المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌52 - فصلفي بيان طريق الجادة وما احتوت عليه من فائدة ومادة - عدة المريد الصادق

[زروق]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌ تمهيد في التعريف بالمؤلف والكتاب

- ‌أولا - التعريف بالمؤلف

- ‌نسبه:

- ‌مولده ونشأته:

- ‌طلبه للعلم:

- ‌رحلته إلى المشرق:

- ‌نزوله بمصراته:

- ‌شيوخه

- ‌مؤلفاته

- ‌ومن كتبه في الحديث والفقه:

- ‌ثانيا - الكتاب

- ‌موضوع الكتاب:

- ‌طريقة المؤلف في الانتقاد:

- ‌أهم القضايا التي تناولها الكتاب:

- ‌1 - البدع:

- ‌2 - مفهوم التصوف عند المؤلف:

- ‌3 - السماع:

- ‌4 - التشييخ وأخذ العهد:

- ‌5 - أنواع الطوائف المدعية:

- ‌6 - التبرك بالآثار والزيارات:

- ‌نسخ المخطوط

- ‌الفئة الأولى وتشمل:

- ‌ نسخة (خ)

- ‌ النسخة (ت 1)

- ‌الفئة الثانية وتشمل:

- ‌ النسخة (ت 2)

- ‌ نسخة (ق)

- ‌وصية المؤلف لمن نسخ كتابه

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌1 - فصلفي حقيقة البدعة وأحكامها وخواصها

- ‌2 - فصلفي موازين البدعة

- ‌3 - فصلفي البدعة ومجاريها

- ‌4 - فصلفي أصول ظهور مدعي التصوف في هذا الزمانبالبدع واتباع الناس لهم عليها

- ‌5 - فصلفي الأمور التي ينتفي بها إحداث البدععمن غلط فيها واتباع أهلها

- ‌6 - فصلفيما يتبع من أمور الصوفية المحققين وما يترك ويكون التابعوالتارك فيه تابعا مذهبهم المبارك من غير خروج

- ‌7 - فصلفي تحرير الطريقة، وما بنيت عليه من شريعة وحقيقة

- ‌8 - فصلفي ذكر ظهور المشايخ والمشيخةوما يتبع ذلك من طرق الاقتداء ونحوها

- ‌9 - فصلفي ذكر ما ظهر في هذه الأزمنة هن حوادث لم تسمع فيما قبل

- ‌10 - فصلالطائفة الثانية طائقة تعلقت بالأحوال

- ‌11 - فصلالطائفة الثانية من الثانية

- ‌12 - فصلالطائفة الثالثة من الثانية

- ‌14 - فصلفي ذكر أول من ظهر بطريقهم وحاله في نفسهووجه الدخول عليهم في ذلك

- ‌15 - فصلفي ذكر ما بنوا عليه طريقهم(تفصيلا وما اعتقدوه فيها ردا وقبولا)

- ‌16 - فصلفي بيان ما عرفناه من طريقهم جملة وتفصيلا

- ‌17 - فصلوأما القسم الثالث فمرجعه لعشرة أمور:

- ‌18 - فصلفي ذم فتاوى الفقهاء في هذه الطائفة

- ‌19 - فصلفي هجرانهم العلم والقرآن والصلاة على رسول الله (ص)

- ‌20 - فصلوأما هجرانهم تلاوة القرآن

- ‌21 - فصلوأما هجرانهم الصلاة على حبيب الله (ص)

- ‌22 - فصلفإن قالوا: نحن لا نهجر العلم رأسا ولا نترك التلاوة جملة ولا ندع الصلاة على رسول الله (ص) بتا

- ‌23 - فصلفي اقتصارهم على كلمة الشهادة دون تمامها إلا تبعا، والأوقاتالمعينة لها عندهم وذكر ما في ذلك

- ‌24 - فصلفي ذكر الأوقات المعدة عندهم للذكر

- ‌25 - فصلفيما أفادهم هذا الأمر من الفوائد المعتبرة،وهي خمس في الجملة:

- ‌26 - فصلفيما أفادهم مخالفة الجماعة من الأمور المضرة:

- ‌27 - فصلفي رد تعصبهم لطريقتهم واعتقادهم أن كل طريق سواه باطلأو ناقص، وهذا لا يخلو اعتبارهم له من وجوه

- ‌28 - فصلفي هجرانهم ما ورد عن الشارع من الأذكارواستبدالها بغيرها في محلها

- ‌29 - فصلفي تقييدهم في الدعاء بنوع خاص غير ثابت من الشارع وإن كان واضح المعنى صحيح المبنى

- ‌30 - فصلفي تقييدهم القراءة في الصلاة

- ‌31 - فصلفي ذكر شبههم فيما آثروه وهجروه مما تقدم ذكره

- ‌32 - فصلفيما يذكر عنهم من ترك قضاء الفوائت،وتفويت الصلاة إذا كان أحدهم في شغل الفقراء حتى يقضيه،وإن فات الوقت، وهما مصيبتان عظيمتان

- ‌33 - فصلفي استئذانهم في الواجبات والضروريات الدينيةوالدنيوية والإلزام بذلك

- ‌34 - فصلفي استئذانهم على من أتوه بالتسبيح

- ‌35 - فصلفي ذكر شبهتهم في ذلك وفيما قبله

- ‌37 - فصلفي تفويتهم العشاء إلى ما بعد صلاة العشاء في غير رمضان

- ‌38 - فصلفي دعائهم للمصافحة وكيفيتها وما يتبع ذلك

- ‌39 - فصلفيما أحدثوه من أخذ العهدوخالفوا به الحقيقة والقصد

- ‌40 - فصلفي أخذ العهد أصلا وفصلا،وكيفيته وفاء ونقصا، وما يجري في ذلك

- ‌41 - فصلفي التنبيه على الأمور المتشابهة من أحوال الجماعة المذكورة

- ‌42 - فصلفي أمور تقيدوا بها في العادات وغيرها

- ‌43 - فصلجامع لأمور شتى من وقائعهم ووقائع غيرهم على حسب التيسير

- ‌44 - فصلفي تحقيق القصد في الجواب والرد

- ‌45 - فصلفي صفة الشيخ المعتبر عند القوم جملة وتفصيلا

- ‌46 - فصلفي مستند المشيخة ودلالتها وتعرف آثارها ووجه إفادتها

- ‌47 - فصلفي العلامة التي يستدل بها المريد على حاله من الشيخ الذيقصده، أو فتح له به أنه ينتفع به

- ‌48 - فصلفي أوصاف المدعين وحركاتهم وما يجري منهم وبسببهم

- ‌49 - فصلفي الاعتقاد والانتقاد وطرق الناس فيه

- ‌50 - فصلفي أنواع المعتقدة ووجوه الاعتقاد

- ‌51 - فصلفيما يصنع من ادعيت له المشيحة وليس بأهل لها، ويخاف علىمن تعلق به أن يهلك في اتباع الجهلة، أو يتبطل جملة، لظنهمتوقف الأمر على الشيخ مع اعتقادهم فقد هذه المرتبة، وهو مماعمت به البلوى في هذه الأزمنة

- ‌52 - فصلفي بيان طريق الجادة وما احتوت عليه من فائدة ومادة

- ‌53 - فصلفيما يستعان به على سلوك طريق الجادة من العلوم والقواعدوالكتب المفيدة

- ‌54 - فصلفي العلوم النورانية والظلمانية والمتشابهة

- ‌55 - فصلفي الاكتفاء بالكتب في سلوك الطريق وعدمه، وكذا المشيخةوالتعلق بالأموات

- ‌56 - فصلفي أنواع المتعلقين بالمشايخ والمتشيخة وأنواع الطرق وذلكبحسب المتمسكين

- ‌57 - فصلفي أنواع النفوس عند المغاربة وكيفية المعاملة فيها

- ‌58 - فصلفي بيان طريق العجم، وما لهم فيها من رسوخ قدم وزلل قدم

- ‌59 - فصلفي بيان طريقة أهل اليمن وما ظهر منها وما كمن

- ‌60 - فصلفي طريق الخدمة والهمة وحفظ الحرمة

- ‌61 - فصلفي لوازم الفقير في نفسه ولوازمه في حق شيخه وحقه علىالشيخ وحقه على الفقراء وحق الفقراء عليه على الجملة والتفصيل

- ‌62 - فصلفي اعتبار النسب بالجهات والأقطار وما يعرف به رجال كل بلدمن الدلائل الخاصة والعامة، حسب ما هدى إليه الاستقراءووصلت إليه الفراسة الحكيمة

- ‌63 - فصلفي آداب مهمة على الفقير يتعين عليه مراعاتها

- ‌64 - فصلفي الأسباب الموجبة لانقلاب المريد ورجوعه على عقبه

- ‌65 - فصلفي الرخصة والشهوة والشبهة والتأويل وحال المريد في ذلكومعاملته فيه

- ‌66 - فصلفي التحصن مما ذكر من الآفات وإصلاح المختل بإدراك ما فات

- ‌67 - فصلفي ذكر أمور عمت البلوى بها في فقراء الوقت

- ‌69 - فصلوأما الكاغدية فهي فرع علوم الروحاني، ومرجعها لأحد أمرين:

- ‌70 - فصلفي الاشتغال بعلوم التصريف من الحروف ونحوها

- ‌71 - فصلفي الاشتغال بعلم المغيبات، وتحصيلها بطرق الكسبمن أحكام النجوم والفال والقرعة والسانح والبارحوعلم الكتب والرمل ونحو ذلك

- ‌72 - فصلفي طلب الاسم الأعظم والشيخ المربي بالهمة والكبريت الأحمرالذي لا يحتاج معه إلى عمل في بابه

- ‌73 - فصلفي الاغترار بكل ناعق وإيثار غير المهم

- ‌74 - فصلفي الوقوف مع الأسلوب الغريب في العلم أو في العمل أو فيالحركات أو غيرها والانقياد لكل من ظهرت عليه خارقة أو جاءبدعوى، وإن لم يكن له عليها برهان

- ‌75 - فصلفي الاستظهار بالدعوى والتعزز بالطريقة والأكل بالدين ونحو ذلك

- ‌76 - فصلفي معاملة المنتقدين والمنكرينوالمعترضين وهم على أنواع كثيرة

- ‌77 - فصلفي التظاهر بالأمور الغريبة من الشطحات والطامات وغيرها

- ‌78 - فصلفي وضع الشيء في غير محله

- ‌79 - فصلفي تتبع الفضائل وأنواع المندوبات

- ‌80 - فصلفي التكلف

- ‌81 - فصلفي أمور أولع بها بعض الناس وفيها مغمز ما

- ‌82 - فصلفي تتبع المشكلات والاستظهار بالكلام فيها مع العوام وغيرهموتعليمهم علوم التوحيد ودقائق التصوف

- ‌83 - فصلفي التجاسر على المراتب بادعائها مرة لنفسه ومرة لغيره ومرةفيما لا يصلح الدخول فيه

- ‌84 - فصلوأما ادعاء المراتب والمجاسرة عليها

- ‌85 - فصلفي التشبه وما يلحقه من الحركات وغيرها

- ‌86 - فصلفي التبرك بالآثار

- ‌87 - فصلفي بعض ما يتعلق بالتبرك والآثار من الآداب

- ‌88 - فصلفي السماع والاجتماع

- ‌89 - فصلفيما يصنع من عرض له السماعونحوه بطريق الابتلاء أو الحاجة إليه، وهي خمسة أمور

- ‌90 - فصلفي ذكر شيء من المواجيد والخواطر

- ‌91 - فصلفي الكلام على تعلقات العوام من أهل التمسك وغيرهم

- ‌92 - فصلفي ذكر الزمان وأهله وما احتوى عليه من الفساد والباطل الذيأخبر به الصادق المصدوق

- ‌93 - فصلفي افتتاح كلام لبعض المشايخ كتب به لمثله

- ‌94 - فصلثم قال رحمه الله: والزمان يا ولي، شديد، شيطانه مريد، جباره عنيد

- ‌95 - فصلثم قال: فأما هؤلاء فوالله لو اطلعت عليهم لرأيت إن نظرت إلى وجوههم عيونا جامدة

- ‌96 - فصلثم قال: ولقد لقيت بهذه البلاد من يلبس سراويل الفتيان، ويدعي مراتب العرفان

- ‌97 - فصلثم قال بعد ذلك: وأما أهل السماع والوجد في هذه البلاد، فقد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا

- ‌98 - فصلثم قال بعد فراغه من ذكر أصوله في ذلك: فيا أيها المعترض، هذه الأصول التي استندت إليها في ذم أهل وقتي

- ‌99 - فصلثم أخذ بعد انتهاء كلامه المتقدم في محاسبة نفسه على ما هو به

- ‌100 - فصلثم قال رحمه الله: وكل من سمع من الشيوخ فهو على أحد أمرين:

- ‌101 - فصلفي مواقع البدع وأنواع المخالفات

- ‌102 - فصلفي متشابه الأمور بين البدعة وغيرها

- ‌103 - فصلفي الطهارة

- ‌104 - فصلفي الصلاة

- ‌105 - فصلومن البدع الإضافية قول المؤذن قبل الإقامة:

- ‌106 - فصلفي المواعيد والاجتماعات

- ‌107 - فصلفي أمور عمت البلوى بها في بعض البلاد

- ‌108 - فصلفي اختيارنا من عمل اليوم والليلة،وهو الوسط حسبما دلت عليه الأحاديث النبوية والآثار السلفية

- ‌109 - فصلفي أوراد الذكر

- ‌110 - فصلفي خاتمة الكتاب

- ‌الفهارس العامة

الفصل: ‌52 - فصلفي بيان طريق الجادة وما احتوت عليه من فائدة ومادة

الاستقامة، التي هي طريق السنة والجماعة في باب التحلي والتخلي، ويعرفه أنه في ذلك معه على لسان العلم في ذلك كله، لا على لسان التربية، وعلى طريق الأخوة لا على وجه المشيحة، ليبرأ من عهدة الدعوى، وتنتفي عنه العزة، ويتوسع صاحبه في الأدب، ويتأدب مع من يلقى بأكثر من غيره، وهو في ذلك كله يعتقد أنه متطيب لا طبيب، ومتشيخ لا شيخ، ومتعلم لا معلم، ومعين لا مفيد، وهذه صورة المشيخة، وقد تسمى به من حيث اصطلاح الوقت والحال فلا تضر، لأنها كما قال سيدي محمد بن عباد (1) في هذا المعنى وأجاد:

مريدك والزمان وأنت شيخ

قريب من قريب في قريب

رزقنا الله القيام بحقوق الإخوان، وعافانا من كل جرم وهذيان، بمنه وكرمه.

‌52 - فصل

في بيان طريق الجادة وما احتوت عليه من فائدة ومادة

وطريق الجادة هو الذي لا ينكره ظاهر، ولا يستغني عنه باطن، يفتقر إليه المبتدئ في بدايته، ولا بد للمنتهي منه في نهايته، ومداره على أربعة أمور:

أولها: تصحيح التوبة بإقامة شروطها الثلاثة، التي هي الندم على ما فات، والإقلاع في الحال، والنية أن لا يعود، وتحصيل فرائضها الأربع، التي هي رد المظالم، وقضاء الفوائت، واجتناب المحارم، وتعميم القصد.

وكمالاتها الست التي هي: مصاحبة العلم، وملازمة العمل، وصدق التوجه، ودوام اللجا، واتهام النفس، وشدة الحذر.

(1) في ت 1: (أبو عبد الله بن عباد).

ص: 170

وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ض): ليكن همك ثلاثا: التوبة والتقوى والحذر، وقوها بثلاث: الذكر والاستغفار والصمت عبودية لله، وحصن هذه الستة بأربع: الحب والرضى والزهد والتوكل، وإذا فاتتك التقوى في الاستقامة فلا يفوتنك في التوبة والإنابة انتهى، وهو عجيب جامع لأصول التوجه فاعرف حقه.

الثاني: تحقيق التقوى باتباع الأوامر والانكفاف عن الزواجر، وهو معنى اجتناب المحارم المذكور في التوبة، فبين التقوى والتوبة تداخل، غير أن منتهاها مبتداه، ومنتهاه (1) ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس، بل ترك ما يحيك في الصدر، لقوله (ص):"الإثم حزاز القلوب"(2) ولا يبلغ الرجل درجة المتقين حتى يدع ما حاك في الصدر، وقال (ص):"التقوى هاهنا"(3) وأشار إلى صدره، وحاصل هذا الباب ترك المحرمات المشهورة المتفق عليها، والتحفظ في ذلك حتى تنطع به النفس، ثم الاعتناء بترك الشبهات حتى لا يقبلها القلب، تم التبرؤ من مواقع الاشتباه بالإمكان، وهي درجة الورع، رزقنا الله ذلك بمنه وكرمه.

الثالث: وجود الاستقامة في جميع الأحوال باتباع السنة دون تأول ولا ترخص، ولا تشديد يخرج عن الحق، بل بإقامة الحقوق، والإعراض عن كل مخلوق، ومدار ذلك على أربعة أمور:

ضبط الأوقات، والتحرر من الآفات، والتحصن من التقلبات، والتأدب مع الحالات.

(1) أي: منتهى التوبة مبتدأ التقوى، ومنتهى التقوى على حد قول المؤلف: ترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس.

(2)

عزاه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 1/ 25 إلى البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود، قال: ورواه العدني في مسنده موقوفا عليه، وذكره ابن الأثير في النهاية 1/ 377 بلفظ:"الإثم حواز القلوب"، أي: من الأمور التي تحز في القلوب وتأثر فيها، وهو ما يخطر فيها من أن يكون معاصي، لفقد الطمأنينة إليها.

(3)

مسلم 4/ 1986.

ص: 171

فضبط الأوقات بمراعاة كل ما يليق به (1) وقد قال (ص): "إن مما في صحف إبراهيم: وعلى العاقل أن تكون له أربع ساعات؛ ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين شهواتها المباحة، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يبصرونه بعيوبه ويدلونه على ربه"(2).

قلت: فساعة المناجاة من السحر إلى طلوع الشمس، وساعة المحاسبة من العصر إلى المغرب، وساعة الإخوان ساعة الفراغ من الضروريات، وأحسنها بعد الظهر، فإن عدم شرطهم فكتاب يقوم مقامهم، وما عدى ذلك فللأمور المباحة، هذا ما دلت عليه السنة، والله أعلم.

والتحرز من الآفات بمراقبة الحركات والسكنات، إذ لكل وقت سهم من العبودية، يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية، وهو أربعة لا خامس لها.

قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ض): العاقل من عقل عن الله ما أراد به ومنه شرعا، والذي يريد الله تعالى بالعبد أربعة أشياء:

(1) الوقت أثمن شيء عند العاقل، ومن رزئ فيه فقد رزئ في نفسه، فعزه في مصيبته، وقد جاء عن علماء المسلمين من أخبار الحرص على الوقت ما لا يخطر على البال عند أرقى الأمم حضارة في وقتنا، ففي أخبارهم ما يدل على أنهم كانوا لا يزنون الوقت بميزان الذهب، بل يزنونه بالذرة - وما كانوا يعرفون الذرة -، قال رجل لعامر بن عبد قيس أحد التابعين: كلمني، فقال له عامر: أمسك الشمس، أي: أوقف الزمن حتى لا يمضي وأنت تكلمني، وكان أحدهم لو قيل له: ملك الموت بالباب ما استطاع أن يزيد في عمله شيئا، وكان ابن الجوزي يدافع لقاء الناس جهده، فإذا غلب قصر في الكلام ليتعجل خروجهم، ويعد لنفسه ما يستفيد به من الوقت عند حضورهم من الأمور التي لا تحتاج إلى جهد ذهني، كقص الورق، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر إلخ.

وقال أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي: أنا أقصر جهدي أوقات أكلي، حتى اخترت سف الكعك وتحسيه بالماء على أكل الخبز، لأجل ما بينهما من تفاوت الوقت في المضغ، ذكر ذلك الحافظ ابن رجب في طبقات الحنابلة 1/ 146، وانظر ما كتبه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة على رسالة المسترشدين ص 144.

(2)

تقدم انظر مقدمة المؤلف.

ص: 172

إما نعمة، أو بلية، أو طاعة، أو معصية، فإذا كنت في النعمة فالله تعالى يقتضي منك الشكر شرعا، (وإذا أراد الله بك البلية فالله تعالى يقتضي منك الصبر شرعا)(1)، وإذا أراد الله بك الطاعة فالله تعالى يقتضي منك شهود المنة شرعا، ورؤية التوفيق شرعا، وإذا أراد الله منك معصية فالله تعالى يقتضي منك التوبة والإنابة شرعا، فمن فعل ذلك فهو عبد على الحقيقة، بدليل قوله (ص):"من أعطي فشكر، وابتلي فصبر، وظلم فغفر، وظلم فاستغفر"، ثم سكت، قالوا: ماذا له يا رسول الله؟ قال: "أولائك لهم الأمن وهم مهتدون"(2).

قال سيدي أبو العباس المرسي (ض): أولئك لهم الأمن في الآخرة، وهم مهتدون في الدنيا (3).

قلت: وهذه المعاملات لا تصح إلا بقلب حاضر للحركات، أو متيقظ للوقائع بعد النزول، فاعرف ذلك فإنه مهم.

والتحصن من التقلبات إنما هو بتبعيد القلب عن المألوفات، وهي أربعة: الشبع، والنوم، والكلام، والخلطة.

قال ابن القسطلاني (4)(ض) ناقلا عن أحمد بن عاصم الأنطاكي (5)(ض): أعداؤك أربعة: الدنيا، وسلاحها لقاء الخلق، وسجنها العزلة، والنفس، وسلاحها النوم، وسجنها السهر، والشيطان، وسلاحه

(1) لا توجد في ت 1.

(2)

عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 287 إلى الطبراني، وقال: فيه أبو داود الأعمى، وهو متروك.

(3)

لا توجد في خ.

(4)

هو أحمد بن علي بن محمد القيسي المعروف بابن القسطلاني، نسبة إلى قسطلينة بلاد افريقيا، من أعيان الفقهاء والعباد، قال المنذري: جمع الفقه والزهد (ت 636) الديباج المذهب 67، ونيل الابتهاج 63.

(5)

كنيته أبو عبد الله، من أقران السري السقطي والحارث المحاسبى (ت 215 هـ) طبقات الصوفية 137 ومعجم المؤلفين 1/ 257.

ص: 173

الشبع، وسجنه الجوع، والهوى، وسلاحه الكلام، وسجنه الصمت.

قلت: وفي كل هذه آفات لا ينتبه لها إلا حازم يعامل كل شيء على قدر الحاجة إليه، فلا يفرط ولا يفرط، لأن الإفراط مضر كالتفريط، والخير كله في التوسط، فيتعين العمل عليه، وذلك بأن يكون كل واحد أهم، لا أنه ينفرد لمقابله، لأن آفة الترك كالفعل، ومن كان الجوع أهم إليه من الشبع، لم يأكل فوق ما يكفيه، ومن كان السهر أهم إليه من النوم، لم ينم فوق ما يحتاج إليه، ومن كان الصمت أهم إليه من الكلام، لم يتكلم فيما لا يعنيه، ومن كانت الخلوة أهم عليه من الجلوة، تفرغ لما يريده، ومن لم تكن هذه من همته، فقل أن يصلح حاله، وإن صلح فلا يدوم، وإن دام فلا يجد له أثرا، فقد قال بعض السادة: من يكثر الأكل، لا يجد للطاعة لذة، ومن يكثر النوم، لا يجد للعمر بركة، ومن يطلب رضى الناس، فلا ينتظر رضى الله، ومن يكثر الكلام بفضول أو غيبة، فلا يخرج من الدنيا على الإسلام (1).

والتأدب في الحالات جار بحسبها، وأهم ما في ذلك قد جمعه الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ض) حيث قال: أربعة آداب إذا خلا الفقير المتجرد عنها، فاجعله والتراب سواء: الرحمة للأصاغر والحرمة للأكابر، والإنصاف من النفس، وترك الإنصاف لها.

وأربعة آداب إذا خلا الفقير المتسبب عنها فلا تعبأن به، وإن كان أحدهم أعلم البرية؛ مجانبة الظلمة، وإيثار أهل الآخرة، ومواساة ذوي الفاقة، ومواظبة الخمس في الجماعة.

وقال (ض): أوصاني حبيبي (2) فقال: لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله، ولا تجلس إلا حيث تأمن غالبا من معصية الله، ولا تصحب إلا من تستعين به على طاعة الله، ولا تصطفي لنفسك إلا من تزداد به يقينا، وقليل ما هم.

(1) في هامش ت 2: على السلامة، ولعله أقرب للمقصود.

(2)

يعني: شيخه ابن مشيش.

ص: 174

قال بعض المشايخ يوصي بعض إخوانه: عليك بالذكر عند البسط، وبالفكر عند القبض، وبالحمد على كل حال، ووردك لا تغفل عنه، إن فاتك بالليل أخلفه بالنهار، وإن سافرت فاجعل وردك في الذكر، أو اتركه على حاله، ولا تغفل عن طلب العلم، فبه يصعد السعيد إلى المراتب العلية، وبالعمل يثبتون عليها، وقد صح أن العلم يفيد الكمالات، كما أن العمل الصالح يحفظها، والزمان الذي يتوسط لك بين أوقات الواجبات تصرفه في العمل الصالح على أي وجه كان، واجعل أكثره في طلب العلم، وصل صلواتك الخمس في جامع الخطبة، ولا تعاشر أحدا قبل إخوانك، واهجر منهم من أهمل الأدب، حتى يستغفر الله عز وجل، وعليك باحترام كل مسلم، ولا تسمح في قليل المنكر ولا كثيره، وأقل من البسط فإنه يجذب السالك إلى خلف، ويخرب على الواصل نظام كماله الأول، والله يديم تناولكم العافية في الدنيا والآخرة بمنه وكرمه، والسلام.

الرابع: رفع الهمة عن الخلائق، وإشخاص القلب للحقائق.

ومقدمة ذلك: بصيرة نافذة وأنوار متزايدة نشأت، عن بصيرة مستقيمة، وآداب سليمة، وقد سئل الجنيد (ض): كيف السبيل إلى الانقطاع إلى الله تعالى؟ قال: بتوبة تزيل الإصرار، وخوف يزيل التسويف، ورجاء يبعث السالك على العمل، وإهانة النفس بقربها من الأجل، وبعدها من الأمل، قيل له: فبماذا يصل العبد إلى هذا؟ قال: بقلب مفرد، فيه توحيد مجرد.

وقال الشيخ أبو الحسن (ض): عمى البصيرة في ثلاثة أشياء: إرسال الجوارح في معاصي الله، والتصنع بطاعة الله، والطمع في الخلق، فمن ادعى البصيرة مع واحدة من هذه فقلبه هدف لظنون النفس ووسواس الشيطان، وقال (ض) اجعل التقوى وطنا، ولا يضرك مرح النفس ما لم تصر على الذنب، أو ترضى بالعيب، أو تسقط منك الخشية بالغيب.

وقال أيضا (ض): من فارق المعاصي في ظاهره، ونبذ حب الدنيا من باطنه، ولزم حفظ جوارحه، ومراعاة سره، أتته الزوائد من ربه، ووكل به حارس يحرسه من عنده، وجمعه في سره، وأخذ الله بيده خفضا ورفعا في جميع أموره، قال: والزوائد زوائد العلم واليقين والمعرفة.

ص: 175

وقال (ض): سمعت قائلا يقول: ما صبر من أفشى (1) ولا سلم من تكلف، ولا رضي من سأل، ولا فوض من دبر، ولا توكل من دعا، وهي خمس، وما أحوجك لهذه الخمس أن تموت عليها، وقل:{ربي إني لما أنزلت إلي من خير فقير} (2) فزدني من فضلك وإحسانك، واجعلني من الشاكرين لنعمائك.

وقال (ض): رأيت الصديق في المنام، وقال لي: تدري ما علامة خروج حب الدنيا من القلب، قلت: لا، قال؛ بذلها عند الوجد، ووجود الراحة عند الفقد، وقال (ض) يحكي عن أستاذه (3) رحمه الله في قوله (ص):"يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا"(4) أنه يعني: دلوهم على الله ولا تدلوهم على غيره، فإن من دلك على الدنيا، فقد غشك، ومن دلك على العمل، فقد أتعبك، ومن دلك على الله فقد نصحك، وفي الخبر: ليس الزهد بتحريم الحلال، ولا بإضاعة المال، إنما الزهد أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك.

وقال الشيخ أبو الحسن (ض): قف بباب واحد لا لتفتح لك الأبواب، تفتح لك الأبواب، واخضع لسيد واحد لا لتخضع لك الرقاب، تخضع لك الرقاب، قال الله تعالى:{وإن من شيء إلا عندنا خزائنه} (5).

وقال أيضا (ض): يئست من نفع نفسي لنفسي، فكيف، لا أيأس من نفع غيري لنفسي، ورجوت الله لغيري، فكيف لا أرجوه لنفسي، وسئل عن الكيمياء (6) فقال: اقطع طمعك من الله أن يعطيك غير ما قسم لك،

(1) في خ وت 1: من أحسن.

(2)

القصص 24.

(3)

هو ابن مشيش، وانظر قواعد التصوف للمؤلف ص 44.

(4)

خرجه مسلم من حديث أنس بن مالك (ض) عن النبي (ص)، حديث رقم 1734.

(5)

الحجر 21.

(6)

الكيمياء في القديم كانوا يعنون بها تحول الحجارة أو المعادن إلى ذهب، فهي مرتبطة عند القدماء بالسحر والتنجيم، وأصل الفكرة جاءت إلى العرب من الفلسفة اليونانية، انظر الموسوعة العربية الميسرة 2/ 153.

ص: 176

ومن الخلق أن ينفعوك أو يضروك، وقال (ض): من طلب الحمد من الناس بترك الأخذ من الناس، فإنما يعبد نفسه والناس، وليس من الله في شيء، وقال أيضا: لأن يغنيك الله عن الدنيا خير لك من أن يغنيك بها، فوالله ما استغنى بها أحد قط، وكيف يستغنى بها بعد قوله تعالى:{قل متاع الدنيا قليل} (1).

وقال: كل شهوة تدعوك إلى الرغبة في مثلها، فهي عدة الشيطان وسلاحه، وكل شهوة تدعوك إلى طاعة الله والرغبة في سبيل الخيرات، فهي محمودة، وقال (ض): أشقى الناس من يحب أن يعامله الناس بكل ما يريد، وهو لا يجد من نفسه بعض ما يريد، فطالب نفسك بإكرامهم، ولا تطالبهم بإكرامهم لك، {لا تكلف إلا نفسك} (2).

وقال (ض): أوصاني أستاذي رحمه الله فقال: الله الله والناس، نزه لسانك عنهم، وقلبك عن التماثيل من قبلهم، وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفرائض، وقد تمت ولاية الله عندك، فلا تذكرهم إلا بواجب حق الله عليك، وقد تم ورعك، وقل: اللهم أرحني من ذكرهم، ومن العوارض من قبلهم، ونجني من شرهم، واغنني بخيرك عن خيرهم، وتولني بالخصوصية من بينهم، إنك على كل شيء قدير انتهى، وهو عجيب، وكذا كل ما قبله، وهي جملة جامعة لوجوه الآداب وأصول التحقق في رفع الهمة، فتمسك بها حتى يأتيك الفتح من الله مجردا عن الوسائط، أو بواسطة ولي من أوليائه، وهو أتم لمن قضي له به، وبالله سبحانه التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

(1) النساء 77.

(2)

النساء 84.

ص: 177