الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدها: أنه لم يخص بها ركعة من الركعات، بل يقرأها في صلاته فقط، وأنتم تقيدونها بالثانية أبدا. الثاني: أنه كان يضيفها إلى غيرها فيأتي بسنة الصلاة من تطويل أو تقصير ثم يزيدها كما ورد في رواية من الحديث (1)، وأنتم لا تضيفون لها شيئا بل تقرؤونها مجردة.
الثالث: أنه لم يتعرض بها لإشاعة ولا أمر بها أحدا، بل أخذ بها في نفسه، وقد يسمح للشخص في نفسه بما لا يسمح له به في العموم، وشواهد ذلك من الشريعة كثيرة، وهذا خلاف ما أنتم عليه.
الرابع: أنه استند في فعله لغلبة الحال، فقال لرسول الله (ص) لما سأله في ذلك: إنها صفة الرحمان وإني أحبها، فقال:"حبك إياها أدخلك الجنة"، فأحاله على الحال، لا على الفعل في الثواب، فافهم.
الخامس: أن القوم لما عزلوه عاد إلى الإنصاف، وما عزلوه إلا لأن ذلك عندهم لا يسوغ، حتى إذا تبين عذره وأقره الشارع على ذلك سلموا له، وإلا فهم منكرون لفعله من حيث هو، لكونه لم يوافق ما عليه جمهور الإسلام في ذلك، ولولا عذر الشارع (ص) له ما سلموا له حاله، والله أعلم.
…
31 - فصل
في ذكر شبههم فيما آثروه وهجروه مما تقدم ذكره
.
أما تقيدهم في قراءة الصلاة، فسمعت من بعضهم ما يدل على أنهم قصدوا به مناسبة أعداد الصلاة، وحركات الفلك، فأتوا لكل وقت بما
(1) الحديث في الرجل الذي بعثه النبي (ص) على سرية، لفظه:"وكان يقرأ لأصحابه في صلاته، فيختم بـ {قل هو الله أحد} "، خرجه البخاري 6940، ومسلم 813، وانظر حكم تكرار سورة الإخلاص في الركعة الواحدة في البيان والتحصيل 1/ 371.
يناسبه، وجعلوا الركعة الأولى فرقا، والثانية جمعا (1)، وهو شيء يشبه الفلسفة، فدخوله في الشرعيات لا عبرة به، واعتبار ذلك من حيث الخاصية (2) أيضا خارج عن الحق، هذه سورة البروج قد نص المشايخ على أن مداومتها في صلاة العصر تنفع من الدماميل، وهي مجربة، ولكن العبادة لا ينبغي أن تدخل بالعادة، فأبدلناها بعد الصلاة فانتفعنا بها، واحترام الشريعة لا يأتي إلا بخير، فإن قيل: فالرسول (ص) قد كان يصلي صبح يوم الجمعة بالسجدة وهل أتى (3) وصلاة الجمعة بالجمعة والغاشية (4) والعيد بسبح والشمس وضحاها (5) والخسوف بالأول الأربع الطوال (6) والفجر بالكافرون والإخلاص (7)، والوتر بالإخلاص والمعوذتين (8) ومغرب ليلة الجمعة بالكافرون والإخلاص (9) إلى غير ذلك وهذه كلها تقيدات.
(1) الجمع: ما يشهده الله تعالى العبد من اللطف والإحسان، والفرق: القيام بحق العبودية، الرسالة القشيرية ص 29.
(2)
أي: تخصيص قراءة سورة معينة في الصلاة لظن أن لها خاصية معينة كالاستشفاء بها أو الحفظ ونحوه، كل ذلك خارج عن الحق، لأن التخصيص لا يكون إلا بنص الشارع.
(3)
حديث قراءة النبي (ص) في صبح الجمعة بالسجدة وهل أتى في مسلم من حديث ابن عباس 2/ 599.
(4)
حديث قراءة النبي (ص) في الجمعة بسورة الجمعة والغاشية في الموطأ 1/ 111.
(5)
في الموطأ 1/ 181: كان النبي (ص) يقرأ في العيدين بسورة {ق والقرآن المجيد} و {اقتربت الساعة} أحيانا، وأحيانا {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية} أو {والليل إذا يغشى} ، يقرأ سورة في كل ركعة.
(6)
حديث ابن عباس في صفة صلاة رسول الله (ص) عندما كسفت الشمس، قال: فقرأ نحوا من سورة البقرة في الركعة الأولى، قال في الفتح: زاد أبو داود: أنه قرأ في القيام الأول من الركعة الثانية نحوا من آل عمران. البخاري مع فتح الباري 3/ 194، وفتح الباري 3/ 183.
(7)
حديث قراءة النبي (ص) في الفجر بالكافرون والإخلاص في مسلم 1/ 502.
(8)
حديث قراءة النبي (ص) في الوتر بالإخلاص والمعوذتين في النسائي 3/ 203، والترمذي 2/ 326.
(9)
خرج ابن حبان في الإحسان 5/ 149 حديث جابر بن كسرة: "كان النبي (ص) يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة بـ {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} " وانظر السنن الكبرى 2/ 391.
قلنا: الشارع لا يعترض عليه في نظره، ولا يتعدى ما أتى به فحيث أطلق تعين الإطلاق، وحيث قيد تعين التقييد، {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (1) وقال (ص): "ما تركته لكم فهو عفو} (2) وهذا ليس من المتروك، بل حمله مالك على الإيثار والإكثار، لا على التقييد، أعني ما وقع في صبح الجمعة ومغربها (3)، ولولا ذلك لم يكرهه، ولا يصح التحديد إلا منه، فارتكابه افتيات عليه، هذا مع ما أضيف لما ذكر من أمور أخر تقتضي وجود النكير، وقد نص العلماء على أنه لا يجوز لأحد أن يتعبد بمثل صلاة العيد، ولا الخسوف ونحوه، وذكره ابن الحاج في آخر مدخله، هذا مع أنه أثبته الشارع، لكن في محل خاص، فوجب أن لا يتعدى لغيره، والله أعلم.
وأما شبههم في التقييد بالدعاء ونحوه من الأذكار، فعمدتهم في ذلك ترك المألوفات وطلب التأثير بوجود المستغربات، وذلك توهم باطل من وجوه ثلاثة:
أحدها: أن العادة جارية بإلف المستغرب عند تكراره، حتى يصير في معد المألوفات، فلا يبقى له أثر غير استشعار الاختصاص، وهو مضر بصاحبه، إذ يثير له رؤية نفسه، فافهم.
الثاني: أن التأثير الحقيقي هو الذي ينتج حالا أو عملا على وفق الحق والبصيرة وقد عرف أن الاصطلاح في العبادة لا يثير شيئا من ذلك، وهو مشاهد عند من له أدنى فهم.
(1) الحشر 7.
(2)
الحديث بلفظ: "ما أحله الله فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو"، هو في مختصر زوائد مسند البزار 2/ 93، والمستدرك للحاكم 2/ 375، وقال هو والذهبي؛ صحيح.
(3)
أي: مغرب ليلتها.