الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذ حببه في قلبه وزيه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، فيقول: يا رب أنعمت علي بهذا وسميتنى راشدا فكيف أيأس منك وأنت تمدني بفضلك وإن كنت متخلفا، فأرجو أن تقبلني وإن كنت زائفا.
والأمر الثاني: اللجوء والافتقار إلى الله تعالى دائما، وتقول: يا رب سلم سلم، وقني وانقذني.
فلا طريق لمن غلبت عليه الأقدار، وقطعته عن العبودية المحضة لله تعالى إلا هذان الأمران، فإن ضيعهما فالشقوة حاصلة والبعد لازم، والعياذ بالله تعالى، انتهى، والله المسؤول في الهداية والتوفيق بمنه وكرمه.
…
67 - فصل
في ذكر أمور عمت البلوى بها في فقراء الوقت
وأمهاتها عشرون:
أحدها: علم الكنوز والكيمياء والكاغديات ونحوها، وهي دسيسة من حب الدنيا وقلة العقل.
الثاني: علم التصريف من الخواتم والعزائم والحروف والطلاسم ونحوها، وباعثه طلب الاستظهار بالخوارق لإقامة جاه، وانتصار من عدو ونحو ذلك.
الثالث: علوم الروحاني وتخديم الجان وتصريفه في الأغراض، وأصله نحو من الذي قبله.
الرابع: علم الحدثان والتنجيم وما يجرى مجراه من النظر في الاختياريات العلوية والتشوف للاطلاع على الأمور قبل بروزها، وهو (من سوسة)(1) الدعوى في النفس.
(1) في خ: وسوسة.
الخامس: طلب الاسم الأعظم والتعلق بالأسماء لتحصيل خواصها والاستفادة بها مجردة عن العمل والتوجه بالهمة، وهو مفتاح البطالة والضلال.
السادس: طلب الشيخ المربي بالهمة أو بالحال أو بالعمل أو بكلها دون أخذ في العمل ولا في سبب من الأسباب، وهو أيضا عكاز البطالة.
السابع: الاغترار بكل من ظهرت عليه خارقة، أو الإنكار عليه قبل تحقق حاله بوجه واضح.
الثامن: اشتغال الشر بخلاف المهم من العلوم والأعمال دون المهم، وهو أيضا من البطالة.
التاسع: وجود الوسوسة والعمل بها ورؤيتها دينا قيما لا يعدل عنها إلا ناقص.
العاشر: التعزز بالطريق، والاستظهار بالدعوى الكاذبة وغيرها، للاتتصار وللاستتباع أو لاستظهار.
الحادي عشر: سب المنكرين والمبالغة في شأنهم وإن كانوا فقهاء أو أئمة أو غير ذلك.
الثاني عشر: التجاسر على المراتب وادعاؤها لأنفسهم أو لغيرهم.
الثالث عشر: التظاهر بالطامات والشطحات وعدم الاعتداد بغير أهلها.
الرابع عشر: تتبع المشكلات والكلام فيها، مثل مسألة الروح ونحوها.
الخامس عشر: جعل العلم حجة لأنفسهم لا عليها، أو يحكمون به على غيرهم لا على أنفسهم.
السادس عشر: تعليم العامة علوم التوحيد ودقائق التصوف ونحو ذلك.
السابع عشر: تتبع الفضائل مع إهمال الفرائض وإفاتتها.
الثامن عشر: إيثار المنافع العامة وأنواع الشفاعات.
التاسع عشر: الاستظهار بما يستجلب النفوس من الأعمال كالسماع والأحوال كالتواجد ونحوه.
الموفى عشرون: التبرك بالآثار وزيارة مقابر الأموات، والانتماء (1) إليهم وقراءة أحزابهم والنسج على منوالهم، ونحو ذلك، وسنذكر كلا في فصل يخصه بتفصيله، وبالله التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
…
68 -
فصل
أما علم الكيمياء (2) فقد أولع به طائفة من الفقراء
وادعوا أن الاشتغال به مهم لتحصيل الفوائد المالية،
وإقامة الزوايا وإطعام الطعام ونحو ذلك،
وربما يزيد بعضهم أنه من شروط الإيمان،
اغترارأ بقول أبي العباس البوني:
إن العلم به أول المراتب في الإيمان باليوم الدنيوي، وقصده أن تجويز وجوده من اتساع العلم بالقدرة، لا وجود طلبه والتعلق به، إذ لا يتعلق به إلا قليل الدين، قليل المروءة، قليل العقل، واسع دائرة الوهم، بعيد عن دائرة الفهم.
أما قلة دينه فلأنه يؤدي إلى محرمات، منها تأذيه ببعض السموم الثائرة منه، كما اتفق لكثير منهم، فمات أو تأذى غيره بها بعده، بواسطة قلبه للعين، حتى تستعمل في بعض الأدوية ونحوها، فيكون سببا في ذلك، وكذلك حرق ما لا يحل حرقه من شعر أو عظم أو تقطير حيوان، وإتلاف المال في غير محقق ولا مضمون السلامة، هذا مع ما يعرض له إن صح
(1) في خ: الاعتناء.
(2)
انظر فيما تقدم فصل 52 (هامش) على شرح لفظة الكيمياء
من وجوب البيان الذي لا قدرة له عليه إلا بإلقاء نفسه في الهلكة، وإن لم يبين أكل حراما، ثم إن اطلع عليه ردت شهادته وإمامته، انظر القلشاني (1) في بيوع الرسالة عند قوله:(ولا ما إذا ذكره كرهه المبتاع).
وأما قلة عقله فتعريض نفسه للتلف، ودينه للنقص، وماله للهلاك، ومروءته للطعن بأمر متوهم، الغالب عدم وجوده بل فقده جملة وتفصيلا، كما قيل:
كاف الكنوز وكاف الكيمياء معا
…
لا يوجدان فدع عن نفسك الطمعا
وقد تحدث أقوام بأمرهما
…
وما أظنهما كانا ولا وقعا
وأما قلة مروءته فلأنه يعرض نفسه للمقال عند الاطلاع عليه، إذ لا ينسب إلا للتدليس والغش، ولو كان يأتي بأصل الحكمة وينبوع المعادن، وأيضا فلا يصح له ما يفعل إلا بالاحتياج لقوم لا خلاق لهم، واطلاعهم على سره من اليهود وأشباههم من أهل المعرفة بأنواع المواد والوجوه والتحقيقات، وإلا كان ماشيا في عمياء، ومن لم يأنف من مثل هذا في سببه فهو خسيس الهمة، وما يدعيه من الفوائد في جنب ما يحصل له من الشر كنقطة في بحر.
واحتجاج المحتج بوقائع الأكابر في ذلك، احتجاج بأمراض وقعت لمن تداركه الله على نفع العلة، ولقد رأينا هذه الصناعة ومن يطلبها مقرونة بالذل والفقر، وقال لنا بعض المشايخ:
ما وقع عليها أحد قط، إلا وقع في فقر الأبد، وهو البخل، أو غنى الأبد، وهو القناعة، حتى لا ينتفع بها، ولقد عاينا ذلك في كل من يتهم بها، فأما علمها مجردا فلا بأس به، لما فيه من الاطلاع على أسرار العالم وحكمة التركيب والتحليل وأسرار وجوده، ولقد كان بعض المشايخ يسلك به من حيث الهمة والفعل، لا من حيث الطلب والتحصيل، فاتهم به وله طريقة.
(1) هو أبو العباس أحمد بن محمد القلشاني، شارح الرسالة، (ت 863) انظر شجرة النور الزكية ص 258.