الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكف عن الحرام والغيبة، انتهى بمعناه، وغالب ما الناس محتاجون إليه في هذه الأزمنة، ترك الغيبة والكذب والخيانة، لا سيما في البيع والشراء ونحو ذلك، ومن عز عليه دينه سهل عليه كل شيء، ومن خف عليه دينه صعب عليه كل شيء، وقد قال سري (1) (ض): من عرف الله عاش، ومن مال إلى الدنيا طاش، والأحمق يغدو ويروح في لاش (2) والعاقل عن عيوبه فتاش، انتهى وهو عجيب، رزقنا الله العمل به بمنه وكرمه.
…
80 - فصل
في التكلف
وهو التصدي للعلم والعمل قبل حوز رتبة الإمامة فيه، والاكتفاء بعلمك عن علم غيرك، وبعلمك عن اتباع من يصح اتباعه، ومن ذلك الاشتغال بالتأليف والتصنيف قبل أن يراه الأشياخ أهلا لذلك، والتصدي للتربية بغير إشارة إلهية ولا أمر من شيخ صادق مصيب، والكلام في المشكلات قبل القدرة على حلها بوجه واضح دون توقف ولا تردد ولا احتمال، ومن ذلك ما وظفه بعض الناس من الأحزاب وأتى فيها بشقاشق الكلام، والخروج عن الإضمار في العبارة أو المعنى، وأعانه على ذلك قواه النفسانية، وطلب الرئاسة والاستتباع من حيث يشعر أو من حيث، لا يشعر.
فأما أحزاب المشايخ فتكلموا فيها بوصف الفناء، وقصد الهداية على المعاينة في بساط العبودية، حتى إنهم ضمنوها معاني طريقهم، فكان فيه سلوك وتعليم وتربية وترقيه وتأديب، كما هو حال حزب الشيخ أبي الحسن الشاذلي (ض)، فلذلك صح لمن قرأه أن يكون له ما لهم وعليه ما عليهم،
(1) سري بن المغلس السقطي، من كبار المتصوفة ببغداد، كان خال الجنيد ت 253 هجرية. الأعلام 3/ 129.
(2)
في ت 1:الأمن ولاش: أي لا شيء.
كما قال الشيخ رحمه الله فيمن قرأ حزبه الكبير، قال ابن عباد رحمه الله: أي له ما لنا من الحرمة، وعليه ما علينا من الرحمة، وفيه مواضع تصحب بالتسليم، ولا يعمل بها لأنها من عبارات المدلين، مثل قوله: وليس من الكرم إلى آخره، كذا قال ابن عباد فيما رأيت بخط بعض أصحابه وهو صحيح، فأما ما فيها من المبهمات مثل قوله ق ج ل د م حم ونحو ذلك، فحروف قصدت لإشارات يفهمها أهلها ولا تضر غيرهم، إذ ليس موقعها موقع إيهام ولا إشكال، نعم موقع من يفهمه أهله ويخفى على غير أهله، وإن كان فيها توهيم عظمتها وأنها خارجة على قياس الفهم عند الضعفاء، فقد يكون ذلك مرادا لتقوية نياتهم، ولا يضر وقوعه لا سيما في جمع فواتح السور، مثل: ألم ألمص كهيعص حم ق ص ن إلى غير ذلك، فإنها مقصودة بذاتها (1) إما لذاتها، وإما لمعان في ذاتها بوضع الحكيم العليم، فالتعلق بها لا يضر بحسب الفهم الصحيح، والنظر الرجيح، وقد قال (ص) لأصحابه في الحزب:((ليكن شعاركم حم لا ينصرون)) (2) الحديث، فاعرف ذلك وخذ الأشياء بقبولها إذا صح الوجه، وهو كون المأخوذ عنه ممن يصح الاقتداء به، وقد ظهر من أقوال سيدي أبي الحسن الشاذلي (ض) وأعماله وأحواله ما لا يصح معه أن يقال فيه: ضال ولا مضل، وأسند جميع ما ذكره في أحزابه لإشارته (ص) به في النوم، والرؤيا الصالحة من الرجل الصالح معلومة الصدق (3) للحديث، والله سبحانه أعلم.
…
(1) في خ وت 1: فإنها غير مقصودة بذاتها.
(2)
الحديث بلفظ: ((إن بيتم فليكن شعاركم حم لا ينصرون))، خرجه أبو داود 3/ 33، والترمذي رقم 1682 عن المهلب بن أبي صفرة مرسلا، وخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 107 من حديث البراء بن عازب، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، قال: أخبرني من سمع النبي (ص)، وذكره.
(3)
روى مالك من حديث أنس (ض) أن رسول (ص) قال: ((الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوءة))، الموطأ 2/ 956.