الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصّبر، وأخذوا في التّرجيح بينهما، فجرّدوا غنيًّا مُنفِقًا متصدِّقًا، باذلًا مالَه في وجوه القُرَب، شاكرًا لله عليه. وفقيرًا متفرِّغًا لطاعة الله ولأوراد العبادات، صابرًا على فقره. فهل هو أكملُ من ذلك الغنيِّ، أم الغنيِّ أكملُ منه؟
فالصّواب في مثل هذا: أنّ أكملَهما أطوعُهما، فإن تساوتْ طاعتهما تساوتْ درجاتُهما. والله أعلم
(1)
.
فصل
قال صاحب «المنازل» رحمه الله
(2)
: (الفقر اسمٌ للبراءة من الملكة).
عدل الشّيخ رحمه الله عن لفظ «عدم الملكة» إلى قوله: «البراءة من الملكة» ، لأنّ عدم الملكة ثابتٌ في نفس الأمر لكلِّ أحدٍ سوى الله تعالى، فالله سبحانه هو المالك حقيقةً. فعدمُ الملكة أمرٌ ثابتٌ لكلِّ ما سواه لذاته. والكلام في الفقر الذي يُمدَح به صاحبه: هو فقر الاختيار، وهو أخصُّ من مطلق الفقر، وهو براءة العبد من دعوى الملك، بحيث لا يُنازِع مالكَه الحقَّ.
ولمّا كانت نفس الإنسان ليست له، وإنّما هي ملكٌ لله. فما لم يخرج عنها ويُسلِّمها لمالكِها الحقِّ: لم يثبتْ له في الفقر قدمٌ. فلذلك كان
أوّلُ قَدَمِ الفقر الخروجَ عن النّفس
، وتسليمها لمالكها ومولاها، فلا يخاصم لها، ولا يتوكَّل لها،
(1)
«والله أعلم» ليست في د.
(2)
(ص 56).
ولا يُحاجُّ عنها ولا ينتصر
(1)
لها، بل يُفوِّض
(2)
ذلك لمالكها
(3)
وسيِّدها.
قال بُندار بن الحسين رحمه الله: لا تُخاصِمْ لنفسك، فإنّها ليست لك، دَعْها لمالكها يفعَلْ بها ما يريد
(4)
.
وقد أجمعت
(5)
هذه الطّائفة أنّه لا وصولَ إلى الله إلّا من طريق الفقر، ولا دخولَ عليه إلّا من بابه.
فصل
قال
(6)
: (وهو على ثلاث درجاتٍ، الدّرجة الأولى: فقر الزُّهّاد. وهو قبض اليد عن الدُّنيا ضبطًا أو طلبًا، وإسكاتُ اللِّسان عنها مدحًا أو ذمًّا، والسّلامة منها طلبًا أو تركًا. وهذا هو الفقر الذي تكلّموا في شرفه).
الدُّنيا عند القوم: ما سوى الله من المال والجاه والصُّور والمراتب. واختلف
(7)
المتكلِّمون فيها على قولين، حكاهما أبو الحسن الأشعريُّ رحمه الله في «مقالاته»
(8)
:
(1)
ش، د:«ولا ينتظر» . والتصحيح في هامشهما.
(2)
ش، د:«تفويض» .
(3)
د: «إلى مالكها» .
(4)
«الرسالة القشيرية» (ص 221). وانظر: «طبقات الصوفية» للسلمي (ص 468)، و «حلية الأولياء» (10/ 385).
(5)
ش، د:«اجتمعت» .
(6)
«المنازل» (ص 56).
(7)
ل: «واختلفت» .
(8)
ذكر الأشعري في «مقالات الإسلاميين» (ص 443) قولين في الدنيا: الأول هو الثاني هنا. ولكن الثاني ليس اسمًا للزمان بل ما خلقه الله قبل مجيء الآخرة.