الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَرْفه بعد أن أُبرِم تقديره. فلا جزع حينئذٍ، لا ممّا قُدِّر، ولا ممّا لم يُقدَّر.
نعم إن كان في هذا النازل حيلةٌ فلا ينبغي أن يَعجِز عنه، وإن لم يكن فيه حيلةٌ فلا ينبغي أن يجزعَ منه. فهذه طمأنينة الضّجر إلى الحكم.
وأمّا طمأنينة المبتلى إلى المثوبة، فلا ريبَ أنّ المبتلى إذا قويت مشاهدته للمثوبة سكنَ قلبُه واطمأنَّ بمشاهدة العوض، وإنّما يشتدُّ به البلاء إذا غاب عنه ملاحظة الثّواب. وقد تقوى ملاحظة العِوَض حتّى يستلذّ بالبلاء ويراه نعمةً. ولا يُستبعَد هذا، فكثيرٌ من العقلاء إذا تحقَّق نفعَ الدّواء الكريه فإنّه يكاد يلتذُّ به، وملاحظتُه لنفعه تُغنِيه عن تألُّمه بمذاقه أو تُخفِّفه عنه. والعمل والمعوَّل إنّما هو على البصائر.
فصل
قال
(1)
: (الدّرجة الثّانية:
طمأنينة الرُّوح
في القصد إلى الكشف، وفي الشّوق إلى العِدَة، وفي التّفرقة إلى الجمع).
طمأنينة الرُّوح: أن تطمئنَّ
(2)
في حال قصدها، ولا تلتفت إلى ما وراءها.
والمراد بالكشف: كشف الحقيقة، لا الكشف الجزئيُّ السُّفليُّ. وهو ثلاث درجاتٍ:
كشفٌ عن الطّريق المُوصِل إلى المطلوب، وهو الكشف عن حقائق الإيمان وشرائع الإسلام.
(1)
«المنازل» (ص 69).
(2)
ل: «تطهر» .
وكشفٌ عن معاطبِها ومتاهاتِها وآفاتها، وهو الكشف عن عيوب النفس وآفاتِ الأعمال.
وكشفٌ عن المطلوب المقصود بالسّير، وهو معرفة الأسماء والصِّفات، ونوعَي
(1)
التّوحيد وتفاصيلِه، ومراعاة ذلك حقَّ رعايته.
وليس وراء ذلك إلّا الدّعاوي والشَّطْح والغرور.
وقوله: (وفي الشّوق إلى العِدَة).
يعني أنّ الرُّوح تطمئنُّ
(2)
في حالِ اشتياقها إلى ما وُعِدت به، وشُوِّقت إليه، فطمأنينتها بتلك العِدَة تُسكِّن عنها لهيبَ اشتياقها. وهذا شأنُ كلِّ مشتاقٍ إلى محبوبٍ وعلى محصولِه، إنّما تَحصُل لروحه الطُّمأنينة بسكونها إلى وعد اللِّقاء، وعلْمِها بحصول الموعود به.
قوله: (وفي التّفرقة إلى الجمع).
أي وتطمئنُّ
(3)
الرُّوح في حال تفرقتها إلى ما اعتادتْه من الجَمْع، بأن تُوافيها روحُه فتَسكُن إليه وتَطمئنّ به، كما يطمئنُّ الجائع الشّديدُ الجوعِ إلى ما عنده من الطّعام، ويسكُنُ إليه قلبُه. وهذا إنّما يكون لمن أشرفَ على الجَمْع من وراء حجابٍ رقيقٍ، وشَامَ برْقَه فاطمأنّ بحصوله. وأمّا من بينه وبينه الحُجُب الكثيفة فلا يطمئنُّ به.
(1)
د: «نوع» .
(2)
ل: «تطهر» .
(3)
ل: «وتطهر» .