الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
53 - فصل
فيما يستعان به على سلوك طريق الجادة من العلوم والقواعد
والكتب المفيدة
اعلم أن أصول القوم دائرة على قواعد أربع:
أحدها: اتباع السنة بالأدب، وهي داخلة في العقود والقصود والأقوال والأفعال، والظواهر والبواطن، وتحقيق ذلك من كتب التوحيد بتحرير الاعتقاد وتأييده، وكتب الفقه بتحقيق المناط وتحريره، وذلك مبثوث في كتب المحاسبي، ومدخل ابن الحاج، ومن جرى مجراهما من الأئمة.
الثاني: شهود المنة باستصحاب الشكر، ويجري ذلك في الجلب والدفع دينا ودنيا، علما وعملا وحالا، وعليه مدار طريق الشاذلية، وتحريرها في كتب ابن عطاء الله، وزبدتها في رسائل ابن عباد وشرحه، وما جرى مجرى ذلك.
الثالث: الإعراض عن الخلق وعن كل شيء منهم، حتى عن نفسك التي بين جنبيك، وذلك مبثوث في كتاب (منهاج العابدين)، و (بداية الهداية)(1) بوجه يجمع الظاهر والباطن في ذلك، ولابن عطاء الله إلمام به من حيث الباطن، والله أعلم.
الرابع إفراد الوجه لله سبحانه، وهو مقصود كل قوم بما أرادوه من طريقهم، لكن دخول الشاذلية فيه بأول قدم، وعليه دار كلامهم، قياما بقوله (ص):"واعبد الله كأنك تراه"(2) كما عمل غيرهم على أنه يراك والكل في بيان (3) الحق بالصدق، والله أعلم.
وقد أشبع في ذلك ابن عطاء الله (ض)، ونقح وهذب وحرر المقصود
(1) الكتابان للغزالي رحمه الله.
(2)
جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي (ص) عن الإحسان فأجاب (ض): "أن تعبد الله كأنك تراه"، مسلم 1/ 37.
(3)
في ت 1: (بساط).
منه، لا سيما في كتابه (التنوير في إسقاط التدبير)، فإن فيه ما في كتب الصوفية المطولة والمختصرة، مع زيادة البيان واختصار الألفاظ، والمسلك الذي سلك فيه مسلك توحيد لا يمكن لأحد إنكاره ولا الطعن فيه، ولا يدعى للمتصف به صفة حميدة إلا أكسبه إياها، ولا صفة ذميمة إلا أزالها عنه وطهره منها، كذا قال سيدي أبو عبد الله محمد بن عباد رحمه الله في رسائله، وصدق (ض)، وقال في (التنبيه) (1): تحصيله متعين على كل مريد نجيب، وقال (2) في (فصول السلمي (3) في عيوب النفس): صغير الجرم عظيم الفائدة والعلم أو كلاما هذا معناه، وأثنى على نصائح المحاسبي ثناء عظيما، ثم قال: وقد كان أوحد زمانه علما وعبادة، ونخبة أوانه ورعا وزهاده، سيدي الحاج أبو العباس أحمد بن عاشر رحمة الله عليه ورضوانه، يكثر من التحريض على مطالعة ذلك الكتاب، والعمل بما تضمنه من حق وصواب، قال: وأظنني سمعته ذات يوم يقول: لا يعمل بما فيه إلا ولي، أو كلاما هذا معناه، فليتخذ المريد مطالعته وردا، وليحرص على العمل بما تضمنه مستعينا بالله تعالى، وسائلا منه توفيقا ورشدا، لينصح لمولاه في مراعاة إصلاح باطنه، والقيام على قدم الصدق في مواطنه، وليجعل هجيراه مطالعة كتب التصوف، وموالاة أهله بالتألف والتعرف، فبذلك تتقوى أنوار إيمانه ويقينه، وتنتفى عنه العزة في العمل بوظائف دينه، ولا يقدم على ذلك إلا فرض العين وما يستجم به نفسه من التعب والأين، ولا يشغل نفسه بعلم يغير في وجه مقصوده، ويوجب له انتكاث مواثقه وعهوده، وهو ما أكب الناس عليه اليوم، وحادوا به عن سنن القوم، حتى تطرق لهم بذلك من رذائل الصفات، وعظائم الآفات، ما أصارهم إلى الهلاك والشقاء، وأعقبهم النفاق في قلوبهم إلى يوم اللقاء، وسجل عليهم بالكذب في دعواهم أنهم قاصدون بذلك رضى مولاهم، فإياك وإياهم.
(1) هو شرح ابن عباد على الحكم العطائية كما في كشف الظنون 1/ 675.
(2)
أي: ابن عباد في شأن فصول السلمي.
(3)
في ت 1: (السلبي) وهو محمد بن الحسين بن محمد السلمي أبو عبد الرحمن، صاحب طبقات الصوفية (ت 412) شذرات الذهب 3/ 196.