الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النفس وتهذيب الأخلاق يتيسَّر
(1)
بطريق
(2)
الرِّياضات والمجاهدات والخلوات، هيهات هيهات! إنّما يُوقِع ذلك في الآفات والشُّبهات والضّلالات، فإنّ
تزكية النُّفوس مسلَّمٌ إلى الرُّسل
صلوات الله وسلامُه عليهم، وإنّما بعثَهم الله لهذه التّزكية وولَّاهم إيّاها، وجعلَها على أيديهم دعوةً وتعليمًا وبيانًا وإرشادًا، لا خَلقًا ولا إلهامًا، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم. قال تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الجمعة: 2]، وقال تعالى:{(150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا} [البقرة: 151 - 152].
و
تزكية النُّفوس أصعبُ من علاج الأبدان
وأشدُّ، فمن زكّى نفسَه بالرِّياضة والمجاهدة والخلوة التي لم يجئ بها الرُّسل
(3)
= فهو كالمريض الذي يعالج نفسَه برأيه دونَ معرفة الطّبيب. فالرُّسل أطبّاءُ القلوب، فلا سبيل إلى صلاحها وتزكيتها إلّا على أيديهم، وبمحض الانقيادِ والتّسليم لهم. والله المستعان.
فإن قلت:
هل يمكن أن يكون
(4)
الخُلق كسبيًّا
، أو هو أمرٌ خارجٌ عن الكسب؟
قلت: يُمكِن أن يقع كسبيًّا بالتّخلُّق والتّكلُّف، حتّى يصيرَ له سَجِيّةً ومَلَكةً، وقد قال النّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأشجِّ عبد القيس:«إن فيك لخُلُقَينِ يحبُّهما الله: الحلم والأناة» . فقال: أخُلقينِ تخلّقتُ بهما أم جَبلنَي الله عليهما؟ فقال: «بل جَبَلَك الله
(1)
عليهما». فقال: الحمد لله الذي جَبَلَني على خُلقينِ يُحِبُّهما الله ورسوله
(2)
. فدلّ على أنّ من الخلق ما هو طبيعةٌ وجِبِلَّةٌ، وما هو مكتسَبٌ.
وكان النّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الاستفتاح: «اللهمّ اهْدِني لأحسنِ الأخلاق، لا يهدي لأحسنِها إلّا أنت، واصرِفْ عنِّي سيِّئ الأخلاق، لا يَصرِف عنِّي سيِّئها إلّا أنت»
(3)
. فذكر الكسب والقَدَر.
فصل
قال صاحب «المنازل» رحمه الله
(4)
: (الخُلُق: ما يرجع إليه المتكلِّفُ من نَعْتِه).
أي: خُلُق كلِّ متكلِّفٍ فهو ما اشتملتْ عليه نعوتُه، فتكلُّفه يردُّه إلى
(1)
كلمة الجلالة ليست في د.
(2)
أخرجه أبو داود (5225)، وأحمد (39/ 490)، والبزار (2746 - كشف الأستار)، والطبراني في «الكبير» (5313)، والبيهقي في «السنن» (7/ 102) وفي «دلائل النبوة» (5/ 327، 328) من طريقين عن مطر بن عبد الرحمن الأعنق عن أم أبان بنت الوازع عن جدّها زارع به. وإسناده حسن في الشواهد. وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (584)، وأحمد (17828)، وابن حبان (7203) من طرق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن الأشج العصري. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 387، 388): رجاله رجال الصحيح إلا أن أبي بكرة لم يدرك الأشج. وأصل الحديث عند مسلم (18) دون السؤال والجواب.
(3)
أخرجه مسلم (771) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(4)
(ص 45).