المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أحوال الرسل مع أممهم - مدارج السالكين - ط عطاءات العلم - جـ ٣

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌ منزلة الإيثار

- ‌الإيثار ضدّ الشُّحِّ

- ‌ ما يُعِين على الإيثار

- ‌ المُؤثِر لرضا الله متصدٍّ لمعاداة الخلق

- ‌ منزلة الخُلُق

- ‌ للمُطَاع مع النّاس ثلاثةَ أحوالٍ:

- ‌«البرُّ حسنُ الخلق

- ‌ حسن الخلق هو الدِّين كلُّه

- ‌ تزكية النُّفوس مسلَّمٌ إلى الرُّسل

- ‌تزكية النُّفوس أصعبُ من علاج الأبدان

- ‌ هل يمكن أن يكون(4)الخُلق كسبيًّا

- ‌ التّصوُّف هو الخلق

- ‌ مشهد القَدَر

- ‌ مشهد الصّبر

- ‌ مشهد الرِّضا

- ‌ مشهد الإحسان

- ‌ مشهد السّلامة وبِرِّ القلب

- ‌ مشهد الأمن

- ‌ مشهد الجهاد

- ‌ مشهد النِّعمة

- ‌ مشهد الأسوة

- ‌ مشهد التوحيد

- ‌ الثّانية: استعظام كلِّ ما يصدر منه سبحانه إليك، والاعتراف بأنّه يوجب الشُّكر عليك

- ‌مدار حسن الخلق مع الخلق ومع الحق:

- ‌ المتكبِّر غير راضٍ بعبوديّة سيِّده

- ‌علامة الكرم والتّواضع:

- ‌ منزلة الفُتوّة

- ‌ ترك الخصومة

- ‌التّغافل عن الزَّلّة

- ‌ الإحسانَ إلى من أساء إليك

- ‌ الاعتذار إلى من يجني عليك

- ‌ منزلة المروءة

- ‌حقيقة المروءة:

- ‌ حدِّ المروءة:

- ‌ الانبساط مع الخلق

- ‌ قيام العلم:

- ‌ دوام شهود المعنى:

- ‌ الانبساط مع الحقِّ

- ‌ منزلة العَزْم

- ‌ معرفة علّة العزم

- ‌مدار علل العزائم على ثلاثة أشياء:

- ‌ منزلة الإرادة

- ‌ من صفات المريدين

- ‌ منزلة الأدب

- ‌الأدب ثلاثة أنواعٍ:

- ‌ النّاس في الأدب على ثلاث طبقاتٍ:

- ‌الأدب هو الدِّين كلُّه

- ‌من الأدب معه: أن لا يُجعَل دعاؤه كدعاء غيره

- ‌لكلِّ حالٍ أدبٌ:

- ‌أدبُ المرء: عنوانُ سعادته وفلاحه

- ‌ الفناء عن التّأدُّب بتأديب الحقِّ

- ‌ منزلة اليقين

- ‌اليقين روح أعمال القلوب

- ‌اليقين قرين التّوكُّل

- ‌ الدّرجة الأولى: علم اليقين

- ‌(الدّرجة الثّانية: عين اليقين

- ‌(الدّرجة الثّالثة: حقُّ اليقين

- ‌ منزلة الأنس بالله

- ‌الأنسُ ثمرة الطّاعة والمحبّة

- ‌أكملُ السّماع:

- ‌ الأنسُ بنور الكشف

- ‌ منزلة الذِّكر

- ‌الذِّكر عبوديّة القلب واللِّسان

- ‌ الذِّكر ثلاثة أنواعٍ

- ‌ الذِّكر الخفيُّ

- ‌ الذِّكر الحقيقيُّ

- ‌ منزلة الفقر

- ‌حقيقة الفقر

- ‌ أوّلُ قَدَمِ الفقر الخروجَ عن النّفس

- ‌ حقيقة الفقر:

- ‌ فقر الصُّوفيّة)

- ‌ منزلة الغنى العالي

- ‌ غنى القلب

- ‌ غنى النّفس

- ‌ الغنى بالحقِّ

- ‌ منزلة المراد

- ‌ منزلة الإحسان

- ‌ الإحسان في الوقت

- ‌ منزلة العلم

- ‌ طرق العلم وأبوابه

- ‌ الاستغناء عن الوحي بالعلم اللّدنِّيِّ إلحادٌ وكفرٌ

- ‌ منزلة الحكمة

- ‌الحكمة في كتاب الله نوعان:

- ‌ الحكمة المقرونة بالكتاب

- ‌الحكمة حكمتان: علميّةٌ وعمليّةٌ

- ‌أكمل الخلق في هذا

- ‌ منزلة الفراسة

- ‌للفراسة سببان:

- ‌ منزلة التّعظيم

- ‌هذه المنزلة تابعةٌ للمعرفة

- ‌روحُ العبادة هو الإجلال والمحبّة

- ‌دينُ الله بين الجافي عنه والغالي فيه

- ‌ تعظيم الحقِّ سبحانه

- ‌ منزلة الإلهام

- ‌ منزلة السّكينة

- ‌ سكينة بني إسرائيل

- ‌كرامات الأولياء

- ‌(الدّرجة الأولى: سكينة الخشوع

- ‌(الدّرجة الثّانية: السّكينة عند المعاملة

- ‌محاسبة النفس

- ‌ ملاطفة الخلق

- ‌ مراقبة الحقِّ

- ‌السّكينة لا تنزِل إلّا على قلب نبيٍّ أو وليٍّ)

- ‌ منزلة الطُّمأنينة

- ‌الطُّمأنينة مُوجَبُ(3)السّكينة

- ‌ طمأنينة القلب بذكر الله

- ‌ طمأنينة الرُّوح

- ‌ طمأنينة شهود الحضرة

- ‌ طمأنينة الجمع إلى البقاء

- ‌ طمأنينة المقام إلى نور الأزل

- ‌ منزلة الهمّة

- ‌ منزلة المحبّة

- ‌ الدّرجة الأولى: محبّةٌ تقطع الوساوسَ

- ‌(الدّرجة الثّانية: محبّةٌ تبعثُ على إيثار الحقِّ على غيره

- ‌(الدّرجة الثّالثة: محبّةٌ خاطفةٌ

- ‌ منزلة الغيرة

- ‌غيرة العبد لربِّه

- ‌ غيرة الرّبِّ على عبده:

- ‌ الأولى: غيرةُ العابد

- ‌ الثّانية: غيرة المريد

- ‌ الثّالثة: غيرة العارف

- ‌ منزلة «الشّوق»

- ‌الشّوق أثرٌ من آثار المحبّة

- ‌فصلُ النِّزاع في هذه المسألة:

- ‌ لا مشاهدةَ أكملُ من مشاهدة أهل الجنّة

- ‌ الأولى: قلقٌ يُضَيِّق الخُلقَ

- ‌ الثّانية: قلقٌ يُغالِبُ العقل

- ‌ الثّالثة: قلقٌ لا يرحم أبدًا

- ‌ الأولى: عطشُ المريدِ

- ‌ الثّانية: عطشُ السّالك

- ‌ الثّالثة: عطش المحبِّ

- ‌ لا يصحُّ لأحدٍ في الدُّنيا مقامُ المشاهدة أبدًا

- ‌ منزلة «الوجد»

- ‌الرّبط على القلب

- ‌ الأولى: وجدٌ عارضٌ

- ‌ الثّانية: وجدٌ تستفيق له الرُّوح

- ‌ الثّالثة: وجدٌ يَخطَفُ العبدَ من يد الكونين

- ‌ الأولى: دهشةُ المريد

- ‌ الثّانية: دهشةُ السّالك

- ‌ الثّالثة: دهشةُ المحبِّ

- ‌أكثر آفات النّاس من الألفاظ

- ‌ليس ذلك من مقامات السَّير، ولا منازل الطّريق

- ‌منزلة الهيمان

- ‌ الأولى: برقٌ يلمع من جانب العِدَة في عين الرّجاء

- ‌ الثّانية: برقٌ يَلمعُ من جانب الوعيد في عين الحَذَر

- ‌ الثّالثة: برقٌ يلمع من جانب اللُّطف في عين الافتقار

- ‌ منزلة الذّوق

- ‌الذّوق والوجد أمرٌ باطنٌ، والعمل دليلٌ عليه

- ‌ منزلة اللّحظ

- ‌ الدّرجة الأولى: ملاحظة الفضل سبقًا

- ‌ الفرح من أسباب المكر ما لم يقارِنْه خوفٌ:

- ‌(الدّرجة الثّانية: ملاحظة نور الكشف

- ‌(الدّرجة الثّالثة: ملاحظةُ عين الجمع

- ‌ كلّ حقيقةٍ لا تتبعها شريعةٌ فهي كفرٌ

- ‌ أحوال الرُّسل مع أممهم

- ‌الطّالب الجادُّ لا بدّ أن تَعرِض له فترةٌ

- ‌ الوقت سَيفٌ، فإن قطعتَه وإلّا قطَعَك

- ‌ الصُّوفيّة أربعة أقسامٍ: أصحاب السّوابق، وأصحاب العواقب، وأصحاب الوقت، وأصحاب الحقِّ

- ‌صاحب التّمكين يتصرَّفُ علمُه في حاله

- ‌ منزلة الصّفاء

- ‌ الدّرجة الأولى: صفاء علمٍ يُهذِّب

- ‌(الدرجة الثانية: صفاء حالٍ

- ‌ ذوق حلاوة المناجاة

- ‌(الدّرجة الثّالثة: صفاء اتِّصالٍ

الفصل: ‌ أحوال الرسل مع أممهم

ومَن تأمّل‌

‌ أحوال الرُّسل مع أممهم

وجدَهم كانوا قائمين بالإنكار عليهم أشدَّ القيام حتّى لَقُوا الله، وأَوصَوا أُمَمهم بالإنكار على مَن خالفهم، وأخبر النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنّ المتخلِّص من مقامات الإنكار الثّلاثة ليس معه من الإيمان حبّةُ خَردلٍ

(1)

.

وبالغ في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر

(2)

أشدَّ المبالغة، حتّى قال:«إنّ النّاس إذا تركوه: أوشَكَ أن يَعُمَّهم الله بعقابٍ من عندِه»

(3)

.

وأخبر أن تركَه يمنع إجابةَ دعاء الأخيار، ويُوجب تسلُّطَ الأشرار

(4)

.

وأخبر أنّ ترْكَه يُوقِع المخالفةَ بين القلوب والوجوه، ويُحِلُّ لعنةَ الله، كما لَعنَ بني إسرائيل على تركه

(5)

.

(1)

كما في حديث ابن مسعود الذي رواه مسلم (50).

(2)

«عن المنكر» ليست في ش.

(3)

أخرجه أحمد (1)، وأبو داود (4338)، وابن ماجه (4005) وغيرهم من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه. وإسناده صحيح، وصححه ابن حبان (304).

(4)

رواه أحمد (23312)، وابن أبي شيبة (15/ 44 - 45)، وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 279) من حديث أبي الرقاد عن حذيفة بن اليمان موقوفًا بلفظ «لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهَوُنَّ عن المنكر ولتحاضُّنَّ على الخير، أو ليُسْحِتنَّكم الله جميعًا بعذاب، أو ليُؤمَّرن عليكم شرارُكم، ثم يَدعُو خيارُكم فلا يُستجاب لكم» . وأبو الرقاد العبسي مجهول. ورواه أحمد (23301)، والترمذي (2169)، والبيهقي (10/ 93) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي عن حذيفة مرفوعًا بنحوه. وحسَّنه الترمذي.

(5)

رواه أحمد (3713)، وأبو داود (4336)، والترمذي (3047، 3048)، وابن ماجه (4006) من طرقٍ عن علي بن بذيمة عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا. وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ابن مسعود.

ص: 538

فكيف يكون الإنكار من رُعونات النُّفوس، وهو مقصود الشّريعة؟ وهل الجهاد إلّا أعلى أنواع الإنكار، وهو إنكارٌ

(1)

باليد، وجهاد أهل العلم إنكارٌ باللِّسان.

وأمّا قوله: «إنّ المشاهد يعلم أنّ مرادَ الله من الخلائق ما هُم عليه» .

فيقال له: الرّبُّ تعالى له مرادان: كونيٌّ ودينيٌّ، فهَبْ أنّ مراده الكونيّ منهم ما هم عليه، فمراده الدِّينيُّ الأمريُّ الشّرعيُّ هو الإنكار على أصحاب المراد الكونيِّ. فإذا عطَّلتَ مراده الدِّينيّ لم تكن واقفًا مع مراده الذي يحبُّه ويرضاه، ولا ينفعك وقوفك مع مراده الذي قدّره وقضاه، إذ لو نفعَ ذلك لم يكن للشّرائع معنًى البتّة، ولا للحدود والزّواجر، ولا للعقوبات الدُّنيويّة، ولا للأخذ على يد

(2)

الظَّلَمة والفُجَّار، وكفِّ عدوانهم وفجورهم. فإنّ العارف عندك شهد أنّ مراد الله منهم هو ذلك، وفي هذا فسادُ الدُّنيا قبل الأديان.

فهذا المذهب الخبيث لا يصلُح عليه دنيا ولا دينٌ، ولكنّه رعونةُ نفسٍ قد أخلدتْ إلى الإلحاد، وكفرتْ بدين ربِّ العباد، واتّخذتْ تعطيلَ الشّرائع مقامًا

(3)

، ووساوسَ الشياطين مسامرةً وإلهامًا، وجعلتْ أقدارَ الرّبِّ تعالى مُبطِلةً لما بعثَ به رسلَه، وأنزلَ به كتبه. وجعلوا هذا الإلحاد غاية المعارف الإلهيّة، وأشرفَ المقامات العليّة، ودَعَوا إلى ذلك النُّفوس المبطلة الجاهلة بالله ودينه، فلَبَّوا دعوتَهم مسرِعين، واستخفَّ الدّاعي منهم قومَه

(1)

ر: «جهاد» .

(2)

ر: «أيدي» .

(3)

ر: «دينًا ومقامًا» .

ص: 539

فأطاعوه

(1)

، إنّهم كانوا قومًا فاسقين.

وأمّا قوله: (إنّ الإنكار من معارضاتِ النُّفوس المحجوبة).

فلعَمُر اللهِ إنّهم في حجابٍ منيعٍ عن هذا الكفر والإلحاد، ولكنّهم يُشرِفون على أهله وهم في ضلالتهم يَعْمَهون، وفي كفرهم يتردَّدون، ولأتباع الرُّسل يُحاربون، وإلى خلاف طريقتهم

(2)

يدْعُون، وبغيرِ هَدْيهم

(3)

يهتدون، وعن صراطهم المستقيم ناكبون، ولما جاؤوا به معارضون، {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يُخَادِعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 9 - 16].

فصل

قوله: (وتفيد مطالعة البدايات) يحتمل كلامه أمرين:

(1)

ش: «فاطلعوه» ، تصحيف. ونظر المؤلف إلى قوله تعالى:{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 54].

(2)

ر: «طريقهم» .

(3)

ر: «هداهم» .

ص: 540

أحدهما: أنّ ملاحظة عينِ الجمع يُفيد صاحبَه مطالعةَ السّوابق التي ابتدأه الله بها، فيفيده ملاحظةُ عينِ الجمع نظرةً إلى أوّليّة الرّبِّ تعالى في كلِّ شيءٍ.

ويحتمل أن يريد بالبدايات بدايات سلوكه، وحدّة طلبه. فإنّه في حال سلوكه لا يلتفت إلى ما وراءه، لشدّة شغله بما بين يديه، وغلبةِ أحكام الهمّة عليه، فلا يتفرّغ لمطالعة بداياته. فإذا لاحظ عينَ الجمع قطعَ السُّلوك الأوّل، وبقي له سلوكٌ ثانٍ. فتفرّغَ

(1)

حينئذٍ إلى مطالعة بداياته، ووجدَ اشتياقًا إليها.

كما قال الجنيد رحمه الله: واشوقًا إلى أوقات البداية

(2)

. يعني لذّة أوقات البداية، وجمع الهمّة على الطّلب، والسّير إلى الله. فإنّه كان مجموعَ الهمّة على السّير والطّلب، فلمّا لاحظ عين الجمع فنيتْ رسومه، وهو لا يمكنه الفناء عن بشريّته وأحكام طبيعته. فتقاضَتْه طباعُه ما فيها، فلزِمتْه الكُلَف، فارتاح إلى أوقات البدايات، لِما كان فيها من لذّة الإعراض عن الخلق واجتماع الهمّة.

ومرّ أبو بكرٍ رضي الله عنه على رجلٍ وهو يبكي من خشية الله، فقال: هكذا كنّا حتّى قَسَتْ قلوبنا

(3)

.

وقد أخبر النّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنّ لكلِّ عاملٍ شِرّةً، ولكلِّ شِرّةٍ فَتْرة

(4)

.

(1)

ت: «فيفزع» .

(2)

«شرح التلمساني» (ص 453)، و «شرح القاساني» (ص 451).

(3)

رواه ابن أبي شيبة (36673)، وأبو نعيم في «الحلية» (1/ 34). وذكره الغزالي في «الإحياء» (2/ 299، 303)، وابن الجوزي في «آداب الحسن البصري» (ص 95).

(4)

أخرجه أحمد (6477، 6764)، وابن خزيمة (2105)، وابن حبان (11)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (1237) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وأخرجه الترمذي (2453)، وابن حبان (349)، والطحاوي في «المشكل» (1242) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 541