الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالث: أن وازع الحقيقة لا يتوقف على نمط واحد، فالتقييد بالكيفيات حرمان من وجوه المعارف وإن أثار لذة نفسانية، فلا يؤثر حقيقة إيمانية، ولا نكتة عرفانية، وبالله سبحانه التوفيق.
…
32 - فصل
فيما يذكر عنهم من ترك قضاء الفوائت،
وتفويت الصلاة إذا كان أحدهم في شغل الفقراء حتى يقضيه،
وإن فات الوقت، وهما مصيبتان عظيمتان
.
أما الفوائت، فأول الواجبات بعد التوبة عند القوم قضاؤها إجماعا منهم، وإن كان بعض الفقهاء قد قال بسقوطها بناء على تكفير تارك الصلاة، وهو يقول مع ذلك بانفساخ نكاحه، وتجديد سائر عقوده الإسلامية، وهو مذهب بعيد، لا يصح الأخذ به في هذه البلاد، لعدم تحقيقه من علمائه، وإن كان حقا في نفسه فليس معولا عليه، ولا معمولا به عند القوم، فالعمل به تلاعب بالدين، ورجوع إلى الرخص بغير ضرورة ملجأة، وليس ذلك من شأن القوم، ثم النوافل لا تسد مسد الفرض، وقد أنكر مالك على من يرى ذلك، وقال: ليس ذلك من السنة في شيء، وإن كان قد روى عنه قول بالسقوط، فقد أنكره عياض (1) وغيره من شيوخ المذهب، وشأن الفقير الصادق إنما هو الأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأشق، إلا في محل ضرورة أو أمر لا بد فيه من الترخص، لندب من الشارع ونحوه ألحقه (2) نفلا، بل قال المشايخ: متى بقيت على المريد بقية من الحقوق الواجبة على توبته كان ذلك نقصا في حاله عند فتحه، وهو مشاهد معلوم.
(1) عياض بن موسى اليحصبي السبتي، من جلة المالكية في الفقه والأثر (ت 544) الديباج المذهب 168.
(2)
أي: ألحق الفرائض نفلا يسد مسد القضاء عند الترخص للضرورة.
وأما تفويت الصلاة لخدمة الإخوان فحرام إجماعا، ولا بارك الله في شغل أشغل عن الصلاة، لأنها عماد الدين، وأصل كل خير وتمكين، ولقد اختلف العلماء في تعارض الوقوف بعرفة وصلاة العشاء أيهما يقدم، لقوة الواجبين وفواتهما، فما ظنك بغير ذلك مما هو من حيز المندوب المخير، إن صح كونه مندوبا، فاعرف ذلك، وهذا أبو حفص الحداد (1) أحد الرجال الأكابر (ض)، كان إذا سمع النداء، وقد رفع المطرقة، ألقاها من خلفه خشية أن يعمل شيئا قبل إجابة داعي الحق، وكتب عمر (ض) إلى بعض عماله: إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع (2) وقال بعض السلف في قوله تعالى:{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} (3) يعني أخروها عن وقتها، إذ لو تركوها لكان كفرا، وقال الشيخ محيي الدين بن عربي رحمه الله: إن أردت الأولياء فاطلبهم في الخلوات وذكر مواضع، ثم قال: وإن أردت أن تكون منهم فلا يدخل عليك الوقت إلا وأنت في المسجد، فأما إن فاتتك تكبيرة الإحرام أو ركعة فأنت من العامة المطعون في إيمانهم، يعني بالنقص، ولا حديث عليك، وبالجملة فهذه مسألة بينة الغي ظاهرة الباطل، فلا يعمل بها إلا جاهل، ولا يقر عليها إلا مضل، ولا يأمر بها إلا من لا خير فيه، والسلام.
…
(1) أبو حفص عمرو بن مسلمة الحداد النيسابوري، أحد أئمة التصوف الأعلام (ت 267) طبقات الصوفية ص 115 وحلية الأولياء 15/ 229.
(2)
قول عمر (ض) في الموطأ 1/ 6 بلفظ: إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها، حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
(3)
مريم 59.