الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((واعقدن بالأصابع، فإنهن مسؤولات مستنطقات ....)) (1) الحديث، وذكر للشيخ أبي يوسف الدهماني (2)(ض) أن بعض تلامذته أخذه العرب، فقال: لم يكن معه شيء من حلية الفقراء؟ قالوا: لا، قال: ولا الشاشية؟، قالوا: ولا الشاشية، قال: المفرط أولى بالخسارة، لأن هذه الأسباب زرب الله، ومن دخلها كان في حصن الله، فيحترم من أجله، ومن لم يحترمه، فقد هتك حرمة الله فلا يفلح، ومن فرط فيها فقد أعان على نفسه، وروي عن سحنون مثل ذلك، وأنه ينبغي لساكن القيروان أن تكون له حلية في السفر خلاف ما في الحضر، وبالجملة، فاتقاء الشرور مطلوب، والتشبه بالصالحين محبوب، والتدليس لا عبرة به، وهو ما قصد للجلب أو لإظهار الصفة حتى يميز، وبالله التوفيق.
86 - فصل
في التبرك بالآثار
آثار أهل الخير أحياء وميتين وزيارة مقابرهم ونحو ذلك، كالشرب من فضلة الرجل الصالح أو المعتقد، والتمسح بفضلة وضوئه، وأخذ شعره والتكفين في ثوبه، وأخذ اللقمة من يده، ودخول محله ولباس ثوبه والتمسح بريقه، والتبرك بما لمسه، كموضع جلس فيه، أو إناء شرب منه، أو حجر قعد عليه، أو لمسه بيده، أو تراب ونحوه.
وهذا شيء قد اختلف (3) الناس فيه بعد إجماعهم على التبرك
= السيوطي أنه لم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل أكثرهم يعدون بها، ولا يرون ذلك مكروها.
(1)
خرجه الترمذي 5/ 521 من حديث بسيرة بنت ياسر عن النبي (ص)، قال:((يا معشر النساء اعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات))، قال الشوكاني في نيل الأوطار 2/ 353: خرجه أحمد والحاكم وصحح السيوطي إسناده.
(2)
أبو يوسف عقوب بن ثابت الدهماني القيرواني، من أكابر أعلام طريقة الإرادة وأئمة مشايخها، توفي بالقيروان 621 هـ شجرة النور الزكية ص 168.
(3)
قال النووي في شرح حديث تحنيك الصبي 14/ 124: =
بآثار رسول الله (ص)، فمن قائل بمنع ذلك، لأنه لم يعمل به السلف، ومن قائل بجوازه، لأنه مما ثبت العمل به في حقه (ص)، ولم يأت عنه نهي فيه، والأصل التأسي حتى يأتي المخصص، وقد صح أن عمر (ض) استسقى بالعباس (1) وقال أكثر العلماء باستحباب التحنيك (2) في الصبي، وقال (ص) للمرأة التي سألت عن القبلة (3):((ألا أخبرتيها أني أفعله)) (4) فجعل فعله دليلا في باب الرخصة، كباب العزيمة، وهو نص ما ورد في حديث:((إن أعلمكم بالله وأتقاكم أنا)) (5) وقد يجاب عن عدم عمل السلف بذلك باكتفائهم برؤيته (ص)، وحسما للذريعة في دعوى النبوة، لتزلزل إيمان المنافقين، ولئلا يفتح لهم باب الدعوى في
= في هذا الحديث فوائد، ((
…
منها التبرك بآثار الصالحين وريقهم، وكل شيء منهم))، ومن الأحاديث التي استدل بها العلماء على مشروعية التبرك بآثار الصالحين حديث يزيد بن الأسود أنه صلى مع النبي (ص) الصبح في حجة الوداع، قال: ((
…
ثم ثار الناس يأخذون بيده يمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت بيده فمسحت بها وجهي
…
))، خرجه أحمد في المسند 4/ 161، قال في الفتح الرباني 5/ 338: صححه ابن السكن، وانظر تعليق الشيخ أحمد شاكر على الحديث في الترمذي 1/ 425، قال الشوكاني في نيل الأوطار: في الحديث مشروعية التبرك بملامسة أهل الفضل، لتقرير النبي (ص) يزيد على ذلك.
(1)
استسقاء عمر بالعباس (ص) في البخاري، انظر البخاري مع فتح الباري 3/ 150.
(2)
قال النووي: اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر، وهو سنة بالإجماع، فإن تعذر فما في معناه من الحلو، فيمضغ المحنك التمر حتى تصير مائعة، بحيث تبلع، ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه، ويستحب أن يكون المحنك من الصالحين، وممن يتبرك به، رجلا كان أو امرأة، فإن لم يكن حاضرا عند المولود حمل إليه، شرح صحيح مسلم 14/ 122 و123.
(3)
تصحفت في خ وت 1 إلى العلة.
(4)
اللفظ لمالك في الموطأ 1/ 291، وهو مرسل، وفي صحيح مسلم 2/ 778 أن السائل لرسول الله (ص) عمر بن أبي سلمة، وليس المرأة، ومما جاء في معنى هذا الحديث من التأسي بأفعاله (ص) ما جاء في صحيح مسلم 1/ 272 أن رجلا سأل رسول الله (ص) عن الرجل يجامع أهله، ثم يكسل هل عليهما غسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله (ص):((إني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل)).
(5)
البخاري مع فتح الباري 1/ 78.
ذلك، والآن قد ارتفعت العلة باتساع بلاد الإسلام وتقرره فلا يضر، ومظاهر مذهب الصوفية اعتماد ذلك والعمل به وإثبات بركته، فقد علم ما لهم في لباس الخرقة، ومناولة العصا والسبحة، وتلقين الذكر ونحو ذلك، مما هو معلوم من طريقتهم، مشهور البركة بينهم، حتى قال الأستاذ أبو القاسم القشيري (ض) فيما حكاه عنه ولده: أن أثر المعتقد أقوى في البركة من غيره، وذكر ابن ليون (1): إن من طريقة الفقراء قسمة شعر المحترمين بينهم، واستدل بقسمة شعره (ص) في حجة الوداع (2) وذكر الشيخ كمال الدين الدميري (3)، في حياة الحيوان له: إن الشافعي (ض) كان يقول: قبر موسى الكاظم (4) الترياق المجرب، وقال الإمام الغزالي: إن كل من يجوز التبرك به في حياته يجوز التبرك بقبره بعد موته، واستدل على مطلق الجواز بزيارته (ص) لذلك (5) وإن كان أحد لا يساوي شعرة من شعراته فللوراثة نسبة، وجعله ابن العربي في القبس من خواصه (ص)، واستطرد الغزالي الكلام فيه إلى تجويز شد الرحال لذلك، وقال: لا يعارضه حديث الثلاثة مساجد، لتساوي المساجد سواها في الفضل بخلاف الصلحاء، فانظر كلامه فيه، وقد نقله ابن الحاج بنصه وحروفه (6) وكان شيخنا أبو عبد الله القوري
(1) سعد بن أحمد بن إبراهيم بن ليون التجيبي أبو عثمان، عالم متفنن من أجل علماء الأندلس (ت 750 هـ) نيل الابتهاج ص 123.
(2)
في الصحيح أن رسول الله (ص) ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر، فقال:((احلق))، فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال:((اقسه بين الناس))، مسلم 2/ 948، وانظر البخاري مع فتح الباري 1/ 284.
(3)
كمال الدين أبو البقاء محمد بن موسى الدميري، كان ذا عبادة له كتاب الحيوان (ت 808) شذرات الذهب 7/ 80.
(4)
موسى الكاظم بن جعفر، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو أحد الأئمة الإثني عشر، كان يكنى بالعبد الصالح لعبادته (ت 163) طبقات الشعراني ص 33.
(5)
أي: زيارة قبره (ص).
(6)
اختلف في شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة، كالذهاب إلى زيارة الصالحين =
رحمه الله يقول: إذا كانت الرحمة تنزل عند ذكر الصالحين، فكيف بزيارتهم ومحل اجتماعهم على ربهم، وقد تقدم من كلام الشيخ أبي العباس الحضرمي (ض)، في مدد الحي والميت، ولكن ينبغي أن لا يجعل ذلك عدة وعمدة، لئلا يضيع به نظام الحق والحقيقة، ولذلك قال ابن ليون: ليس من شأن (1) الفقراء شد الرحال للزيارات، وقل من اشتغل به فنفذ، وبالله التوفيق.
…
= أحياء وأمواتا، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها، والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر الحديث، وبه قال القاضي عياض وجماعة من العلماء، قال الحافظ في فتح الباري 3/ 307: والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبة، منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها، فإنه جائز، ومنها أن النهي خاص بمن نذر الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة، فنذره لا يجب الوفاء به، وقد كان النبي (ص) يشد الرحال إلى مسجد قباء ويأتيه كل سبت، ويدل على أن ظاهر الحديث غير مراد على إطلاقه، أن شد الرحال لغير المساجد كطلب العلم والتجارة جائز بالاتفاق وممن نص على جواز الخروج إلى زيارة قبور الصالحين والصلحاء، طال السفر أو قصر، ابن العربي في القبس 3/ 1157 و1085، والغزالي في الإحياء، وفي شرح صحيح مسلم 9/ 106: والصحيح عند أصحابنا، وهو الذي اختاره إمام الحرمين والمحققون أنه لا يحرم، ولا يكره، انظر المعيار 1/ 320، والمدخل 2/ 139، وإحياء علوم الدين 1/ 251 و4/ 473، أقول: والجواز عند من يقول به مقيد بعدم وجود المخالفات التي نشاهدها اليوم من الطواف بالضريح والصلاة عنده والتمسح به، وسوق الذبائح إليه، ولإقامة ما يسمى (بالمزارات) الجماعية المشتملة على (الحضرة) بالطار والشطح والرقص وما فيها من آفات أخرى كالاختلاط، وصرف المال وإنفاقه فيما يظن قربة وليس بقربة، ولله در المؤلف، فقد ذكر الخلاف في موضع الزيارة هذا، ثم ختمه بقوله: لكن ينبغي ألا يجعل ذلك عدة وعمدة، لئلا يضيع نظام الحق والحقيقة، ونقل عن ابن ليون قوله: ليس من شأن الفقراء شد الرحال للزيارات، وقل من اشتغل به فنفذ، وبالله التوفيق.
(1)
في خ: ليس من شأن.