الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} :
منزلة المراد
.
أفردها القوم بالذِّكر. وفي الحقيقة فكلُّ مريدٍ مرادٌ، بل لم يصر مريدًا إلّا
(1)
بعد أن كان مرادًا، لكنّ القوم خصُّوا المريد بالمبتدئ، والمراد بالمنتهي.
قال أبو عليٍّ الدّقّاق رحمه الله: المريد متحمِّلٌ، والمراد محمولٌ
(2)
.
وقال: كان موسى مريدًا، إذ قال:{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25]، ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم مرادًا، إذ قيل له:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]
(3)
.
وسئل الجنيد رحمه الله عن المريد والمراد، فقال: المريد يتولَّاه سياسةُ العلم، والمراد يتولَّاه رعايةُ الحقِّ. لأنّ المريد يسير، والمراد يطير، فمتى يلحق السّائرُ الطّائرَ؟
(4)
.
فصل
قال صاحب «المنازل» رحمه الله
(5)
: (باب المراد. قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 86]. أكثر
(1)
«إلا» ساقطة من ش.
(2)
«الرسالة القشيرية» (ص 470).
(3)
المصدر السابق (ص 470).
(4)
المصدر السابق (ص 471).
(5)
(ص 58).
المتكلِّمين في هذا العلم جعلوا المريد والمراد اثنين، وجعلوا مقام المراد فوق مقام المريد، وإنّما أشاروا باسم المراد إلى الضَّنائن الذين ورد فيهم الخبر).
قلت: وجه استشهاده
(1)
بالآية: أنّ الله سبحانه وتعالى ألقى إلى رسوله كتابه، وخصَّه بكرامته، وأهَّلَه لرسالته ونبوّته، من غير أن يكون ذلك منه على رجاءٍ، أو نالَه بكسبٍ، أو توسَّلَ إليه بعملٍ، بل هو أمرٌ أريد به، فهو المراد على الحقيقة.
وقوله: (إن أكثرهم جعلوا المريد والمراد اثنين)، فهو تعرُّضٌ إلى أنّ منهم من اكتفى عن ذكر مقام المراد بمنزلة الإرادة، لأنّ صاحبها مريدٌ مرادٌ
(2)
.
وأمّا إشارتهم إلى الضَّنائن، فالمراد به: حديثٌ يُروى
(3)
مرفوعًا إلى النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ لله ضَنائنَ من خَلْقه: يُحيِيهم في عافيةٍ، ويُمِيتُهم في عافيةٍ»
(4)
. والضّنائن: الخصائص. يقال: هو ضِنَّتي من بين النّاس ــ بكسر الضّاد ــ أي
(1)
ش، د:«استدلاله» .
(2)
ش: «مرادًا» . د: «أو مرادًا» .
(3)
ش، د:«يروى به» .
(4)
«ويميتهم في عافية» ليست في ش، د. والحديث أخرجه الطبراني في «الكبير» (13425) و «الأوسط» (6369)، والعقيلي في «الضعفاء الكبير» (4/ 152)، وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 6) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وإسناده ضعيف. قال العقيلي: مسلم بن عبد الله مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ، والرواية في هذا الباب لينة. وضعَّفه الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 268)، والألباني في «الضعيفة» (1239).
الذي أختصُّ به وأضَنُّ بجودته، أي أبخل بها أن أُضيِّعها.
وقد مُثِّل المريد والمراد بقومٍ بعث إليهم سلطانهم يستدعيهم إلى حضرته من بلادٍ نائيةٍ، وأرسل إليهم بالأدلّة والأموال، والمراكب وأنواع الزّاد، وأمرهم بأن يتجشَّموا إليه قَطْع السُّبل والمفاوز، ويجتهدوا في المسير حتّى يلحقوا به، وبعث خيلًا له ومماليكَ إلى طائفةٍ منهم، فقال: احمِلُوهم على هذه الخيل التي تَسبِق الرِّكاب، واخْدُموهم في طريقهم، ولا تَدَعُوهم يُعانوا مؤنةَ الشّدِّ والرَّبط، بل إذا نزلوا فأَرِيحُوهم، ثمّ احْمِلوهم حتّى تُقدِّموهم عليّ. فلم يجد هؤلاء من مجاهدةِ السّير ومكابدتِه ووَعْثَاء
(1)
السّفر ما وجده غيرهم.
ومن النّاس من يقول: المريد ينتقل من منزلة الإرادة إلى أن يصير مرادًا، فكان محبًّا فصار محبوبًا. فكلُّ مريدٍ صادقٍ نهايةُ أمرِه أن يكون مرادًا. وأكثرهم على هذا.
وصاحب «المنازل» كأنّ عنده المراد هو المجذوب، والمريد: السّالك على طريق الجادّة.
فصل
قال
(2)
: (وللمراد ثلاث درجاتٍ: الدرجة الأولى: أن يُعصَم العبد وهو يستشرِف للجفاء اضطرارًا، بتنغيص الشّهوات، وتعويقِ الملاذّ، وسدِّ مسالك المعاطبِ عليه إكراهًا).
(1)
د: «ومكابدة وعثاء» .
(2)
«المنازل» (ص 58).
يعني: أنّ العبد إذا استشرفت نفسه للجفاء بينه وبين سيِّده ــ بموافقة شهواته ــ عصَمَه سيِّده اضطرارًا، بأن يُنغِّص عليه الشّهوات، فلا تصفو له البتّةَ. بل لا ينال ما ينال منها إلّا مَشُوبًا بأنواع التّنغيص الذي ربّما أربى على لذّتها واستهلكها، بحيث تكون اللّذّة في جنب التّنغيص كالخِلْسة والغَفْوة.
وكذلك يُعوِّق الملاذَّ عليه، بأن يحول بينه وبينها، حتّى لا يركَنَ إليها ويطمئنَّ إليها
(1)
ويساكنها، فيحول بينه وبين أسبابها. فإن هُيِّئت له قَيَّضَ له مدافِعَ تحولُ بينه وبين استيفائها، فيقول: من أين دُهِيتُ
(2)
؟ وإنّما هي عينُ العناية والحِمية والصِّيانة.
وكذلك يَسُدُّ عنه طُرقَ المعاصي ــ فإنّها طُرق المعاطب ــ وإن كان كارهًا، عنايةً به
(3)
وصيانةً له.
فصل
(الدّرجة الثّانية: أن يضعَ عن العبد عوارضَ النّقص، ويُعافِيَه من سِمَة اللّائمة، ويُملِّكه عواقبَ الهفوات. كما فعل بسليمان عليه السلام حين قتلَ الخيلَ فحملَه على الرِّيح الرُّخاء، فأغناه عن الخيل. وفعل بموسى عليه السلام حين ألقى الألواحَ وأخذ برأس أخيه، ولم يَعتِب عليه كما عتَبَ على آدم عليه السلام وداود ويونس عليهم الصلاة والسّلام)
(4)
.
(1)
«إليها» ليست في ش، د.
(2)
أي أُصِبتُ بداهية.
(3)
«به» ليست في ل.
(4)
«المنازل» (ص 58).
الفرق بين هذه الدّرجة والّتي قبلها: أنّ في التي قبلها منعَ من مواقعة أسباب الجفاء اضطرارًا، وفي هذه: إذا عرضتْ له أسبابُ النّقيصة التي يستحقُّ عليها اللّائمة، لم يَعتِبْه عليها ولم يَلُمْه. وهذا نوعٌ من الدَّلال، وصاحبه من ضَنائن الله وأحبابه. فإنّ الحبيب يُسامَح بما لا يُسامَح به سواه، لأنّ المحبّة أكبر شفعائه
(1)
. وإذا هفا هفوةً ملَّكه عاقبتَها، بأن جعلها سببًا لرِفعته وعلوِّ درجته، فيجعل تلك الهفوة سببًا لتوبةٍ نصوحٍ، وذلٍّ خاصٍّ، وانكسارٍ بين يديه، وأعمالٍ صالحةٍ تزيد في قربه منه أضعافَ ما كان عليه قبل الهفوة. فتكون تلك الهفوة أنفعَ له من حسناتٍ كثيرةٍ. وهذا من علامات اعتناء الله بالعبد، وكونِه من أحبّائه وحزبه.
وقد استشهد الشّيخ رحمه الله بقصّة سليمان عليه السلام، حين ألهَتْه الخيل عن صلاة العصر، فأخذتْه الغضبة لله والحميّة، وحملتْه على أن مَسَحَ عراقيبها وأعناقها بالسّيف، وأتلفَ مالًا شَغلَه عن الله في الله، فعوَّضه الله منه أن حمَلَه على متن الرِّيح. فملّكه الله تعالى عاقبةَ هذه الهفوة. وجعلها سببًا لنيل تلك
(2)
المنزلة الرّفيعة.
واستشهد بقصّة موسى عليه السلام، حين ألقى الألواحَ ــ وفيها كلام الله ــ عن رأسه وكسَرها، وجرَّ بلحيةِ أخيه وهو نبيٌّ مثله، ولم يَعتِبْه الله على ذلك كما عتبَ على آدم عليه السلام في أكل لقمةٍ من الشّجرة، وعلى نوحٍ حين سأل ربّه في ابنه أن يُنجِيه، وعلى داود في شأن امرأة أوريا، وعلى يونس في شأن المغاضبة.
(1)
ل: «شفايعه» .
(2)
«تلك» ليست في ش، د.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله يقول: وكذلك لطَمَ عينَ ملك الموت عليه السلام ففقأها، ولم يَعتب عليه ربُّه. وفي ليلة الإسراء عاتبَ ربّه في النّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ رفع فوقه، ورفع صوته بذلك، ولم يَعتبه. قال: لأنّ موسى عليه الصلاة والسلام قام تلك المقاماتِ العظيمةَ التي أوجبت له هذا الدَّلال، فإنّه قاومَ أكبرَ أعداء الله تعالى فرعون، وتصدّى له ولقومه، وعالج بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، وجاهد في الله أعداء الله أشدَّ الجهاد، وكان شديد الغضب لربِّه، فاحتملَ له ما لا يحتمله لغيره
(1)
. وذو النُّون لمّا لم يكن في هذا المقام سَجَنَه في بطن الحوت من غضبه، وقد جعل الله لكلِّ شيءٍ قدرًا.
فصل
قال
(2)
: (الدّرجة الثّالثة: اجتباء الحقِّ عبدَه، واستخلاصه إيّاه بخالصته. كما ابتدأ موسى وقد خرج يقتبس نارًا، فاصطنعه لنفسه وأبقى منه رسمًا مُعارًا).
الاجتباء: الاصطفاء والإيثار والتّخصيص، وهو افتعال من جَبيتُ الشّيء: إذا حُزتَه إليك، كجباية المال وغيره.
والاصطناع أيضًا: الاصطفاء والاختيار، يعني أنّه اصطفى موسى عليه السلام، واستخلصه لنفسه، وجعله له خالصًا من غير سببٍ كان من موسى ولا وسيلةٍ. فإنّه خرج ليقتبس النّار، فرجع وهو كليم الواحد القهّار، وأكرمُ الخلق عليه، ابتداءً منه سبحانه، من غير سابقةِ استحقاقٍ، ولا تقدُّمِ وسيلةٍ.
(1)
«لغيره» ليست في ش، د.
(2)
«المنازل» (ص 59).
وفي مثل هذا قيل
(1)
:
أيُّها العبد كُنْ لما لستَ ترجو
…
من صلاحٍ أرجى لما أنت راجي
إنّ موسى أتى ليقبِسَ
(2)
نارًا
…
من ضياءٍ رآه والليلُ داجي
فانثنى راجعًا، وقد كلَّم اللّـ
…
ـه وناجاه وَهْو خير مُناجي
وقوله: (وأبقى منه رسمًا معارًا).
يحتمل أن يريد بالرّسم: البقيّة التي تقدَّمه بها محمّدٌ صلى الله عليه وسلم، ورُفِع فوقه بدرجاتٍ لأجل بقائها معه.
ويحتمل ــ وهو الأظهر ــ أنّه أخذه
(3)
من نفسه، واصطنعه لنفسه، واختاره من بين العالمين، وخصّه بكلامه، ولم يُبْقِ له من نفسه إلّا رسمًا مجرّدًا يصحب به الخلقَ، وتجري عليه فيه أحكام البشريّة، إتمامًا
(4)
لحكمته، وإظهارًا لقدرته. فهو عاريةٌ معه، فإذا قضى ما عليه استردَّ منه ذلك الرّسم، وجعله من ماله، فتكمَّلتْ
(5)
إذ ذاك مرتبة الاجتباء ظاهرًا وباطنًا، حقيقةً ورسمًا، ورجعت العاريَّة إلى مالكها الحقِّ، الذي إليه يرجع الأمر كلُّه. فكما ابتدأتْ منه عادتْ إليه.
وموسى عليه السلام كان في مظهر الجلال، ولهذا كانت شريعته شريعة
(1)
الأبيات بلا نسبة في «الفرج بعد الشدة» للتنوخي (5/ 74)، و «سراج الملوك» للطرطوشي (ص 663)، و «تاريخ دمشق» (61/ 56).
(2)
ل: «ليقتبس» ، خطأ.
(3)
ش، د:«أخذ» .
(4)
في النسخ: «وإتمامًا» .
(5)
د: «فتكلمت» ، تحريف.
جلالٍ وقهرٍ. أُمروا بقتل نفوسهم، وحُرِّمت عليهم الشُّحوم وذواتُ الظُّفر وغيرها من الطّيِّبات، وحُرِّمت عليهم الغنائم، وعُجِّلت لهم من العقوبات ما عُجِّل، وحُمِّلوا من الآصار والأغلال ما لم يُحمَّله غيرُهم. وكان موسى صلى الله عليه وسلم من أعظم خلق الله هيبةً ووقارًا، وأشدِّهم بأسًا وغضبًا لله، وبطشًا
(1)
بأعداء الله، وكان لا يُستطاع النّظر إليه.
وعيسى صلى الله عليه وسلم كان في مظهر الجمال، وكانت شريعته شريعةَ فضلٍ وإحسانٍ، وكان لا يقاتل ولا يحارب، وليس في شريعته قتالٌ البتّةَ. والنّصارى يُحرَّم عليهم في دينِهم القتالُ، وهم به عصاةٌ لشرعه، فإنّ الإنجيل يأمرهم فيه: أنّ من لَطمَك على خدِّك الأيمن فأَدِرْ له خدَّك الأيسر، ومن نازعَك ثوبك فأعْطِه رداءك، ومن سَخَّرك ميلًا فامْشِ معه ميلين، ونحو هذا
(2)
. وليس في شريعتهم مشقّةٌ ولا آصارٌ ولا أغلالٌ، وإنّما النّصارى ابتدعوا تلك الرّهبانيّة من قِبلِ أنفسهم، ولم تُكتَب عليهم.
وأمّا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم فكان في مظهر الكمال، الجامع لتلك القوّة والعدل والشِّدّة في الله، وهذا اللِّين والرّأفة والرّحمة، وشريعته أكمل الشّرائع. فهو نبيُّ الكمال، وشريعته شريعة الكمال، وأمّته أكمل الأمم، وأحوالهم ومقاماتهم أكمل الأحوال والمقامات. ولذلك تأتي شريعتُه بالعدل إيجابًا له وفرضًا، وبالفضل ندبًا إليه واستحبابًا، وبالشِّدّة في موضع الشِّدّة، وباللِّين في موضع اللِّين، ووَضْعِ السّيف موضعَه، ووَضْعِ النّدى موضعَه. فيذكر الظُّلم ويُحرِّمه، والعدلَ ويوجبه. والفضلَ ويندب إليه في بعض آية، كقوله تعالى: {وَجَزَاءُ
(1)
ل: «وبطشا لله» .
(2)
انظر: «إنجيل متى» (5: 9).
سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} فهذا عدلٌ، {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} فهذا فضلٌ، {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [الشورى: 40] فهذا تحريمٌ للظُّلم.
وقوله تعالى: {(125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} هذا إيجابٌ للعدل وتحريمٌ للظُّلم، {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ} [النحل: 126] ندبٌ إلى الفضل.
وقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} هذا عدل، {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} تحريمٌ للظُّلم، {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} عدلٌ، {وَأَنْ تَصَّدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ} [البقرة: 279 - 280] فضلٌ.
وكذلك تحريم ما حرّم على الأمة صيانةً وحميةً. حرّم عليهم كلّ خبيثٍ وضارٍّ، وأباح لهم كلَّ طيِّبٍ ونافعٍ. فتحريمه عليهم رحمةٌ، وعلى من قبلهم لم يخلُ من عقوبةٍ. وهداهم لما ضلّت عنه الأمم قبلهم، ووهبَ لهم من علمه وحلمه، وجعلهم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس، وكمّل لهم من المحاسن ما فرَّقه في الأمم قبلهم. كما كمّل لنبيِّهم من المحاسن ما فرّقه في الأنبياء قبله، وكمّل في كتابه من المحاسن ما فرّقها في الكتب قبله، وكذلك في شريعته.
فهؤلاء هم الضّنائن، وهم المجتَبَون، كما قال لهم إلههم:{اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ} [الحج: 78]. وجعلهم شهداء على النّاس، فأقامهم في ذلك مقام الأنبياء الشّاهدين على أممهم. وتفصيلُ تفضيل هذه الأمّة وخصائصها يستدعي سِفرًا بل أسفارًا. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.