الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} :
منزلة العلم
.
وهذه المنزلة إن لم تصحب السّالكَ من أوّل قدمٍ يضعه في الطّريق إلى آخر قدمٍ ينتهي إليه فسلوكُه على غير طريقٍ، وهو مقطوعٌ عليه طريقُ الوصول، مسدودٌ عليه سبلُ الهدى والفلاح، مغلَقةٌ عنه أبوابها. وهذا إجماعٌ من الشُّيوخ العارفين، ولم ينهَ عن العلم إلّا قُطَّاع الطّريق منهم، ونُوَّاب إبليس وشُرَطُه.
قال سيِّد الطّائفة وشيخهم الجنيد بن محمّدٍ
(1)
رحمه الله: الطُّرق كلُّها مسدودةٌ على الخلق إلّا على من اقتفى أثر الرّسول صلى الله عليه وسلم
(2)
.
وقال: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يُقتَدى به في هذا الأمر، لأنّ علْمنا مقيّدٌ بالكتاب والسُّنّة
(3)
.
وقال: مذهبنا هذا مقيّدٌ بالأصول: الكتاب والسُّنّة
(4)
.
وقال أبو حفصٍ رحمه الله: من لم يَزِنْ أفعالَه وأحوالَه في كلِّ وقتٍ بالكتاب
(1)
«بن محمد» ليست في ش، د.
(2)
«الرسالة القشيرية» (ص 155). ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 159)، وأبو نعيم في «الحلية» (10/ 257).
(3)
«الرسالة القشيرية» (ص 155). ورواه أبو نعيم في «الحلية» (10/ 255).
(4)
«الرسالة القشيرية» (ص 155)، و «تلبيس إبليس» (ص 151)، و «وفيات الأعيان» (1/ 373).
والسُّنّة، ولم يتّهم خواطِرَه= فلا يُعدُّ في ديوان الرِّجال
(1)
.
وقال أبو سليمان الدّارانيُّ رحمه الله: ربّما يقع في قلبي النُّكتة من نُكَت القوم أيامًا، فلا أقبلُ منه إلّا بشاهدين عدلين: الكتاب والسُّنّة
(2)
.
وقال سهل بن عبد الله رضي الله عنه: كلُّ فعلٍ يفعله العبد بغير اقتداءٍ ــ طاعةً كان أو معصيةً ــ فهو عيشُ النّفس، وكلُّ فعلٍ يفعله العبد بالاقتداء فهو عذابٌ على النّفس
(3)
.
وقال السَّريُّ: التّصوُّف اسمٌ لثلاثةِ معانٍ: لا يطفئ نورُ معرفته نورَ ورعه، ولا يتكلّم بباطنٍ في علمٍ ينقضُه عليه ظاهر الكتاب، ولا تَحمِلُه الكرامات على هتْكِ أستار محارم الله
(4)
.
وقال أبو يزيد رحمه الله: عمِلتُ في المجاهدة ثلاثين سنةً، فما وجدت شيئًا أشدَّ عليّ من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لبقيتُ، واختلاف
(1)
«الرسالة القشيرية» (ص 144). ورواه أبو نعيم في «الحلية» (10/ 230). وانظر: «صفة الصفوة» (2/ 312)، و «سير أعلام النبلاء» (12/ 512)، و «تاريخ الإسلام» (6/ 378).
(2)
«الرسالة القشيرية» (ص 133). ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 78)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (34/ 127). وانظر:«صفة الصفوة» (4/ 229)، و «سير أعلام النبلاء» (10/ 183، 18/ 231)، و «تاريخ الإسلام» (5/ 369).
(3)
«الرسالة القشيرية» (ص 132).
(4)
المصدر نفسه (ص 112). ورواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (20/ 194). وانظر: «بغية الطلب» (9/ 4225)، و «وفيات الأعيان» (2/ 358). ورُوي نحوه عن ذي النون في «الرسالة القشيرية» (ص 646).
العلماء رحمةٌ إلّا في تجريد التّوحيد
(1)
.
وخرج مرةً لزيارة بعض الزهّاد، فرآه قد دخل المسجد ورمى ببُصاقِه نحو القبلة، فرجع ولم يُسلِّم عليه، وقال: هذا غير مأمونٍ على أدبٍ من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون مأمونًا على ما يدَّعيه؟
(2)
.
وقال: لقد هممتُ أن أسأل الله أن يكفيني مُؤنةَ النِّساء، ثمّ قلتُ: كيف يجوز أن أسأل الله هذا ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولم أسأله. ثمّ إنّ الله كفاني مؤنة النِّساء، حتّى لا أبالي أَسْتقبلَتْني امرأةٌ أو حائطٌ
(3)
.
وقال
(4)
: لو نظرتم إلى رجلٍ أُعطِي من الكرامات أن يرفع
(5)
في الهواء فلا تغترُّوا به، حتّى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنّهي وحفظِ الحدود وأداء الشّريعة؟
(6)
.
(1)
«الرسالة القشيرية» (ص 127). ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 70)، وأبو نعيم في «الحلية» (10/ 36). وانظر:«صفة الصفوة» (4/ 107)، و «سير أعلام النبلاء» (13/ 86).
(2)
«الرسالة القشيرية» (ص 128، 554). ورواه السراج في «اللمع» (ص 103).
(3)
«الرسالة القشيرية» (ص 128). ورواه السراج في «اللمع» (ص 104).
(4)
ش، د:«وقالوا» .
(5)
كذا في النسخ و «الحلية» . وفي «الرسالة القشيرية» : «حتى تربَّع» . وفي المصادر الأخرى: «حتى يرتفع» .
(6)
«الرسالة القشيرية» (ص 129)، ورواه أبو نعيم في «الحلية» (10/ 40)، والبيهقي في «الشعب» (4/ 449). وانظر:«وفيات الأعيان» (2/ 531)، و «تاريخ الإسلام» (6/ 345)، و «ميزان الاعتدال» (2/ 346)، و «لسان الميزان» (4/ 361).
وقال أحمد بن أبي الحواريِّ: من عمل عملًا بلا اتِّباع سنّةٍ فباطلٌ عملُه
(1)
.
وقال أبو عثمان النّيسابوريُّ رحمه الله: الصُّحبة مع الله: بحسن الأدب، ودوام الهيبة والمراقبة. والصُّحبة مع الرّسول صلى الله عليه وسلم: باتِّباع سنّته، ولزوم ظاهر العلم. ومع أولياء الله: بالاحترام والخدمة. ومع الأهل: بحسن الخلق
(2)
. ومع الإخوان: بدوام البِشْر ما لم يكن إثمًا. ومع الجهّال: بالدُّعاء لهم والرّحمة
(3)
.
زاد غيره: ومع الحافظَينِ: بإكرامهما واحترامهما وإملائهما ما يحمدانك عليه. ومع النّفس: بالمخالفة. ومع الشّيطان: بالعداوة.
وقال أبو عثمان أيضًا: من أمَّر السُّنّةَ على نفسه قولًا وفعلًا نطقَ بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولًا وفعلًا نطقَ بالبدعة. قال الله تعالى:{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]
(4)
.
(1)
«الرسالة القشيرية» (ص 142). ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 101)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (71/ 250)، وانظر:«سير أعلام النبلاء» (12/ 88)، و «تاريخ الإسلام» (5/ 1005).
(2)
ش، د:«الخلوة» . والمثبت من ل موافق لما في «الرسالة القشيرية» .
(3)
«الرسالة القشيرية» (ص 158). ورواه السلمي في «آداب الصحبة» (59)، وأبو نعيم في «الحلية» (10/ 245). وانظر:«صفة الصفوة» (4/ 105).
(4)
«الرسالة القشيرية» (ص 158). ورواه أيضًا أبو نعيم في «الحلية» (10/ 244)، والبيهقي في «الزهد» (319، 375). وانظر: «سير السلف» للتيمي (ص 1347)، و «صفة الصفوة» (4/ 105)، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 63)، و «تاريخ الإسلام» (6/ 944).
وقال أبو الحسين النُّوريُّ رحمه الله: من رأيتموه يدّعي مع الله حالةً تُخرِجه عن حدِّ العلم الشّرعيِّ فلا تَقربوا منه
(1)
.
وقال محمّد بن الفضل البلخيُّ من مشايخ القوم الكبار رحمه الله: ذهابُ الإسلام من أربعةٍ: لا يعملون بما يعلمون، ويعملون بما لا يعلمون، ولا يتعلّمون ما يعملون، ويمنعون النّاس عن التّعلُّم أو التّعليم
(2)
.
وقال عمرو بن عثمان المكِّيُّ رحمه الله: العلم قائدٌ، والخوف سائقٌ، والنّفس حَرُونٌ بين ذلك جَمُوحٌ خدّاعةٌ روّاغةٌ، فاحذَرْها
(3)
ورَاعِها بسياسة العلم، وسُقْها بتهديدِ الخوف، يتمَّ لك ما تريد
(4)
.
وقال أبو سعيدٍ الخرّاز رحمه الله: كلُّ باطنٍ يخالفه الظّاهر فهو باطلٌ
(5)
.
وقال ابن عطاءٍ رحمه الله: من ألزم نفسَه آدابَ السُّنّة نوَّر الله قلبَه بنور
(1)
«الرسالة القشيرية» (ص 159)، ورواه أبو نعيم في «الحلية» (10/ 252). وانظر:«سير أعلام النبلاء» (14/ 72)، و «تاريخ الإسلام» (6/ 891).
(2)
«الرسالة القشيرية» (ص 165، 166). ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 214)، وأبو نعيم في «الحلية» (10/ 233)، والبيهقي في «الشعب» (4/ 430). وانظر:«سير أعلام النبلاء» (14/ 525)، و «تاريخ الإسلام» (7/ 331).
(3)
ل: «فاحذروها» .
(4)
«الرسالة القشيرية» (ص 168). ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 203)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (12/ 224). وانظر:«صفة الصفوة» (2/ 441)، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 58)، و «تاريخ الإسلام» (7/ 37).
(5)
«الرسالة القشيرية» (ص 176). وانظر: «سير السلف الصالحين» للتيمي (ص 1245)، و «تاريخ دمشق» (5/ 130)، و «سير أعلام النبلاء» (13/ 420)، و «تاريخ الإسلام» (6/ 686).
المعرفة. ولا مقامَ أشرفُ من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه
(1)
.
وقال: كلُّ ما سُئِلتَ عنه فاطلُبْه في مفازة العلم، فإن لم تجدْه ففي ميدان الحكمة، فإن لم تجدْه فزِنْه بالتّوحيد، فإن لم تجدْه في هذه المواضع الثّلاثة فاضرِبْ به وجهَ الشّيطان
(2)
.
وأُلقِي بُنانٌ الحمّال بين يدي السَّبُع، فجعل السّبع يشمُّه لا يضرُّه. فلمّا أُخرِج قيل له: ما الذي كان في قلبك حين شَمَّك السّبع؟ قال: كنت أتفكَّرُ في اختلاف العلماء
(3)
في سؤر السِّباع
(4)
.
وقال أبو حمزة البغداديُّ ــ من أكابر الشُّيوخ، وكان أحمد بن حنبلٍ رحمه الله يقول له في المسائل: ما تقول يا صوفيُّ
(5)
ــ: مَن علِمَ طريقَ الحقِّ سهُلَ عليه سلوكُه، ولا دليلَ على الطّريق إلى الله إلّا متابعةُ الرّسول صلى الله عليه وسلم في أحواله
(1)
«الرسالة القشيرية» (ص 182)، ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 268)، والبيهقي في «الزهد» (750). وانظر:«سير السلف» (ص 1334)، و «صفة الصفوة» (2/ 445).
(2)
«الرسالة القشيرية» (ص 182).
(3)
«العلماء» ليست في ش.
(4)
«الرسالة القشيرية» (ص 185). ورواه أبو نعيم في «الحلية» (10/ 324)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (7/ 101). وانظر:«صفة الصفوة» (2/ 449)، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 489)، و «تاريخ الإسلام» (7/ 302).
(5)
كما في «طبقات الصوفية» للسلمي (ص 295)، و «تاريخ بغداد» (1/ 390)، و «طبقات الحنابلة» (1/ 268)، و «تاريخ دمشق» (51/ 255، 256)، و «سير أعلام النبلاء» (13/ 168)، و «تاريخ الإسلام» (6/ 462).
وأفعاله وأقواله
(1)
.
ومرّ الشّيخ أبو بكرٍ محمّد بن موسى الواسطيُّ يوم الجمعة إلى الجامع، فانقطع شِسْعُ نعلِه، فأصلحه له رجلٌ صَيدلانيٌّ، فقال: تدري
(2)
لِمَ انقطعَ شِسْعُ نعلي؟ فقلت: لا، فقال: لأنِّي ما اغتسلتُ للجمعة، فقال: هاهنا حمّامٌ تدخلُه؟ فقال: نعم. فدخل واغتسل
(3)
.
وقال أبو إسحاق الرّقِّيُّ من أقران الجنيد رحمهما الله: علامة محبّة الله: إيثار طاعته ومتابعة نبيِّه صلى الله عليه وسلم
(4)
.
وقال أبو يعقوب النَّهرَجُوريُّ: أفضلُ الأحوال ما قارنَ العلمَ
(5)
.
وقال أبو القاسم النّصراباذيُّ شيخُ خراسانَ في وقته: أصلُ التّصوُّف ملازمة الكتاب والسُّنّة، وتركُ الأهواء والبدع، وتعظيم كرامات
(6)
المشايخ، ورؤيةُ أعذارِ الخلق، والمداومةُ على الأوراد، وتركُ ارتكاب الرُّخَص والتّأويلات
(7)
.
(1)
«الرسالة القشيرية» (ص 186). وانظر: «طبقات السلمي» (ص 298)، و «تاريخ دمشق» (51/ 255).
(2)
د: «أتدري» .
(3)
الخبر في «الرسالة القشيرية» (ص 188).
(4)
«الرسالة القشيرية» (ص 190). ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 321).
(5)
«الرسالة القشيرية» (ص 203). وانظر: «سير أعلام النبلاء» (15/ 233)، و «تاريخ الإسلام» (7/ 587).
(6)
كذا في النسخ. وفي «الرسالة القشيرية» وغيرها: «حرمات» . وهو أولى.
(7)
«الرسالة القشيرية» (ص 226). ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 488). وانظر: «سير أعلام النبلاء» (16/ 265، 17/ 249)، و «تاريخ الإسلام» (8/ 263).
وقال أبو بكرٍ الطَّمَسْتانيُّ
(1)
ــ من كبار شيوخ الطّائفة ــ: الطّريق واضحٌ، والكتاب والسُّنّة قائمٌ بين أظهُرِنا، وفضلُ الصّحابة معلومٌ، لسَبْقِهم إلى الهجرة ولصحبتهم. فمن صحِبَ الكتاب والسُّنّة، وتغرَّبَ عن نفسه وعن الخلق، وهاجر بقلبه إلى الله= فهو الصّادق المصيب
(2)
.
وقال أبو عمرو بن نُجَيدٍ رحمه الله: كلُّ حالٍ لا يكون عن نتيجة علمٍ فإنّ ضررَه على صاحبه أكثرُ من نفعه
(3)
.
وقال: التّصوُّف: الصّبرُ تحت الأوامر والنّواهي
(4)
.
وكان بعض أكابر الشُّيوخ المتقدِّمين يقول: يا معشرَ الصُّوفيّة، لا تُفارِقوا السّوادَ في البياض تَهلِكوا
(5)
.
(1)
في النسخ: «الطستاني» ، تحريف. وطَمَستان مدينة من مدن فارس، كما في «معجم البلدان» (4/ 41). وترجمته في «طبقات السلمي» (ص 471)، و «حلية الأولياء» (10/ 382) وغيرهما.
(2)
«الرسالة القشيرية» (ص 222). ورواه بنحوه السلمي في «طبقاته» (ص 473)، وأبو نعيم في «الحلية» (10/ 382).
(3)
«الرسالة القشيرية» (ص 217)، ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 455). وانظر:«سير أعلام النبلاء» (16/ 147)، و «تاريخ الإسلام» (8/ 237).
(4)
«الرسالة القشيرية» (ص 217)، ورواه السلمي في «طبقاته» (ص 454). وانظر:«سير السلف» (ص 1346).
(5)
رُوي عن سهل بن عبد الله أنه قال: «احفظوا السواد على البياض، فما أحدٌ تركَ الظاهر إلا خرج إلى الزندقة» . انظر: «تاريخ دمشق» (48/ 253)، و «بغية الطلب» (10/ 4379)، و «تلبيس إبليس» (ص 287).
وأمّا الكلمات التي تروى عن بعضهم: من التّزهيد في العلم، والاستغناء عنه، كقول من قال: نحن نأخذ علمنا عن الحيِّ الذي لا يموت، وأنتم تأخذونه عن حيٍّ يموت.
وقول آخر ــ وقد قيل له: ألا ترحل حتّى تسمع من عبد الرّزّاق ــ فقال: ما يَصنع بالسّماع من عبد الرّزّاق من يسمع من الخلّاق؟
وقول آخر: العلم حجابٌ بين القلب وبين الله عز وجل
(1)
.
وقال آخر: إذا رأيت الصوفي يشتغل بـ «أخبرنا» و «حدثنا» فاغسِلْ يدك منه.
وقول آخر: لنا علم الخِرَق، ولكم علم الورق
(2)
.
ونحو هذا من الكلمات
(3)
التي أحسنُ أحوالِ قائلها: أن يكون جاهلًا يُعذَر بجهله، أو شاطحًا معترفًا
(4)
بشَطْحه. وإلّا فلولا عبد الرّزّاق وأمثاله،
(1)
قال الغزالي في «الإحياء» (2/ 154): ولا يُلتَفت إلى خرافات بعض الحمقى بقولهم: إن العلم حجاب، فإن الجهل هو الحجاب. وذكر تأويل هذه الكلمة في (1/ 284) بأن الحجاب هو العلم المذموم دون المحمود.
(2)
انظر نحوه عن بعض الصوفية في «تاريخ بغداد» (7/ 227)، و «تلبيس إبليس» (ص 291)، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 559)، و «تاريخ الإسلام» (7/ 862). وقال أبو بكر الشبلي:
إذا خاطبوني بعلم الورقْ
…
برزتُ عليهم بعلم الخِرقْ
(3)
ذكر بعض هذه الكلمات ابن الجوزي في «تلبيس إبليس» (ص 321)، والمؤلف في «إغاثة اللهفان» (1/ 213، 214)، مع الردّ على قائليها.
(4)
كذا في النسخ. وفي هامش ش: «لعله: مغترا» .
ولولا «أخبرنا» و «حدّثنا» لَمَا وصل إلى هذا وأمثاله شيءٌ
(1)
من الإسلام. ومن أحالك على غير «أخبرنا» و «حدّثنا» فقد أحالك: إمّا على خيال صوفيٍّ، أو قياس فلسفيٍّ، أو رأي نفسيٍّ. فليس بعد القرآن و «أخبرنا» و «حدّثنا» إلّا شبهات المتكلِّمين، وآراء المتخرصين، وخيالات المتصوِّفين، وقياسات المتفلسفين.
ومن فارق الدّليلَ ضلَّ عن سواء السّبيل، ولا دليلَ إلى الله والجنّة سوى الكتاب والسُّنّة، وكلُّ طريقٍ لم يَصحَبْها دليل السُّنّة والقرآن فهي من طرق الجحيم والشّيطان.
والعلم ما قام عليه الدّليل، والنّافع ما جاء به الرّسول. والعلم خيرٌ من الحال:
العلم حاكمٌ، والحال محكومٌ عليه.
العلم هادٍ، والحال تابعٌ.
العلم آمرٌ ناهٍ، والحال منفِّذٌ قابلٌ.
والحال سيفٌ، إن لم يصحبه علمٌ فهو مِخراقٌ في يدِ لاعبٍ.
الحال مركوبٌ لا يُجارى، فإن لم يصحبه علمٌ ألقى صاحبه في المهالك والمتالف.
الحال بلا علمٍ كالسُّلطان الذي لا يَزَعُه عن سطوته وازعٌ.
الحال بلا علمٍ كالنّار التي لا سائسَ لها.
(1)
ش، د:«شيئًا» .
والحال كالمال يُؤتاه البرُّ والفاجر، فإن لم يصحبه نور العلم كان وبالًا على صاحبه.
نفع الحال لا يتعدّى صاحبه، ونفعُ العلم كالغيث يقع على الظِّراب
(1)
والآكام
(2)
وبطون الأودية ومنابت الشّجر.
دائرة العلم تسَعُ الدُّنيا والآخرة، ودائرة الحال تَضِيق عن غير صاحبه، وربّما ضاقت عنه.
العلم هادٍ، والحال الصّحيح مهتدٍ به. وهو ترِكة الأنبياء وتُراثهم، وأهله عصبتهم وورّاثهم. وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصُّدور، ورياض العقول، ولذّة الأرواح، وأنس المستوحشين
(3)
، ودليل المتحيِّرين.
وهو الميزان الذي به تُوزن الأقوال والأعمال والأحوال.
وهو الحاكم المفرِّق بين الشّكِّ واليقين، والغيِّ والرّشاد، والهدى والضّلال.
به يُعرف الله ويُعبد، ويذكر ويُوحَّد، ويُحمد ويمجَّد. وبه اهتدى إليه السّالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون.
(1)
ل: «الضراب» ، خطأ. والظِّراب: الجبال الصغار، واحدها ظَرِبٌ.
(2)
ويُضبط «الإكام» جمع أكَمة، وهي الرابية، وتُجمع الإكام على أكم، والأكم على آكام. وقد وردت هذه الألفاظ في حديث الاستسقاء عند البخاري (1013) ومسلم (897) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وانظر:«الفتح» (2/ 505)، و «النهاية» (1/ 59).
(3)
ش، د:«المستوحش» .
به تُعرف الشّرائع والأحكام، ويتميّز الحلال من الحرام، وبه تُوصَل الأرحام، وبه تُعرف مَراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يُوصل إليه من قريبٍ.
وهو إمامٌ، والعمل مأمومٌ. وقائدٌ، والعمل تابعٌ.
وهو الصّاحب في الغربة، والمحدِّث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشُّبهة. والغِنى الذي لا فقْرَ على من ظفِرَ بكنزه، والكَنَف
(1)
الذي لا ضيعةَ على من أَوى إلى حِرْزه.
مذاكرته تسبيحٌ، والبحث عنه جهادٌ، وطلبه قُربةٌ، وبذله صدقةٌ، ومدارسته تَعدِل بالصِّيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشّراب والطّعام.
قال الإمام أحمد رضي الله عنه: النّاس إلى العلم أحوجُ منهم إلى الطّعام والشّراب، لأنّ الرّجل يحتاج إلى الطّعام والشّراب في اليوم مرّةً أو مرّتين، وحاجته إلى العلم بعددِ أنفاسه
(2)
.
وروِّينا عن الشّافعيِّ رضي الله عنه أنّه قال: طلب العلم أفضل من صلاة النّافلة
(3)
.
(1)
ل: «الكهف» .
(2)
انظر: «مسائل الإمام أحمد» لحرب (343)، و «طبقات الحنابلة» (1/ 390)، و «الآداب الشرعية» (2/ 44)، و «مفتاح دار السعادة» (1/ 164، 332).
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في «آداب الشافعي ومناقبه» (ص 97)، وأبو نعيم في «الحلية» (9/ 119)، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (ص 113)، وابن عبد البر في «الانتقاء» (ص 84)، و «جامع بيان العلم» (1/ 123)، وغيرهم.
ونصّ على ذلك أبو حنيفة رحمه الله
(1)
.
وقال ابن وهبٍ رحمه الله: كنت بين يدي مالكٍ رضي الله عنه، فوضعتُ ألواحي وقمتُ أصلِّي، فقال: ما الذي قمتَ إليه بأفضلَ ممّا قمتَ عنه. ذكره ابن عبد البرِّ
(2)
وغيره.
واستشهد الله عز وجل بأهل العلم على أجلِّ مشهودٍ به وهو التّوحيد، وقرنَ شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وفي ضمنِ ذلك تعديلُهم، فإنّه لا يستشهد بمجروحٍ. ومن هاهنا ــ والله أعلم ــ يُؤخذ الحديث المعروف «يَحمِلُ هذا العلمَ من كلِّ خَلَفٍ عُدولُه، ينفون عنه تحريفَ الغالين، وتأويل المبطلين»
(3)
.
وهو حجّة الله في أرضه، ونوره بين عباده، وقائدهم ودليلهم إلى جنّته، ومُدنِيهم من كرامته.
(1)
انظر: «الكسب» لمحمد بن الحسن بشرحه للسرخسي (ص 102، 148، 154)، و «حاشية ابن عابدين» (1/ 40، 6/ 432).
(2)
في «جامع بيان العلم» (1/ 122). وأخرجه أيضًا ابن شاهين في «مذاهب أهل السنة» (64). وذكره في «مفتاح دار السعادة» (1/ 334)، وانظر تعليق المحقق عليه.
(3)
أخرجه ابن حبان في «الثقات» (4/ 10)، وابن عدي في «الكامل» (1/ 118)، والخطيب في «شرف أصحاب الحديث» (55) وغيرهم من حديث مُعان بن رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري مرسلًا. قال مهنا: قلتُ لأحمد: كأنه كلام موضوع؟ قال: لا، هو صحيح. وقد جمع المؤلف طرقه في «مفتاح دار السعادة» (1/ 463 - 467)، وكلها معلولة منكرة لا تصلح لتقويته. وإبراهيم العذري لا يُدرى مَن هو، ولا يُعرف في غير هذا الحديث.
ويكفي في شرفه: أنّ فضل أهله على العباد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وأنّ الملائكة تضع لهم أجنحتها، وتُظِلُّهم بها، وأنّ العالم يستغفر له من في السّماوات ومن في الأرض، حتّى الحيتان في البحر
(1)
، وحتّى النملة في جُحْرها، وأنّ الله وملائكته يصلُّون على معلِّمِ النّاسِ الخيرَ
(2)
.
ولقد رحل كليم الرّحمن
(3)
موسى بن عمران عليه السلام في طلب العلم هو وفتاه، حتّى مَسَّهم النَّصَبُ في سفرهم في طلب العلم، حتّى ظفر بثلاث مسائل
(4)
. وهو أكرم الخلق على الله وأعلمهم به.
وأمر الله رسوله أن يسأله المزيد منه فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].
وحرّم الله صيد الجوارح الجاهلة، وإنّما أباح للأمّة صيد الجوارح العالمة
(5)
. فهكذا جوارح الإنسان الجاهل لا يُجدِي عليه صيدُها من الأعمال شيئًا.
(1)
كما في حديث أبي الدرداء الذي أخرجه أحمد (21715)، وأبو داود (3641)، والترمذي (2682)، وابن ماجه (223)، وهو حديث حسن بشواهده، وصححه ابن حبان (88) وغيره، وقال الحافظ في «الفتح» (1/ 193): له شواهد يتقوى بها.
(2)
كما في حديث أبي أمامة الذي أخرجه الترمذي (2685)، والطبراني في «الكبير» (7912) وغيرهما، ورُوي عن مكحول مرسلًا، أخرجه الدارمي (297) وغيره.
(3)
ل: «الله» .
(4)
ذكرها الله تعالى في سورة الكهف: 70 - 82.
(5)
أشار إلى قوله تعالى: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ} [المائدة: 4].