الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنّما يُعرف كون العلم لدنّيًّا رحمانيًّا بموافقته لما جاء به الرّسول عن ربِّه عز وجل. فالعلم اللّدنِّيُّ نوعان: لدنِّيٌّ رحمانيٌّ، ولدنِّيٌّ شيطانيٌّ بطناويٌّ. والمحَكُّ هو الوحي، ولا وحيَ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأمّا قصّة موسى مع الخضر عليهما السلام، فالتّعلُّق بها في تجويز
الاستغناء عن الوحي بالعلم اللّدنِّيِّ إلحادٌ وكفرٌ
مُخرِجٌ عن الإسلام، موجبٌ لإراقة الدّم.
والفرق: أنّ موسى عليه السلام لم يكن مبعوثًا إلى الخضر، ولم يكن الخضر مأمورًا بمتابعته، ولو كان مأمورًا بها لوجب عليه أن يهاجر إلى موسى ويكون معه. ولهذا قال له: أنت موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم
(1)
.
ومحمّدٌ صلى الله عليه وسلم مبعوثٌ إلى جميع الثِّقلين، فرسالته عامّةٌ للجنِّ والإنس في كلِّ زمانٍ، ولو كان موسى وعيسى حيَّينِ لكانا من أتباعه، وإذا نزل عيسى ابن مريم عليهما السلام فإنّما يحكم بشريعة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم.
فمن ادّعى أنّه مع محمّدٍ صلى الله عليه وسلم كالخضر مع موسى، أو جوَّز ذلك لأحدٍ من الأمّة= فليجدِّد إسلامه، وليتشهَّدْ شهادة الحقِّ، فإنّه مفارقٌ لدين الإسلام بالكلِّيّة، فضلًا عن أن يكون من خاصّة أولياء الله. وإنّما هو من أولياء الشّيطان وخلفائه ونُوَّابه.
وهذا الموضع مَقطعٌ ومَفرقٌ بين زنادقة القوم وبين أهل الاستقامة منهم، فحرِّك تَرَ
(2)
.
(1)
كما في حديث أُبي بن كعب الذي رواه البخاري (122) ومسلم (2380).
(2)
ش، د:«ترى» .
قوله: (إسناده وجوده).
يعني: أنّ طريق هذا العلم هو وجدانه، كما أنّ طريق غيره هو الإسناد.
(وإدراكُه عيانه). أي أنّ هذا العلم لا يؤخذ بالفكر والاستنباط، وإنّما يُؤخذ عيانًا وشهودًا.
(ونعتُه حكمه). يعني: أنّ نعوته لا يُوصل إليها إلّا به، فهي قاصرةٌ عنه، يعني أنّ شاهده منه، ودليله وجوده، وإنِّيتُه لِمِّيّته. فبرهان الإنِّ فيه هو برهان اللّمِّ، فهو الدّليل وهو المدلول. ولذاك لم يكن بينه وبين الغيب حجابٌ. بخلاف ما دونه من العلوم، فإنّ بينه وبين العلوم
(1)
حجابٌ
(2)
.
والّذي يشير إليه القوم: هو نورٌ من جناب المشهود يمحو قوى الحواسِّ وأحكامها، ويقوم لصاحبها مقامها، فيرى المشهود بنوره، ويفنى ما سواه بظهوره. وهذا عندهم معنى الأثر الإلهيِّ:«فإذا أحببتُه كنتُ سَمْعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، فبي يسمع، وبي يُبصِر»
(3)
.
والعلم اللّدنيُّ الرّحمانيُّ هو ثمرة هذه الموافقةِ والمحبّة التي أوجبها التّقرُّب بالنّوافل بعد الفرائض. واللّدنِّيُّ الشّيطانيُّ ثمرة الإعراض عن الوحي وتحكيمِ الهوى. والله المستعان
(4)
.
* * * *
(1)
د: «الغيوب» . وكذا في هامش ش.
(2)
كذا في الأصول مرفوعًا.
(3)
أخرجه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وتقدم غير مرة.
(4)
«والله المستعان» ليست في د.