الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدهما: شهود تقصيره ونقصانه.
والثّاني: صدقُ محبّته. فإنّ المحبّ الصّادق يتقرّب إلى محبوبه بغاية إمكانه، وهو معتذرٌ إليه غاية الاعتذار، مستحيٍ
(1)
منه أن يواجهه بما واجهه به، يرى أنّ قدْره فوقه وأجلُّ منه. وهذا مُشاهَدٌ في محبّة المخلوقين.
القاعدة
الثّانية: استعظام كلِّ ما يصدر منه سبحانه إليك، والاعتراف بأنّه يوجب الشُّكر عليك
، وأنّك عاجزٌ عن شكره. ولا يتبيّن هذا إلّا في المحبّة الصّادقة، فإنّ المحبّ يستكثر من محبوبه كلَّ ما يناله. فإذا ذكره بشيءٍ وأعطاه إيّاه كان سروره بذكره له، وتأهيله بعطائه، أعظمَ عنده من سروره بذلك المعطَى، بل يغيب بسروره بذكره له عن سروره بالعطيّة
(2)
. وإذا كان المحبُّ يسرُّه ذِكرُ محبوبه له وإن نالَه بمساءةٍ، كما قال القائل
(3)
:
لئن ساءني أن نِلْتِني بمَساءةٍ
…
فقد سَرّني أنِّي خَطرتُ ببالك
فكيف إذا ناله محبوبٌ بمسرّةٍ وإن دَقَّتْ، فإنّه لا يراها إلّا جليلةً خطيرةً
(4)
؟ فكيف هذا مع أنّ الرّبِّ تعالى لا يأتي منه أبدًا إلّا الخيرُ؟ ويستحيل خلافُ ذلك في حقِّه، كما يستحيل عليه خلافُ كماله. وقد أفصح
(1)
ش، د:«يستحق» .
(2)
ل: «بالقطيعة» ، تحريف.
(3)
هو ابن الدُّمينة، كما في «الحماسة» (2/ 62)، و «ديوانه» (ص 17 - 18). وانظر هناك التخريج واختلاف النسبة (ص 218). وقد ذكره في «روضة المحبين» (ص 113، 309).
(4)
ل: «خطرة» .
أعرفُ الخلق بربِّه عن هذا بقوله: «والشّرُّ ليس إليك»
(1)
، أي: لا يُضاف إليك، ولا يُنسَب إليك، ولا يَصدُر منك. فإنّ أسماءه كلَّها حسنى، وصفاته كلّها كمالٌ، وأفعاله كلّها فضلٌ وعدلٌ، وحكمةٌ ورحمةٌ ومصلحةٌ. فبأيِّ وجهٍ يُنسَب الشّرُّ إليه سبحانه وتعالى؟ فكلُّ ما يأتي منه فله عليه الحمد والشُّكر، وله فيه النِّعمة والفضل.
قوله: (وأن لا ترى له من الوفاء بدًّا)، يعني: أنّ معاملتك للحقِّ سبحانه بمقتضى
(2)
الاعتذارِ من كلِّ ما منك، والشُّكرِ على ما منه= عقدٌ مع الله تعالى لازمٌ لك أبدًا، لا ترى من الوفاء به لله بدًّا. فليس ذلك بأمرٍ عارضٍ وحالٍ يَحُول، بل عقدٌ لازمٌ عليك الوفاء به إلى يوم لقائه.
فصل
قال
(3)
: (الدّرجة الثّالثة: التّخلُّق
(4)
بتصفية الخلق، ثمّ الصُّعود عن تفرقة التّخلُّق، ثمّ التّخلُّق بمجاوزة الأخلاق).
هذه الدّرجة تتضمن ثلاثة أشياء:
أحدها: تصفية الخُلُق بتكميل ما ذكر في الدّرجتين قبله، فتُصفِّيه من كلِّ شائبةٍ وقذًى ومُشوِّشٍ.
(1)
ضمن دعائه المشهور الذي أخرجه مسلم (771) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(2)
ل: «تقتضي» .
(3)
«المنازل» (ص 46).
(4)
ش، د:«التخلص» ، تحريف.