الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كافر بشبهة إسلام أولى من إخراج مسلم بذلك (1) ذكره في الشفاء فانظره، ولقد رأيت من الناس كثيرا لا يرون الفقير إلا من يستظهر بذلك، ومن يحفظ حرمة الله ورسوله يسمونه يابسا، ويقولون: لا خير عنده، وهو لو فتح باب الكلام في حقائق الحقائق ما شموا له رائحة، أعاذنا الله مما ابتلاه به بمنه وكرمه.
…
78 - فصل
في وضع الشيء في غير محله
وهو نظر الناس بالعلم في غيرهم، وتركهم الحكم به على أنفسهم، فتجد أحدهم إذا سمع شيئا من الأمور التي عمت بها البلوى، ووقع فيها عوام الخلق من العلماء والفقراء وغيرهم، يقول: هذا حال الناس اليوم يفعلون كذا ولا يتقون كذا، ويدع النظر في نفسه بذلك، فيعمى عن عيبه ويبصر عيب أخيه، وذلك من حسن ظنه بنفسه وتزكيتها، وقد أشار إليه رسول الله (ص) بقوله:((يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه ولا يبصر الجذع في عينه)) (2) الحديث، وقد ابتلي فقراء هذا الوقت بخمسة أشياء: الاغترار، والوسوسة، والكسل، ورؤية الأهلية لكل كمال بأول قدم، والتعزز بالطريق على كل حال.
فحدث لهم بذلك خمسة أمور: من الاغترار اتباع كل ناعق بحق أو
(1) انظر قواعد التصوف للمؤلف ص 51.
(2)
أخرجه ابن حبان (الإحسان 13/ 73) وعزاه العجلوني في كشف الخفاء 2/ 543 إلى أحمد عن أبي هريرة (ض)، وكذلك البخاري في الأدب المفرد رقم 592، وهو لأحمد في الزهد موقوف على أبي هريرة، وذكره العجلوني مرة أخرى في 1/ 351 وعزاه إلى البيهقي في شعب الإيمان، ولم يتكلم عليه، ووقفه أصح، وانظر الزهد للإمام أحمد ص 178.
بباطل، ومن الوسوسة الابتداع في الدين مع رؤية الامتياز، ومن الكسل الإسراع لكل جهة يتوهمون فيها الكمال، ومن رؤية الأهلية الخبط والخوض فيما لم يحسنوا، ومن التعزز طلب الباطل بصورة الحق فحصل الفساد من جهة الصلاح، وما حجب العلماء عن العمل إلا تعلمهم العلم لغيرهم، وما أوجب لهم التشمير إلا تعلمهم ذلك، لأنفسهم، فإن من تعلم العلم لنفسه اهتدى وتبصر (1) ومن تعلم العلم لغيره، فقل أن ينتفع به، وعقوبة العالم موت قلبه (2) أي: طلب الدنيا بعمل الآخرة (3)، كما ورد به الأثر، فتعلموا العلم لتعملوا به، لا لتكتسبوا به، واجعلوه حجة على أنفسكم، لا لها ولا على الناس، وإياكم والاحتجاج بوقائع العلماء بدلا مما تحققتم علمه، فقد ضل كثير من الناس لهذا الباب (4)، ولعل للواقع فيما ذكر عذرا لم نطلع عليه، وبالله التوفيق.
…
(1) في ت 1: تصبر.
(2)
قال عبد الله بن مسعود: إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه للخطيئة التي كان يعملها، انظر سنن الدارمي 1/ 105.
(3)
جاء في سنن الدارمي 1/ 103، عن عبد الله بن مسعود (ض)، قال: من طلب العلم لأربع دخل النار؛ ليباهي به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه، أو ليأخذ به من الأمراء، وجاء في المدارك 1/ 185، أن الإمام مالك كان يقول: أخسر الناس من باع آخرته بدنياه، وأخسر منه من باع آخرته بدنيا غيره، ودخل الحسن السوق، فساوم رجلا بثوب، فقال: هو لك بكذا وكذا، والله لو كان لغيرك ما أعطيته، فقال: فعلتموها، فما رؤي بعدها مشتريا من السوق ولا بائعا حتى مات، سنن الدارمي 1/ 142.
(4)
كثيرا ما يحتج الناس لأنفسهم إذا كانوا على عمل غير مرضي بعمل فلان وفلان من أهل العلم، وهم يعلمون أن هؤلاء الذين يحتجون بهم على طريق معوج غير قويم، لكنهم وجدوا في عمل العالم سندا لما يوافق رغباتهم، ويردون به على من أرشدهم ووجههم، ولذا كانت زلة العالم وزرا تجر أوزارا، ولا تعفي المحتج بها من مسؤولية عمله كما قال المؤلف وحذر: إياكم والاحتجاج بوقائع العلماء بدلا مما تحققتم علمه
…
إلخ.