الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطمئنّةً إليك
(1)
.
فصل
قال صاحب «المنازل» رحمه الله
(2)
: (الطُّمأنينة: سكونٌ يُقوِّيه أمنٌ صحيحٌ شبيهٌ بالعيان. وبينها وبين السّكينة فَرقانِ، أحدهما: أنّ السّكينة صَولةٌ تُورِث خمودَ الهيبة أحيانًا. والطُّمأنينة سكون أمنٍ فيه استراحةُ أنسٍ. والثّاني: أنّ السّكينة تكون نعتًا، وتكون حينًا بعد حينٍ، والطُّمأنينة لا تُفارِق صاحبَها).
الطُّمأنينة مُوجَبُ
(3)
السّكينة
، وأثرٌ من آثارها. وكأنّها نهاية السّكينة.
فقوله: (سكونٌ يقوِّيه أمنٌ)، أي سكون القلب مع قوته بالأمن الصّحيح الذي لا يكون أمنَ غرورٍ، فإنّ القلب قد يسكُن إلى أمنِ الغرور، ولكن لا يطمئنُّ به لمفارقة ذلك السُّكون له. والطُّمأنينة لا تُفارق، فإنّها مأخوذةٌ من الإقامة. يقال: اطمأنّ بالمكان والمنزل: إذا أقام
(4)
به.
(1)
أخرج الطبراني في «الكبير» (7490) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (69/ 158) من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: «قل: اللهم إني أسألك نفسًا مطمئنة
…
». قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 180): فيه مَن لم أعرفه. وأخرج ابن أبي الدنيا في «الرضا عن الله بقضائه» (93) من حديث حفص عن عمر أن رجلًا لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتاني آتٍ في المنام وقال: «قل: اللهم ارزقني نفسًا مطمئنة توقن بوعدك
…
»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فقد رأيت خيرًا فالزمْ» . وإسناده ضعيف فيه بعض المجاهيل.
(2)
(ص 68).
(3)
ش، د:«توجب» .
(4)
ل: «إذا قام» .
وسبب صحّة هذا الأمن المقوِّي للسُّكون شَبهُه بالعيان، بحيث لا يبقى معه شيءٌ من مجوِّزات
(1)
الظُّنون والأوهام، بل كأنّ صاحبه يُعايِن ما يطمئنُّ به، فيأمن به اضطرابَ قلبه وقلَقَه وارتيابَه.
وأمّا الفَرقانِ اللّذان ذكرهما بينها وبين السّكينة، فحاصلُ
(2)
الفرقِ الأوّل: أنّ السّكينة تصول على الهيبة الحاصلة في القلب، فتُخمِدها في بعض الأحيان، فيسكُن القلب من انزعاج الهيبة بعضَ السُّكون. وذلك في بعض الأوقات، فليس حكمًا دائمًا مستمرًّا. وهذا يكون لأهل الطُّمأنينة دائمًا، ويصحبه الأمن والرّاحة بوجود الأنس. فإنّ الاستراحة في السّكينة قد تكون من الخوف والهيبة فقط، والاستراحة في منزل الطُّمأنينة تكون مع زيادة أنسٍ، وذلك فوق مجرّد الأمن
(3)
، وقدرٌ زائدٌ عليه.
وحاصلُ الفرق الثّاني: أنّ الطُّمأنينة ملكةٌ ومقامٌ لا يفارق. والسّكينة تنقسم إلى سكينةٍ هي مقامٌ ونعتٌ لا يزول، وإلى سكينةٍ تكون وقتًا دون وقتٍ. هذا حاصل كلامه.
والّذي يظهر لي في الفرق بينهما أمران سوى ما ذكر:
أحدهما: أنّ ظفره وفوزه بمطلوبه الذي حصل له: السّكينة، فالسكينةُ بمنزلة من واجهه عدوٌّ يريد هلاكه، فهرب منه عدُّوه، فسكن روعُه. والطُّمأنينة بمنزلة حصنٍ رآه مفتوحًا فدخله، وأمِنَ فيه، وتقوَّى بصاحبه وعُدَّته. فللقلب ثلاثة أحوالٍ:
(1)
ش، د:«المجوزات» .
(2)
ش، د:«في أصل» ، تحريف.
(3)
د: «الأنس» .