الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال في الحكم: إنما أجرى الأذى عليك منهم، كي لا تكون ساكنا إليهم، أراد أن يزعجك إليه من كل شيء، حتى لا يشغلك عنه شيء، انتهى.
ثم جرت سنته تعالى في المنكرين أن يبتليهم ببلايا ظاهرة في الوجود متى خالطهم في الإنكار هوى، ولو قل، لأنه تعالى يغار لهتك حرمة جنابه إلا بإذنه، فالمعترض له بالهوى مخذول، والمصر لدين الله منصور، وأكثر الناس يقصدون الحق في الإنكار، فإذا رد عليهم اشتدوا لنصرة أنفسهم، وانقلب الأمر عليهم وهم يظنون أنهم قاموا لله، وغيرهم يرى ذلك من خاصية الإنكار، وهو جهل من الجميع، أعاذنا الله من البلاء، وسلك بنا سبيل السنة بلا بدعة ولا إنكار بمنه وكرمه.
77 - فصل
في التظاهر بالأمور الغريبة من الشطحات والطامات وغيرها
وهي أمور تبدو على أصحاب الأحوال من الصادقين في مبادئ الفتح والتلوين، لا تناهي التمكين، فلذلك قيل: التلون مجون، والتمكن معرفة، وأين الحال من الصفة، وغالب أمرها إنما تصدر عمن سلك من طريق العلم أو طريق التجريد، أي: سلك على طريق العمل والتأدب، لأن فيضان نور المعرفة على حسب بساطه، وكل ذلك إناء يرشح بما فيه، وتحقيق ذلك يطول، لكن هذا صوابه.
لكن هناك طوائف من الناس استظهروا بهذه الأمور عن حقائقهم، إما لغلبة وارد، فمعذورون بالغلبة غير مقتدى بهم، وهو حال الغالب، كالحلاج ومن جرى مجراه منهم.
(وإما للتنبيه على موارد الواردات، كحال الحاتمي ومن جرى مجراه)(1) ولا عذر له في ذلك، إلا من حيث أنه يقول: إنما تكلمت بخاص في خاص، يفهم ما أريد مما أورد، ولكل قوم اصطلاح، والعبارة
(1) لا يوجد في خ.
تقريب لمن يفهم المقصود، ولو بالنقيض، فيبقى عليه حفظ حرمة الربوبية والنبوءة في التوقيعات، فيقول: قد عرف ذلك من أصل مذهبنا، والألفاظ مؤديات، وقد أدت أعظم مما يبدي المنكر من التعظيم لأهله، كما أشار إليه ابن الفارض بقوله:
وعني بالتلويح يفهم ذائق
…
وغنى عن التصريح للمتعنت
فيجاب عن ذلك: بأن التوقير واجب ظاهرا كوجوبه باطنا، وغلبة الحال لا يتعرض لها بغير نفي الاقتداء، فلا يجوز لأحد أن ينقل كلامهم ولو فهمه، إلا على وجه لا يصح فيه نقد، لاتساع نظر الناس اليوم في الطريق، وتداولها الجاهل والعالم وأسراع النفوس لاعتقاد ظاهرها، أو أن من ينقلها معتقد ذلك، وكل من أولع بذلك وجعله هجيراه، فالفلاح منه بعيد، وقد سئل شيخنا أبو عبد الله محمد بن القاسم القوري (ض)، عن ابن العربي الحاتمي فقال: أعرف بكل فن من أهل كل فن، فقيل له: ما سألناك عن هذا، قال: اختلف فيه من الكفر إلى القطبانية، قيل له: فما ترجح، قال: التسليم (1).
قلت: وذلك لأن ظهوره بترجيحه ربما أغرى الضعفاء على اتباعه، والاغتناء به فهلكوا فيه، والتعرض للتكفير خطر من حيث إخراج مسلم بشبهة، وقد قال الشيخ أبو بكر بن فورك (2) (ض): الغلط في إدخال ألف
(1) انظر قواعد التصوف للمؤلف ص 52، قال المؤلف في أحد شروحه على الحكم: قلت لشيخنا أبي العباس الحضرمي: إنهم ينكرون على ابن عربي الحاتمي، فقال: والله إنه يستحق الإنكار، لكن ممن أعلى منه، لا ممن هو في السنادس، ذكره الكتاني في فهرس الفهارس 1/ 317، وذكر من مؤلفات ابن عربي المصباح في الجمع بين الصحاح، واختصار صحيح البخاري، واختصار صحيح مسلم، واختصار جامع الترمذي، واختصار المحلى لابن حزم، وله التفسير في 64 مجلدا، وصل فيه إلى سورة الكهف، وأما التفسير المطبوع في مجلدين المنسوب إليه فليس له.
(2)
هو أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني، أصولي أديب (ت 406) معجم المؤلفين 9/ 208.