الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} :
منزلة الغيرة
.
قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33]. وفي «الصّحيح»
(1)
عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أحدٌ أغْيرَ من الله، ومن غيرتِه حرَّمَ الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن. وما أحدٌ أحبَّ إليه المدحُ من الله، ومن أجلِ ذلك أثنى على نفسه. وما أحدٌ أحبَّ إليه العذرُ من الله، ومن أجل ذلك أرسل الرُّسُلَ مبشِّرين ومنذرين» .
وفي «الصّحيح»
(2)
أيضًا: من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله يَغَار، وإنّ المؤمن يَغَار، وغيرةُ الله أن يأتيَ العبدُ ما حَرَّم عليه» .
وفي «الصّحيح»
(3)
أيضًا: أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أتعجبون من غيرة سعدٍ؟!
(1)
رواه البخاري (4634) ومسلم (2760/ 32) من طريق أبي وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود مختصرًا، ورواه مسلم (2760/ 35) من طريق عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود. ورواه البخاري (7416)، ومسلم (1499) من حديث المغيرة بن شعبة بنحوه. أما أبو الأحوص عن ابن مسعود فقد رواه من طريقه أبو يعلى في «مسنده» (5123) والقشيري في «الرسالة القشيرية» (ص 546) مختصرًا، وليس في «الصحيحين» .
(2)
رواه البخاري (5223)، ومسلم (2761).
(3)
رواه البخاري (6846، 7416)، ومسلم (1499) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
لأنا أغْيرُ منه، والله أغيرُ منِّي
(1)
».
وممّا يدخل في الغيرة قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45].
قال السَّرِيُّ لأصحابه: تدرون ما هذا الحجاب؟ حجاب الغيرة، ولا أحدَ أغيرُ من الله
(2)
. إنّ الله تعالى لم يجعل الكفّار أهلًا لفهم كلامه، ولا أهلًا لمعرفته وتوحيده ومحبّته. فجعل بينهم وبين رسوله وكلامه وتوحيده حجابًا مستورًا عن العيون، غيرةً عليه أن يناله من ليس أهلًا له.
والغيرة منزلةٌ شريفةٌ عظيمةٌ جدًّا، جليلة المقدار، ولكنِ الصُّوفيّة المتأخِّرون منهم من قَلَبَ موضوعها، وذهب بها مذهبًا آخرَ باطلًا سمّاه غيرةً، فوضعها في غير موضعها، ولُبِّس عليه أعظمَ تلبيسٍ
(3)
كما ستراه.
والغيرة نوعان: غيرةٌ من الشّيء، وغيرةٌ على الشّيء.
والغيرة من الشّيء: هي كراهة مزاحمته ومشاركته لك في محبوبك.
والغيرة على الشّيء: هي شدّة حرصك على المحبوب أن يفوز به غيرك دونك، أو يشاركك في الفوز به.
والغيرة أيضًا نوعان: غيرة العبد من نفسه على نفسه لنفسه، كغيرته من نفسه على قلبه، ومن تفرقته على جمعيّته، ومن إعراضه على إقباله، ومن
(1)
«مني» ليست في ش، د.
(2)
«الرسالة القشيرية» (ص 546، 547).
(3)
انظر الكلام على الغيرة والرد على الصوفية عند المؤلف في «روضة المحبين» (ص 411 - 439).