الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
87 - فصل
في بعض ما يتعلق بالتبرك والآثار من الآداب
من ذلك أنه لا يصلى على المقابر ولا يبنى عليها مسجد للتبرك، فقد قال رسول الله (ص):((اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجدا)) (1) وفي رواية: ((أولئك شرار الخلق، كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا عليه مسجدا
…
)) (2) الحديث، قالوا: ولا يتمسح بالقبر لأنه من فعل النصارى، ولا يدهن بالماء الذي يكون عليه، ولا يرفع منه تراب لأنه حبس، وفي المطروح بالقصد نظر، وقد أذن (ص) في الرقى بـ ((بسم الله تربة أرضنا بريق بعضنا، يشفى بها سقيمنا بإذن ربنا)) (3) وكذلك دل بني سلمة على تربة صعيب (4) للحمى، كما ذكره ابن الزبير في تاريخ المدينة، وكان الخدم يأتونه في الغداة الباردة بالأواني، فيضع فيها يده للتبرك (5)، وتوضأ للرجلين، وقال: أفرغا على نحوركما ورؤوسكما (6)، وأعطى شملته لمن
(1) مالك في الموطأ مرسل حديث رقم 414 ص 1/ 172.
(2)
مسلم 1/ 376 مع تأخير جملة ((أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)).
(3)
متفق عليه، انظر البخاري مع فتح الباري 12/ 317، ومسلم 4/ 1724، وورد فيهما بلفظ:((ريقة بعضنا))، والريقة أقل من الريق، والمعنى أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة ثم يضعها على التراب، فيعلق بها منه شيء، فيمسح به على موضع الوجع، قائلا الكلام المذكور في حالة المسح.
(4)
في ت 1: صهيب، والصواب ما أثبت، وهي من وادي بطحان كما في وفاء الوفاء 3/ 107.
(5)
الحديث في مسلم رقم 2324.
(6)
الرجلان هما أبو موسى وبلال، والحديث خرجه الشيخان، ولفظ مسلم: عن أبي موسى، قال: كنت عند النبي (ص) وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال، فأتى رسول الله (ص) رجل أعرابي، فقال: ألا تنجز لي يا محمد ما وعدتني؟ فقال له رسول الله (ص): ((أبشر))، فقال له الأعرابي: أكثرت علي من أبشر، فأقبل رسول الله (ص) على أبي موسى وبلال، كهيئة الغضبان، فقال: =
طلبه منه ليكفن فيها (1) وقطعت أم سليم فم القربة لما شرب منها قصدا للتبرك بها (2) وقالت أم حرام: كنا نأخذ عرقه (ص) فنطيب به طيبنا لطيب رائحته (3)(ص)، وقال له الفضل بن عباس يوم عرفة: لا أوثر بنصيبي منك أحدا، فتل القدح في يده (4)، وكانوا يغسلون أثره بعده للاستشفاء به (5)، وهذا كله يدل لما ذكرناه، ويدل أيضا، لأن ما كان مقصودا منه إنما كان يفعله يعد عبادة ليكون تنبيها ومحجة، ولتجتمع فيه بركة كل شيء، وقد قطع عمر (ص) شجرة الرضوان (6) خوفا من أن
= وإن هذا قد رد البشرى، فاقبلا أنتما))، فقال: قبلنا يا رسول الله، ثم دعا رسول الله (ص) بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه، ثم قال:
((اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما، وأبشرا))، فأخذا القدح، ففعلا ما أمرهما به رسول الله (ص)، فنادتهما أم سلمة من وراء الستر: أفضلا لأمكما مما في إنائكما، فأفضلا لها منه طائفة، مسلم 4/ 1943، وانظر البخاري مع فتح الباري 1/ 307.
(1)
في الصحيح عن جابر (ض)، أتى النبي (ص) عبد الله بن أبي بعدما أدخل حفرته، فأمر به، فأخرج فوضعه على ركبتيه، ونقث عليه من ريقه وكساه قميصه
…
، البخاري مع فتح الباري 3/ 458.
(2)
المسند 3/ 119، من حديث أنس (ض).
(3)
القصة في التطيب بعرق النبي (ص) لأم سليم، وليس لأم حرام، انظر البخاري مع فتح الباري 13/ 312، ومسلم 4/ 1816.
(4)
خرجه البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي (ض)، ومعنى فتل القدح في يده: وضعه في يده بقوة، انظر البخاري مع فتح الباري 12/ 189.
(5)
قالت أسماء بنت الصديق في جبة النبي (ص) التي كان يلبسها: ((فنحن نغسلها للمريض يستشنف بها)) خرجه مسلم رقم 2069.
(6)
روى محمد بن وضاح أن عمر بن الخطاب (ض) أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي (ص)، لأن الناس كانوا يذهبون تحتها، فخاف عمر الفتنة عليهم، الحوادث والبدع ص 294، ورأى عمر الناس في سفر يتبادرون إلى مكان، فسأل عنه، فقالوا: قد صلى فيه النبى (ص)، فقال: من عرضت له الصلاة فليصل، وإلا فليمض، فإنما هلك أهل الكتاب لأنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا، وكان ابنه عبد الله (ض) يتحرى ذلك ويتتع آثار النبي (ص) في حله وترحاله، يجلس أين جلس، ويصلي في المحل الذي صلى فيه حتى إنه أدار راحلته في الطريق مرتين أو ثلاثا، فسئل عن =
تعبد أو تجعل مثل ذات أنواط - شجرة كانت الجاهلية يربطون فيها الخيوط وغيرها يستشفون بذلك -، فقال الصحابة: يا رسول الله، اتخذ لنا ذات أنواط (1) فقال (ص):((ما هي إلا كما قال بنو (2) إسرائيل: {اجعل لنا إلها كما لهم آلهة} ، وقد يستدل بهذين الخبرين على المنع وليس كذلك، بل هما دليل في منع كل ما يستدام، أو يكون له أصل في عبادة الجاهلية من خشبة أو حديد أو حجر أو بناء ونحوه، لا ما يمتهن أو يكون مستهلكا، فاعرف ذلك (3).
واعلم أن الناس لم يزالوا يتبركون بآثار أهل الخير كابرا عن كابر من العلماء والصلحاء وغيرهم، من قديم الزمان إلى هلم جرا، من غير نكير ولا داعية للسكوت، وهو مما تتوفر الدواعي على العمل به طبعا، فلو كان حراما لنص عليه الشارع وحذر منه الأئمة قديما، ولو كان التنزه أولى لمحل الاشتباه، وبالله التوفيق.
…
= ذلك، فقال: رأيت النبى (ص) أدار راحلته، وكان يضبط هذه الأماكن ويعتني بها، خرج أحاديثه في الأماكن التي صلى فيها النبي (ص) في السفر البخاري، انظر البخاري مع فتح الباري 2/ 114.
وخرج البخاري حديث عتبان بن مالك في سؤاله النبي (ص) أن يصلي في بيته ليتخذه مصلى، وإجابة النبي (ص) إلى ذلك، قال الحافظ:(هو حجة في التبرك بآثار الصالحين)، وتبرك الصحابة بآثار النبي (ص) أكثر من أن تحصى، وفعل عمر (ض) من باب سد الذرائع، لأنه خشي أن يشتبه ذلك على من لا يعرف حقيقة الأمر فيظنه واجبا، أو يفتن به، فإذا أمنت الفتنة فالأصل الاستحباب، والله أعلم، انظر الحوادث والبدع ص 294 و 308، وشرح الكرماني على البخاري 4/ 150، وفتح الباري 2/ 114.
(1)
خرجه الترمذي من حديث أبي واقد الليثي 4/ 475، وقال: حسن صحيح.
(2)
في خ: عليق.
(3)
هذا من المؤلف رحمه الله تعالى عين القصد، وهو الموافق للسنة، انظر فيما يأتي فصل 91.