الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالحق، وهو أخذ البين في نفسه، وترك ما عداه لأربابه، مع حسن الظن بالجمع، وبالله التوفيق.
…
82 - فصل
في تتبع المشكلات والاستظهار بالكلام فيها مع العوام وغيرهم
وتعليمهم علوم التوحيد ودقائق التصوف
وذلك كله من حب الرئاسة والظهور بالغرائب، لأن النفوس مجبولة على حب الغريب، فتجد الواحد منهم يسأل عن المعرفة والوصول والحقيقة
= ثم قال، وقد كنت سألت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني عن ابن العربي، فبادر الجواب بأنه كافر، فسألته عن ابن الفارض، فقال: لا أحب أن أتكلم فيه، قلت: فما الفرق بينهما؟ وأنشدته من التائية، فقطع علي بقوله: هذا كفر، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء عن ابن العربي: ومن أردإ تواليفه الفصوص، فإن كان لا كفر فيه، فما في الدنيا كفر، ونقل عن ابن عبد السلام أنه كان سيئ الرأي فيه، وأنه يقول بقدم العالم، قال الذهبي: إن كان رجع عن مقالته تلك قبل الموت فقد فاز، وما ذلك على الله بعزيز، وقال الذهبي في ترجمة ابن الفارض: فإن لم يكن في قصيدته صريح الاتحاد، فما في العالم زندقة، ولبرهان الدين إبراهيم البقاعي المتوفى سنة 858 هجرية كتابان شنع فيهما على ابن عربي وابن الفارض، هما (تنبيه الغبي على تكفير ابن عربي)، و (تحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد).
أما الحافظ المنذري فقد ترجم لابن العربي، ونعته بالشيخ الأجل، وقال: حدث ببغداد ودمشق، ولم ينتقده بشيء وترجم أيضا لابن الفارض، ونعته بالشيخ الأديب الفاضل، وقال: سمعت من شعره، وقال الذهبي: حدث عنه - أي ابن المنذري -، انظر التكملة لوفيات النقلة 3/ 388، و555 وانتصر لابن الفارض القاضي زكريا بن محمد الأنصاري، فقد أصدر فتوى في سنة 973 هجرية برأ فيها ابن الفارض مما نسبه إليه خصومه من العقيدة الضالة، وكذلك الفقيه أحمد بن حجر الهيثمي، وجلال الدين السيوطي، فقد أفرد الأخير تأليفا سماه:(قمع المعارض بنصرة ابن الفارض). انظر ابن الفارض والحب الإلهي ص 131، وأعدل الأقوال في هذه المسألة ما اختاره المؤلف من تفويض الأمر فيهما وفي من كان على شاكلتهما إلى الله تعالى، مع التحذير من قراءة تآليفهم الغامضة، والله أعلم وأحكم.
والتحقيق، ويتكلم في الأحوال والمنامات والمنازلات وعلم الخواص ونحوها مع العوام، ويزعم أنه بذلك مشوق لهم ومذكر، وما هو إلا مضر بهم ومهلك لهم، حمله عليه الجهل بحكمة الله في خلقه، فقد قال عيسى (س) لأصحابه: ت (بحق أقول لكم يا معشر الحواريين، لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير)(1) وفي الخبر: ((لا تؤتوا الحكمة غير أهلها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم)) (2) وفي معناه أنشدوا:
ومن منح الجهال علما أضاعه
…
ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وقد اختلف علماء الصوفية في بذل علومهم لغير أهلها، فقال بعضهم: لا تبذل إلا لأهلها، وقال بعضهم: تبذل لأهلها ولغير أهلها، والعلم أحمى جانبا من أن يصل إليه غير أهله.
قيل للجنيد: كم تنادي على الله بين يدي العامة؟ قال: لكني أنادي على العامة بين يدي الله.
وقيل للنوري (3): ألا تذكر أصحابك؟ قال: إنهم في حجاب القطيعة، والحق أن ما كان من حيز المعاملات يبذل لكل أحد لأنه حق الله على عباده وجوبا أو ندبا، وما كان من حيز الحقائق فيعتبر فيه الوجه، فقد قال
(1) رواه الخطيب عن كعب بلفظ، قال بعض الأنبياء:(لا تلقوا دركم في أفواه الخنازير)، وقد أخرج ابن ماجه نحوه من طريق عيسى بن عقبة بن أبي العيزار بلفظ: (
…
وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجواهر واللؤلؤ والذهب) ويحيى يروي الموضوعات، قال الشوكاني: وبالجملة فالحديث ليس بموضوع، ومن جعله في الموضوعات فقد أخطأ، قال عبد الرحمن المعلمي محقق الكتاب تعليقا على قول الشوكاني (ليس بموضوع): لم يثبت من أسانيده ما يدفع عنه الوضع، ومتنه منكر، فإن كان له أصل فمن حكاية كعب الأحبار، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات. انظر أسنى المطالب ص 346. والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 274.
(2)
في مسند الدارمي 1/ 105 من كلام كثير بن مرة: ((لا تحدث الحكمة للسفهاء فيكذبوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعه في غير أهله فتجهل
…
)).
(3)
أبو الحسين النوري أحمد بن محمد البغدادي يعرف بابن البغوي، كان من أجل مشايخ الوقت، صحب السري السقطي (ت 295 هـ) طبقات الصوفية ص 164.
رسول الله (ص): ((أمرنا معاشر الأنبياء أن نخاطب الناس على قدر عقولهم)) (1) وقال (ص): حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله)) (2).
وضرب عمر بن الخطاب (ض) صبيغا (3) لما كان يتتبع المشكلات ويسأله عنها، وقال الإمام أبو حامد الغزالي (ض): وقد تضر الحقائق بأقوام كما يتضرر الجعل بالورد والمسك، انتهى، ومن وجوه الضرر في ذلك سبعة أشياء:
أحدها: أن حقائق التوحيد ودقائقه تدهش الضعيف فتوقعه في الحيرة والشغب.
الثاني: أن ذلك ربما أثار له شبهة لاتساع الأمر عليه، وزلزل اعتقاده بما يدخله من الاضطراب.
الثالث: أنه ربما كان بصورة شبهة أو فرض لها، فتثبت في نفسه، ولا يمكن رفعها بعد، وهو أحد الوجوه الذي هجر ابن حنبل المحاسبي لأجله، لما ألف كتابا في الرد على المعتزلة.
الرابع أن ما يسمعه من الأحوال والمقامات يؤديه لاحتقار علم الظاهر وأهله وهو الأهم عليه، فيحصل الضرر من الصلاح كما هو مشاهد في كثير من الناس.
(1) في الفردوس عن ابن عباس بلفظ: ((أمرت أن اكلم الناس إلخ))، حديث رقم 1611، وقال في المقاصد ص 93: سنده ضعيف، وعزاه الحافظ إلى مسند الحسن بن سفيان عن ابن عباس، وقال: سنده ضعيف جدا، قال: وله شاهد من حديث مالك عن سعيد بن المسيب رفعه مرسلا: ((إنا معاشر الأنبياء أمرنا
…
)) وذكره، واللفظ الذي ساقه المؤلف، عزاه في كشف الخفاء 1/ 226 للشيخ عبد القادر في الغنية.
(2)
ذكره البخاري في الصحيح تعليقا من قول علي (ض) انظر البخاري مم فتح الباري 1/ 235.
(3)
قال الحافظ في الإصابة 3/ 458: روى الدارمي من طريق سليمان بن يسار، قال: قدم المدينة رجل يقال له: صبيغ بن عسل، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر، فأعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله ضبيغ، قال: وأنا عبد الله عمر، فضربه حتى أدمى رأسه، فقال: حسبك يا أمير المؤبن، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي.