الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثالث: العلم بأصول الطريقة التي هو بها أو يريد سلوكها، فإنما حرموا الوصول بتضييعهم الأصول، وأصول القوم مبنية على الكتاب والسنة، هذا إمام الطائفة وعمدتها، والمرجوع إليه عند الكافة في شأنها، الشيخ أبو القاسم الجنيد (ض)، يقول: علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة، فمن لم يسمع الحديث، ويجالس الفقهاء، ويأخذ أدبه عن المتأدبين، أفسد من اتبعه وتتبعه حرام، وقال أبو سليمان الداراني (1) (ض): إنها لتقع النكتة في قلبي من كلام القوم أياما، فأقول لها: لا أقبلك إلا بشاهدي عدل: الكتاب والسنة، وسئل الشبلي (2)(ض) عن التصوف، فقال: هو الاقتداء برسول الله (ص) انتهى، والنقل عنهم في هذا الباب كثير، وقد تقدم منه، ومن أراد الوقوف والزيادة فلينظر في محاله ومظانه، وبالله التوفيق.
…
6 - فصل
فيما يتبع من أمور الصوفية المحققين وما يترك ويكون التابع
والتارك فيه تابعا مذهبهم المبارك من غير خروج
.
قال الشيخ أبو إسحاق الشاطبي (3)(ض): كل ما عمل به المتصوفة المعتبرون في هذا الشأن، يعني كالجنيد وأمثاله، لا يخلو إما أن يكون مما ثبت له أصل في الشريعة، فهم خلقاء به، كما أن السلف من الصحابة والتابعين خلقاء بذلك (4).
وإن لم يكن له أصل في الشريعة، فلا عمل عليه لأن السنة حجة على جميع الأمة، وليس عمل أحد من الأمة حجة على السنة، لأن السنة
(1) هو عبد الرحمن بن عطية من أهل داران من دمشق (ت 215) الرسالة القشيرية 274.
(2)
هو أبو بكر دلف بن جحدر الشبلي، كان شيخ وقته، مالكي المذهب (ت 334) الرسالة القشيرية 280.
(3)
هو إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي، المحقق الأصولي (ت 790) نيل الابتهاج 46.
(4)
انظر الاعتصام 1/ 217.
معصومة من الخطأ، وصاحبها معصوم، وسائر الأمة لم تثبت لهم عصمة إلا مع إجماعهم خاصة، وإذا اجتمعوا تضمن إجماعهم دليلا شرعيا، فالصوفية كغيرهم ممن لم تثبت له العصمة، يجوز عليهم الخطأ والنسيان، والمعصية كبيرها وصغيرها، والبدعة محرمها ومكروهها، ولذلك قال العلماء: كل كلام منه مأخوذ ومتروك إلا ما كان من كلامه (ص)، وقد قرر القشيري (1)، رحمه الله
…
ذلك أحسن تقرير، فقال: فإن قيل: فهل يكون الولي معصوما؟
قيل: أما وجوبا كما يقال في الأنبياء فلا، وأما أن يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب وإن حصلت هفوات أو آفات أو زلات فلا يمتنع ذلك في وصفهم، قال: ولقد قيل للجنيد: أيزني العارف، فأطرق مليا، ثم رفع رأسه وقال: {وكان أمر الله قدرا مقدورا (2).
قال: فهذا كلام منصف، فكما تجوز على غيرهم المعاصي بالابتداع وغيره، كذلك تجوز عليهم البدع، فالواجب علينا أن نقف مع الاقتداء بمن يمتنع عليه الخطأ، ونقف عن الاقتداء بمن يجوز عليه إذا ظهر في الاقتداء به إشكال، بل نعرض ما جاء عن الأئمة على الكتاب والسنة، فما قبلاه قبلناه، وما لم يقبلاه تركناه، ولا علينا إذا قام لنا الدليل على اتباع الشارع، ولم يقم لنا الدليل على اتباع أقوال الصوفية وأعمالها إلا بعد عرضها، وبذلك وصى شيوخهم، وأن ما جاء به صاحب الوجد والذوق من العلوم والأحوال والفهوم يعرض على الكتاب والسنة، فإن قبلاه، وإلا لم يصح، قال: نم نقول ثانيا (3) إذا نظرنا في رسومهم التي حدوا، وأعمالهم التي امتازوا بها عن غيرهم بحسب تحسين الظن والتماس أحسن المخارج، ولم نعرف له مخرجا، فالواجب التوقف عن الاقتداء والعمل، وإن كانوا من جنس من يقتدى بهم لا ردا له ولا اعتراضا عليه، بل لأنا لم نفهم وجه رجوعه إلى القواعد الشرعية، كما فهمنا غيره، ثم قال بعد كلام: فوجب
(1) هو عبد الكريم بن هوازن النيسابوري القشيري، صوفي جامع للعلوم والحديث (ت 465) طبقات الأولياء 257.
(2)
الأحزاب 38.
(3)
القائل الشاطبي.