الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى كلِّ جارحةٍ من الجوارح عبوديّةٌ موقَّتةٌ، و
الذِّكر عبوديّة القلب واللِّسان
وهي غير موقَّتةٍ، بل هم مأمورون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كلِّ حالٍ: قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم
(1)
. وكما أنّ الجنّة قِيعانٌ وهو غِراسُها
(2)
، فكذلك القلوب بُورٌ خَرابٌ وهو عمارتها وأساسها.
وهو جلاء القلوب وصِقالها ودواؤها إذا غشِيَها اعتلالُها، وكلّما ازداد الذّاكر في ذكره استغراقًا ازداد لمذكورِه محبّةً وإلى لقائه اشتياقًا، وإذا واطأ في ذكره قلبُه للسانه نسي في جنْبِ ذكره كلَّ شيءٍ، وحفظ الله عليه كلّ شيءٍ
(3)
، وكان له عوضًا من كلِّ شيءٍ.
به يزول الوَقْر عن الأسماع، والبَكَمُ عن الألسن، وتنقشع الظُّلمة عن الأبصار. زيَّن الله به ألسنةَ الذّاكرين كما زيَّن بالنُّور أبصار النّاظرين، فاللِّسان الغافل كالعين العمياء والأُذن الصَّمّاء واليد الشَّلّاء.
وهو باب الله الأعظم المفتوح بينه وبين عبده ما لم يُغلِقه العبد بغفلته.
قال الحسن البصريُّ رضي الله عنه: تفقَّدوا الحلاوةَ في ثلاثة أشياء: في الصّلاة والذِّكر وقراءة القرآن، فإن وجدتم وإلّا فاعلموا أنّ الباب مغلقٌ
(4)
.
(1)
كما في سورة النساء: 103: {قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا} .
(2)
أشار إلى حديث ابن مسعود الذي أخرجه الترمذي (3462) وفيه: «أن الجنّة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر» . وحسَّنه الترمذي. وفي إسناده عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف. وله شواهد يحسَّن بها.
(3)
«وحفظ الله عليه كلَّ شيء» ساقطة من ش، د.
(4)
«الرسالة القشيرية» (ص 503). ورواه أبو نعيم في «الحلية» (6/ 171، 10/ 146).
وبالذِّكر يَصرع العبدُ الشّيطانَ كما يَصرع الشّيطانُ أهلَ الغفلة والنِّسيان.
قال بعض السّلف: إذا تمكَّن الذِّكرُ من القلب فإن دنا منه الشّيطان صُرِعَ كما يُصرَع الإنسان إذا دنا منه الشّيطان، فتجتمع عليه الشّياطين فيقولون: ما لهذا؟ فيقال: قد مسَّه الإنسيُّ
(1)
.
وهو روح الأعمال الصّالحة، فإذا خلا العمل عن الذِّكر كان كالجسد الذي لا روح فيه.
فصل
وهو في القرآن على عشرة أوجهٍ:
الأوّل: الأمر به مطلقًا ومقيّدًا.
الثّاني: النّهي عن ضدِّه من الغفلة والنِّسيان.
الثّالث: تعليق الفلاح باستدامته وكثرته.
الرّابع: الثّناء على أهله والإخبار بما أعدّ لهم من الجنّة والمغفرة.
الخامس: الإخبار عن خُسران من لَها عنه بغيره.
السّادس: أنّه جعل ذكره سبحانه لهم جزاءً لذكرهم له.
السّابع: الإخبار أنّه أكبر من كلِّ شيءٍ.
الثّامن: أنّه جعله خاتمة الأعمال الصّالحة كما كان مفتاحها.
التّاسع: الإخبار عن أهله بأنّهم هم أهل الانتفاع بآياته، وأنّهم أولو الألباب دون غيرهم.
(1)
«الرسالة القشيرية» (ص 504).
العاشر: أنّه جعله قرينَ جميع الأعمال الصّالحة وروحها، فمتى عَدِمَتْه كانت كالجسد بلا روحٍ.
فصل
في تفصيل ذلك
أمّا الأوّل، فقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41 - 43]. وقوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} [الأعراف: 205].
وفيه قولان
(1)
، أحدهما: في سِرِّك وقلبك، والثّاني: بلسانك بحيث تُسمِع نفسك.
وأمّا النّهي عن ضدِّه، فكقوله تعالى:{وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205]، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر: 19].
وأمّا تعليق الفلاح بالإكثار منه، فكقوله تعالى:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].
وأمّا الثّناء على أهله وحسن جزائهم، فكقوله:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} إلى قوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
(1)
انظر: «النكت والعيون» (2/ 78)، و «زاد المسير» (3/ 313).
وأمّا خسران من لَها عنه، فكقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9].
وأمّا جعلُ ذكرِه لهم جزاءً لذكرهم، فكقوله:{(151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا} [البقرة: 152].
وأمّا الإخبار بأنّه أكبر من كلِّ شيءٍ، فكقوله تعالى:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]. وفيها أربعة أقوالٍ
(1)
:
أحدها: أنّ ذكر الله أكبر من كلِّ شيءٍ، فهو أفضل الطّاعات; لأنّ المقصود بالطّاعات كلِّها إقامة ذكره، فهو سرُّ الطّاعات وروحها.
الثّاني: أنّ المعنى: أنّكم إذا ذكرتموه ذكَرَكم، فكان ذِكرُه لكم أكبرَ من ذكرِكم له. فعلى هذا: المصدر مضافٌ إلى الفاعل، وعلى الأوّل: مضافٌ إلى المذكور.
الثّالث: أنّ المعنى: ولذكر الله أكبر من أن تبقى معه فاحشةٌ ومنكرٌ، بل إذا تمَّ الذِّكر مَحَقَ كلَّ معصيةٍ وكلَّ خطيئةٍ. هذا ما ذكره المفسِّرون.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله يقول: معنى الآية: أنّ في الصّلاة فائدتين عظيمتين، إحداهما: نهيها عن الفحشاء والمنكر، والثّانية: اشتمالُها على ذكر الله وتضمُّنها له، ولَمَا تضمَّنتْه
(2)
مِن ذكر الله أعظمُ من نهيها عن
(1)
انظر: «زاد المسير» (6/ 274، 275). والمؤلف صادر عنه.
(2)
ش، د:«وما تضمنه» .
الفحشاء والمنكر
(1)
.
وأمّا ختم الأعمال الصّالحة به، فكما ختم به عمل الصِّيام بقوله:{الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا} [البقرة: 185].
وختم به الحجّ بقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200].
وختم به الصّلاة كقوله: {قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا} [النساء: 103].
وختم به الجمعة كقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].
ولهذا إذا كان كان خاتمةَ الحياة الدُّنيا وآخرَ كلام العبد أدخلَه الجنّة.
وأمّا اختصاص الذّاكرين بالانتفاع بآياته وهم أولو الألباب والعقول، فكقوله:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 190 - 191].
وأمّا مصاحبته لجميع الأعمال واقترانُه بها وأنّه روحها، فإنّه سبحانه قرنَه بالصّلاة كقوله:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]، وقرنَه بالصِّيام وبالحجِّ ومناسكه، بل هو روح الحجِّ ولبُّه ومقصوده، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنّما جُعِل
(1)
نقله المؤلف عن شيخه في «الوابل الصيب» (ص 180). وانظر كلام شيخ الإسلام بنحوه في «مجموع الفتاوى» (10/ 188، 753، 20/ 192 - 193، 32/ 232).
الطّوافُ بالبيت والسّعيُ بين الصّفا والمروة ورمْيُ الجمار لإقامة ذكرِ الله»
(1)
.
وقرنَه بالجهاد، وأمرَ بذكره عند ملاقاة الأقران ومكافحة الأعداء فقال تعالى:{(44) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ} [الأنفال: 45]. وفي أثرٍ إلهيٍّ يقول الله تعالى: «إنَّ عبدي كلَّ عبدي الذي يذكرني وهو مُلاقي
(2)
قِرْنه»
(3)
.
سمعت شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله يستشهد به، وسمعته يقول: المحبُّون يفتخرون بذكر من يحبُّونه في هذه الحال، كما قال عنترة
(4)
:
(1)
أخرجه أحمد (24351، 24468، 25080)، والدارمي (1896)، وأبو داود (1888)، والترمذي (902)، وابن خزيمة (2738، 2882، 2970)، والحاكم (1/ 459)، والبيهقي في «السنن الكبير» (5/ 145) من حديث عائشة. وفيه عبيد الله بن أبي زياد، فيه لين. وقد اختلف عليه، فمرة رفع الحديث ومرة وقفه. وقد نقل البيهقي في «السنن الكبير» أن يحيى القطان رواه عن عبيد الله فلم يرفعه وقال:«قد سمعته يرفعه ولكني أهابه» ، ثم ذكر البيهقي بعض من رفعه ومَن وقفه. وانظر:«علل الحديث» للفلّاس (ص 205، 206).
(2)
كذا بإثبات الياء في الأصول.
(3)
أخرجه الترمذي (3580) من حديث عمارة بن زعكرة، وقال:«هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي» . ومعنى قوله: «وهو ملاقٍ قِرنَه» يعني: عند القتال. وفي إسناده عفير بن معدان، وهو ضعيف. وانظر:«السلسلة الضعيفة» (3135).
(4)
في معلقته، انظر «ديوانه» (ص 216). والأشطان جمع شطن، وهو حبل البئر. واللبان: الصدر. والأدهم يقصد به الفرس. وانظر الكلام على رواية البيت في التعليق على «طريق الهجرتين» (2/ 667).
ولقد ذكرتُكِ والرِّماحُ كأنّها
…
أشطانُ بئرٍ في لَبانِ الأَدْهم
وقال الآخر
(1)
:
ذكرتُكِ والخَطِّيُّ يَخْطِر بيننا
…
وقد نَهِلَتْ منّا المثقَّفةُ السُّمْرُ
وقال الآخر
(2)
:
ولقد ذكرتُكِ والرِّماحُ شَواجِرٌ
…
نَحْوي وبِيضُ الهندِ تَقْطُر من دَمي
وهذا كثيرٌ في أشعارهم، وهو ممّا يدلُّ على قوّة المحبّة، فإنّ ذكر المحبِّ محبوبه في تلك الحال التي لا يهمُّ المرء فيها غيرَ نفسه يدلُّ على أنّه عنده بمنزلة نفسه أو أعزُّ منها، وهذا دليلُ صدقِ المحبّة.
فصل
والذّاكرون هم أهل السَّبْق، كما روى مسلمٌ في «صحيحه»
(3)
من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله يسير في طريق مكّة، فمرّ على جبلٍ يقال له جُمْدان، فقال:«سِيروا، هذا جُمدانُ، سَبقَ المفرِّدون» . قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: «الذّاكرون الله كثيرًا والذّاكرات» . والمفرِّدون: إمّا الموحِّدون وإمّا الآحاد الفُرادى
(4)
.
(1)
هو أبو عطاء السندي كما في «الحماسة» (1/ 66) وغيره.
(2)
هو عنترة، والبيت من معلقته في «جمهرة أشعار العرب» (ص 168 - ط. دار صادر). وفيه «نواهل» بدل «شواجر» . ولم يرد البيت في «الديوان» .
(3)
رقم (2676).
(4)
في الأصول: «الفرادة» .
وفي «المسند»
(1)
مرفوعًا من حديث أبي الدّرداء رضي الله عنه: «ألا أنبِّئكم بخيرِ أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعِها في درجاتكم، وخيرٌ لكم من إعطاء الذّهب والفضّة وأن تَلْقَوا عدوّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «ذِكر الله» .
وروى شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت الأغرّ قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيدٍ رضي الله عنهما أنّهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقعدُ قومٌ يذكرون الله إلّا حَفَّتْهم الملائكة، وغشِيتْهم الرّحمة، ونزلت عليهم السّكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» . وهو في «صحيح مسلم»
(2)
.
ويكفي في شرف الذِّكر أنّ الله يباهي ملائكته بأهله، كما في «صحيح مسلم»
(3)
عن معاوية: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حَلْقةٍ من أصحابه فقال: «ما أجلسَكم؟» قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومَنَّ به علينا. قال: «آللهِ ما أجلسَكم إلّا ذلك؟» قالوا: آللهِ ما أجلسَنا إلّا ذلك. قال: «أما إنِّي لم أستحلْفكم تهمةً لكم، ولكن أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني: أنّ الله يُباهِي بكم الملائكةَ» .
وسأل أعرابيٌّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضل؟ فقال: «أن تفارقَ
(1)
رقم (21702). وأخرجه أيضًا الترمذي (3377)، وابن ماجه (3790)، والحاكم (1/ 496) وغيرهم. قال الترمذي: وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد مثل هذا بهذا الإسناد، وروى بعضهم عنه وأرسله. وانظر تعليق المحققين على «المسند» .
(2)
رقم (2700).
(3)
رقم (2701).
الدُّنيا ولسانك رَطْبٌ من ذكر الله»
(1)
.
وقال له رجلٌ: إنّ شرائع الإسلام قد كثرتْ عليَّ، فمُرْني بأمرٍ
(2)
أتشبَّثُ به. فقال: «لا يزال لسانُك رَطْبًا من ذكر الله»
(3)
.
وفي «المسند»
(4)
وغيره من حديث جابرٍ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيُّها النّاس، ارتَعوا في رياض الجنّة» . فقلنا: يا رسول الله، وما رياض الجنّة؟ قال:«مجالس الذِّكر» . قال: «اغْدُوا ورُوحوا واذكروا، من كان يُحبُّ أن يعلم منزلته
(5)
عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده; فإنّ الله يُنزِل العبدَ منه حيث أَنزلَه من نفسه».
(1)
أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (281)، والبزار (3059 ــ كشف الأستار»، وابن حبان (818)، والطبراني في «الكبير» (20/ 107)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (516) من حديث معاذ بن جبل. وإسناده حسن.
(2)
ل: «بشيء» .
(3)
أخرجه أحمد (17698)، والترمذي (2329، 3375)، وابن ماجه (3793)، وابن حبان (814)، والحاكم (1/ 495) من حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه. وإسناده صحيح.
(4)
لم أجده في «مسند أحمد» عن جابر. وقد رواه عنه عبد بن حميد في «مسنده» (1107)، وأبو يعلى (1865، 2138)، والطبراني في «الدعاء» (1891)، والحاكم (1/ 494، 495)، والبيهقي في «الشعب» (528). وصححه الحاكم، فتعقبه الذهبي بقوله: عمر مولى غُفرة ضعيف. ورواه أحمد (12523)، والترمذي (3510) وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قال الترمذي:«حسن غريب» . وفي إسناده محمد بن ثابت البناني، وهو ضعيف، وهذا الحديث من مناكيره كما في «الكامل» لابن عدي (6/ 136)، و «المجروحين» (2/ 252).
(5)
د: «كيف منزلته» .
وروى النّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أبيه إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «أَقرِئْ أمّتَك منِّي السّلام، وأخبِرْهم أنّ الجنّة طيِّبة التُّربة عذبةُ الماء، وأنّها قِيعانٌ، وأنّ غِراسَها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر» . رواه التِّرمذيُّ وأحمد وغيرهما
(1)
.
وفي «الصّحيحين»
(2)
من حديث أبي موسى رضي الله عنه عن النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الذي يذكر ربّه والّذي لا يذكره مَثل الحيِّ والميِّت» . ولفظ مسلمٍ: «مَثَلُ البيت الذي يُذكَر الله فيه والبيت الذي لا يُذكَر الله فيه: مَثلُ الحيِّ والميِّت» .
فجعل بيت الذّاكر بمنزلة بيت الحيِّ، وبيت الغافل بمنزلة بيت الميِّت وهو القبر. وفي اللّفظ الأوّل جعل الذّاكر بمنزلة الحيِّ، والغافل بمنزلة الميِّت. فتضمَّنَ اللّفظان أنّ القلب الذّاكر كالحيِّ في بيوت الأحياء، والغافل كالميِّت في بيوت الأموات. ولا ريبَ أنّ أبدان الغافلين قبورٌ لقلوبهم، وقلوبهم فيها كالأموات في القبور، كما قيل
(3)
:
فنسيانُ ذكرِ الله موتُ قلوبهم
…
وأجسامُهم قبلَ القبورِ قبورُ
(1)
أخرجه بهذا اللفظ الترمذي (3462) من حديث ابن مسعود، وحسَّنه، مع أن فيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف. وأخرجه أحمد (23552)، وابن حبان (821)، والطبراني في «الكبير» (3898) وفي «الدعاء» (1657) من حديث أبي أيوب رضي الله عنه. وحسَّنه المنذري في «الترغيب» (2/ 445) وابن حجر في «نتائج الأفكار» (1/ 100).
(2)
البخاري (6407)، ومسلم (779).
(3)
البيتان أنشدهما المؤلف مرة ثانية (4/ 165)، وفي «إغاثة اللهفان» (1/ 33)، و «مفتاح دار السعادة» (1/ 130، 387). ويُنسبان لعلي بن أبي طالب في «ديوانه» (ص 46 - طبع الهند 1293 هـ)، وأنشدهما الماوردي في «أدب الدين والدنيا» (ص 73) لبعض أهل العصر. والشطر الأول من البيتين مختلف في هذه الكتب.
وأرواحُهم في وحشةٍ من جُسومهم
…
وليس لهم حتّى النُّشورِ نشورُ
وكما قيل
(1)
:
فنسيانُ ذكرِ الله موتُ قلوبهم
…
وأجسامهم فهي القبور الدَّوارِسُ
وأرواحهم في وحشةٍ من حبيبهم
…
ولكنّها عند الخبيث أوانسُ
وفي أثرٍ إلهيٍّ: «إذا كان الغالبُ على عبدي ذكري أحبَّني وأحببتُه»
(2)
.
وفي آخر: «فبي فافرحُوا، وبذكري فتنعَّموا»
(3)
.
(4)
.
وفي آخر: «ابنَ آدم، اذكرْني حين تغضبُ أذكُرْك حين أغضَبُ، وارضَ بنصرتي لك، فإنّ نصرتي لك خيرٌ من نصرتك لنفسك»
(5)
.
(1)
لم أجدهما في المصادر. ولعلهما للمؤلف.
(2)
أخرجه ابن أبي الدنيا في «الأولياء» (14) من حديث الحسن قال: يقول الله تعالى
…
بنحوه. وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (6/ 165) من حديثه مرسلًا. وفي «الرسالة القشيرية» (ص 504) عن السري يقول: مكتوب في بعض الكتب التي أنزل الله تعالى: «إذا كان الغالب على عبدي ذكري عشِقَني وعَشِقتُه» . وهو منكر بهذا اللفظ، ولذا غيَّره المؤلف.
(3)
«الرسالة القشيرية» (ص 504) عن السّري به. ورواه أبو نعيم في «الحلية» (8/ 217) عن محمد بن النضر الحارثي، وفي (9/ 255) عن صالح بن عبد الجليل نحوه.
(4)
«الرسالة القشيرية» (ص 503) عن سهل بن عبد الله به.
(5)
نسبه إلى «الإنجيل» في «الرسالة القشيرية» (ص 504). ورواه أحمد في «الزهد» (279) عن وهيب المكي، وأبو نعيم في «الحلية» (3/ 65) عن طلق بن حبيب، وفي «الحلية» (5/ 124) عن أبي إدريس الخولاني بنحوه.