الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدها: الخوف والاضطراب والقلق من الوارد الذي يُزعِجه ويُقلِقه.
الثّاني: زوال ذلك الوارد عنه وعدمُه.
الثّالث: ظفره وفوزه بمطلوبه الذي كان ذلك الوارد حائلًا بينه وبينه.
وكلٌّ منهما يستلزم الآخر ويقارنه
(1)
، فالطُّمأنينة تستلزم السّكينةَ ولا تُفارقها، وكذلك بالعكس. لكنّ استلزام الطُّمأنينة للسّكينة أقوى من استلزام السّكينة للطُّمأنينة.
الثّاني: أنّ الطُّمأنينة أقوى وأعمُّ، فإنّها تكون في العلم والخبر به، واليقين والظّفر بالمعلوم. ولهذا اطمأنّت القلوب بالقرآن لمّا حصل لها الإيمان به ومعرفته، والهدايةُ به في ظُلَم الآراء والمذاهب، واكتفتْ به منها، وحكَّمتْه عليها وعزلتْها، وجعلتْ له الولاية بأسْرِها كما جعلها الله. فبه خاصمتْ، وإليه حاكمتْ، وبه صالتْ، وبه دَفعت الشُّبه.
وأمّا السّكينة فإنّها ثبات القلب عند هجوم المخاوف عليه، وسكونُه وزوال قلقه واضطرابِه، كما يحصل لحزب
(2)
الله عند مقاتلة العدوِّ وصولته.
فصل
قال
(3)
: (وهي على ثلاث درجاتٍ. الدّرجة
(4)
الأولى:
طمأنينة القلب بذكر الله
. وهي طمأنينة الخائف إلى الرّجاء، والضَّجِر إلى الحُكم، والمبتلى
(1)
ل: «يقاربه» .
(2)
ل: «حرب» ، تحريف.
(3)
«المنازل» (ص 69).
(4)
«الدرجة» ليست في ش، د.
إلى المثوبة).
قد تقدّم أنّ الطُّمأنينة بذكر الله بكلامه وكتابه، ولا ريبَ أنّ الذي ذكره في هذه الدّرجة هو من جملة الطُّمأنينة بذكره، وهي أعمُّ من ذلك. فذكر طمأنينة الخائف إلى الرّجاء، فإنّ الخائف
(1)
إذا طال عليه الخوف واشتدّ به، وأراد الله أن يُرِيحه ويَحمِل عنه= أنزلَ عليه السّكينة، فاستراح قلبه إلى الرّجاء، واطمأنَّ به، وسكنَ لهيبُ خوفه.
وأمّا طمأنينة الضَّجِر إلى الحكم، فالمراد به: أنّ من أدركه الضَّجَر من قوّة التّكاليف، وأعباءِ الأمر وأثقالِه، ولا سيّما فيمن أُقيمَ مقامَ التّبليغ عن الله، ومجاهدةِ أعداءِ الله وقُطّاعِ الطّريق إليه، فإنّ ما يحمله ويتحمَّلُه فوق ما يحمله النّاسُ ويتحمّلونه، فلا بدّ أن
(2)
يُدرِكه الضَّجَر، ويضعُفَ صبره. فإذا أراد الله أن يُرِيحه ويَحمِل عنه أنزل عليه سكينته
(3)
، فاطمأنَّ إلى حكمه الدِّينيِّ وحكمه القدريِّ، ولا طمأنينةَ له بدون مشاهدة الحكمين، وبحسب مشاهدتِه لهما تكون طمأنينته. فإنّه إذا اطمأنَّ إلى حكمه الدِّينيِّ علمَ أنّه دينه الحقُّ وهو صراطه
(4)
، وهو ناصره وناصرُ أهلِه وكافيهم ووليُّهم. وإذا اطمأنّ إلى حكمه الكونيِّ علمَ أنّه لن يصيبه إلّا ما كتب الله له، وأنّه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فلا وجهَ للجزَع والقلَق إلّا ضعفُ اليقين والإيمان. فإنّ المحذور المَخُوف: إن لم يُقدَّر فلا سبيل إلى وقوعه، وإن قُدِّر فلا سبيلَ إلى
(1)
«فإن الخائف» ساقطة من ش، د.
(2)
«أن» ليست في ش، د.
(3)
ل: «السكينة» .
(4)
ش، د:«سراطه» . وهي لغة في «الصراط» .