، والرحمة والشفقة والعطف على الفقراء، أين هم من صفوة الله كما نعتتهم الطائفة العلية (ض) على ما حدثنا فلان، وذكر سنده إلى عبد الباري (5)، قال: قلت لذي النون المصري: صف لنا الأبدال، فقال: إنك سألتني عن دياج الظلم لأكشف لك عنها يا عبد الباري، وهم قوم ذكروا الله بقلوبهم تعظيما لربهم لمعرفتهم بجلاله، فهم حجج الله تعالى على خلقه، ألبسهم الله تعالى النور الساطع من محبته، ورفع له أعلام الهداية إلى مواصلته، وأقامهم مقام الأبطال لإرادته، وأفرغ عليهم الصبر عن مخالفته، وطهر أبدانهم بمراقبته، وطيبهم بطيب أهل معاملته، وكساهم حللا من نسج مودته، ووضع على رؤوسهم تيجان مبرته،
(1) هكذا في خ، وفي ت 1: لا رضي الله عنهم.
(2)
في خ وت 1: فتتنافوا.
(3)
في ت 1 وت 2: الملحقة.
(4)
كون الطريق إلى الله تعالى يستلزم التواضع وتحمل الأذى هذا صحيح، لكن لا يكون بالقعود في مرابط الكلاب.
(5)
هو عبد الباري بن إبراهيم، أخو ذي النون المصري، انظر ترجمة ذي النون المصري في صفة الصفوة 4/ 315.