الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجود طلبك، ولو اضطررت إلى الله اضطرار الأم لولدها إذا فقدته لوجدت الله منك قريبا ولك مجيبا، ولوجدت الوصول غير متعذر عليك، ولتوجه الحق تعالى بتيسير ذلك إليك، قال ابن عباد رحمه الله تعالى: وفي كلامه تنبيه على أن الشيخ من منح الله تعالى وهداياه للعبد المريد إذا صدق في إرادته، وبذل في مناصحة مولاه جهد استطاعته، لا على ما قد يتوهمه من لا علم له، وعند ذلك يوفقه الله تعالى لاستعمال الأدب معه، لما أشهده من عالي مرتبته، ورفيع درجته انتهى، وهو حسن جدا، وبالله التوفيق، ومنه الهداية.
47 - فصل
في العلامة التي يستدل بها المريد على حاله من الشيخ الذي
قصده، أو فتح له به أنه ينتفع به
.
وهي سريان نورانية الشيخ في نورانيته، وانبساط حقيقته على عوالم ظلمته، فلا يبقى منه شيء إلا دخله منه محبة وإجلال، وأنس لا يصحبه إذلال، بل كلما ازداد بسطا تزايدت عظمته، وكلما ظهر بالجلال تأكدت محبته، ولا يزال به ذلك حتى ينتج له موافقته طوعا أو كرها، دون توقف ولا تردد، واحترامه على كل حال دون اعتلال، ولا أنس بعلم ولا عمل، ولا حال ولا طمع (1) ولا معاملة ولا غيرها، فقد قال الشيخ أبو مدين (ض): الشيخ من شهدت له ذاتك بالتقديم، وسرك بالتعظيم، الشيخ من هذبك بأخلاقه، وأدبك بأطرافه، وأنار باطنك بإشراقه، الشيخ من جمعك في حضوره، وحفظك في مغيبه (2).
(1) في ت 1: (طبع).
(2)
القول الذي استشهد به المؤلف لأبي مدين ذكره صاحب نيل الابتهاج. نيل الابتهاج بتطريز الديباج 127.
قال في لطائف المنن: وليس شيخك من سمعت منه، وإنما شيخك من أخذت عنه، وليس شيخك من واجهتك عباراته، وإنما شيخك الذي سرت فيك إشارته، وليس شيخك من دعاك إلى الباب، إنما شيخك من رفع بينك وبينه الحجاب، وليس شيخك من واجهك مقاله، إنما شيخك الذي نهض بك حاله، شيخك الذي أخرجك من سجن الهوى، ودخل بك على المولى، شيخك هو الذي ما زال يجلو مرآة قلبك حتى تجلت فيه أنوار ربك، نهض بك إلى الله فنهضت إليه، وسار بك حتى وصلت إليه، ولا زال محاذيا لك حتى ألقاك بين يديه، فزج بك في نور الحضرة، وقال:
ها أنت وربك
…
انتهى، وهو عجيب.
ثم اعلم أن هذا الأمر قد يجده الشخص من شخص فينتفع به، ويجد منه غيره نقيضه فيتضرر به، وقد يجده الجمع الكبير، وقد لا يجده إلا الواحد والاثنان، فكما أن من أرباب الأصلاب من يكون عقيما في الولادة، مع توفر قواه، كذلك من أرباب الحقائق والأحوال من يوجد عقيما مع علو مقامه، فتمسك بمن تنتفع به، ودع ما وراء ذلك، ولا تنتقل عنه ولو رأيت من هو أعلى منه، فتحرم بركة الأول والثاني، ولذلك كان المشايخ يمنعون أصحابهم من صحبة غيرهم من المشايخ، بل من زيارتهم، فاعرف ذلك:
خد ما تراه ودع شيئا تسمع (1) به
…
في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
وقد قال في الحكم: العبارات قوت لعائلة المستمعين، وليس لك إلا ما أنت له آكل، أي: ما انتفعت به، لا ما انتفع به غيرك، وقال (ص):"من رزق من باب فليلزمه"(2).
اللهم إلا أن يعترض حق شرعي يمنع من وجود الاقتداء، لضرر يلحقك
(1) الصواب: (سمعت) والبيت للمتنبي في ديوانه ص 338.
(2)
عزاه في المقاصد الحسنة ص 397 للبيهقي في الشعب والقضاعي، وهو بمعناه عند أحمد وابن ماجه، وأسانيده ضعيفة، انظر كشف الخفاء 2/ 314.