الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
56 - فصل
في أنواع المتعلقين بالمشايخ والمتشيخة وأنواع الطرق وذلك
بحسب المتمسكين
وهم ثلاث طوائف:
أولها: طائفة المحبين، وحقهم وجود المحبة، لأن جزاء المحب أن يحب، ومن لوازم المحبة وجود الشفقة على كل حال، والإكرام بكل وجه، فيأمره بما يزكيه، وينهاه عما يؤذيه، ويوقيه مما يرديه، ويقيده بما ينفعه في دينه ودنياه، حسب إمكانه قياما بحق وده على قدره.
الثانية: طائفة المنتسبين وحقهم وجود الاحترام، لأن حفظ الحرمة يقابل بكريم الخدمة، ولذلك أشار الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ض) بقوله في حزبه الكبير: من قرأه فله ما لنا وعليه ما علينا، أي: له ما لنا من الحرمة، وعليه ما علينا من الرحمة، قاله ابن عباد رحمه الله.
الثالثة: طائفة الصادقين، وحقهم وجود السياسة، وحفظ الرئاسة، والقيام بالنصيحة، والتحذير من كل شنيعة وفضيحة فيما لهم وعليهم، وهي المرتبة التي يحتاج فيها إلى تدقيق النظر وتحقيق المناط في جميع المواقف، لأن مطلب صاحبها الكمال، وكل ينال من الحق بنيته على قدر همته، فالمحب محبوب، والمنتسب محترم، والصادق مصان، ولن يجعل الله لأحد على وليه من فضيلة، بل يجازيه عليها ما هو أعظم على قدر حاله، فافهم.
وحق الشيخ ومن يقوم مقامه أن يطالب كل أحد بما تقتضيه قواه، من غير زائد على ذلك، فالعامي بالتقوى، والفقيه بالاستقامة، والمريد بالصدق، والعارف بالورع، إذ عامي لا تقوى له فاجر، وفقيه لا استقامة له مقصر، ومريد لا صدق له متلاعب، وعارف لا ورع له ناقص، ومطالبة الشخص بخلاف ما تقتضيه قواه جور عليه، وللرجال في أوصاف النفوس ومعاملاتها مجال رحب، أحسنه النظر في حقائق النفوس، والعمل على مقتضى حالها، ولهم في ذلك ثلاث طرق:
الطريق الأول: طريق المغاربة، ومبناه على أوصاف النفوس المركبة فيها، وما أفسد حسنها وقوي سيئها، فإذا عرفوا ذلك قابلوه بما يصلح لإزالته أو إضعافه، وجريهم في ذلك على طريق أصحاب التدبير، مستندين لقوله (ص):((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة)) (1)، الحديث، قالوا: فأصل النفوس كلها الطهارة والاستقامة، كما أن أصل المعادن الذهب والفضة، ودخلت على هذه أوصاف البشرية المناقضة للعبودية، فأفسدتها كما دخلت الكباريت على الأخرى فأفسدتها، فيحتاج إلى النظر في تمييز العيب، ثم العمل في إزالته بوجهه الخاص به على مراتبه وترتيبه.
الطريق الثاني: طريق أهل اليمن، وهو أنهم يرون القلوب أراضي، فمنها ما يصلح للحرث، ومنها ما يصلح لاستجماع الماء، ومنها ما لا يصلح لشيء من ذلك، فيعاملون كلا بما يليق به، عملا بقوله (ص):((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرض)) (2) الحديث، وبقوله تعالى:{أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} (3) الآية، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فيحتاجون إلى تمييز الصالح من غيره، وحينئذ يلقون فيه ما يليق به من البذور، ويعملون فيه بما ينميه ويصلحه.
الطريق الثالث: طريق الأعجام، وهو أنهم يرون القلوب أواني، فينظرون لما ألقي فيها، فينمونه، لقوله (ص):((القلوب أواني الله، فخيرها ما رق وصفا، وشرها ما غلظ وجفا)) (4) الحديث، ولذلك كان مشايخهم
(1) خرجه مسلم رقم 2638، من حديث أبي هريرة (ض) عن النبي (ص) بلفظ: ((الناس معادن كمعادن الفضة والذهب
…
إلخ)).
(2)
متفق عليه، من حديث أبي موسى (ض) عن النبي (ص)، انظر البخاري مع فتح الباري 1/ 185، ومسلم حدث رقم 2282.
(3)
الرعد 17.
(4)
جاء في الفردوس حديث رقم 686 عن عبد الله بن عمر (ض): ((إن لله عز وجل في الأرض آنية، وهي القلوب، فأحبها إلى الله ما رق وصفا وصلب، فأما الرقة فعلى الإخوان، وأما الصفا فمن الذنوب، وأما الصلابة فأن يتكلم بالحق لا يخاف في الله لومة لائم))، وانظر مصف ابن أبي شيبة 7/ 241 والحلية 6/ 97 وهو في الزهد لأحمد بن حنبل من كلام خالد بن معدان الزهد 1/ 384.