الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خُلُقِه، كما قيل
(1)
:
إنّ التّخلُّق يأتي
(2)
دونَه الخُلُقُ
وقال الآخر
(3)
:
يُراد من القلب نِسيانُكم
…
وتأبى الطِّباعُ على النّاقل
فمتكلِّفُ ما ليس من نعتِه ولا شِيمتِه يرجع إلى شيمته ونعته وسجيّته، فذاك الذي يرجع إليه هو الخلق.
قال
(4)
: (واجتمعتْ كلمةُ النّاطقين في هذا العلم: أنّ
التّصوُّف هو الخلق
، وجِماعُ الكلامِ فيه يدور على قطبٍ واحدٍ، وهو بذلُ المعروف وكفُّ الأذى).
قلت: من النّاس من يجعلها ثلاثةً: كفُّ الأذى، واحتمال الأذى، وإيجاد الرّاحة.
ومنهم من يجعلها اثنين كما قال الشّيخ رحمه الله: بذلُ المعروف، وكفُّ الأذى.
ومنهم من يردُّها إلى واحدٍ، وهو بذل المعروف. والكلُّ صحيحٌ.
(1)
شطر بيت لسالم بن وابصة في «الحماسة» (1/ 359) و «البيان والتبيين» (1/ 233) و «نوادر أبي زيد» (ص 181)، وللعرجي في «الحيوان» (3/ 128) و «الشعر والشعراء» (2/ 575) و «العقد الفريد» (3/ 3).
(2)
في النسخ: «يأبى» ، تصحيف.
(3)
هو المتنبي، والبيت في «ديوانه» (3/ 153) بشرح البرقوقي.
(4)
«المنازل» (ص 45).
قال
(1)
: (وإنّما يُدرَك إمكانُ ذلك في ثلاثة أشياء: في العلم والجود والصّبر).
فـ «العلم» يُرشِده إلى مواقع بذلِ المعروف، والفرقِ بينه وبين المنكر، وترتيبِه في وضعه مواضعَه. فلا يضع الغضبَ موضع الحلم ولا بالعكس، ولا الإمساكَ موضع البذل ولا بالعكس، بل يعرف مواقع الخير والشّرِّ ومراتبَها، وموضعَ كلِّ خلقٍ: أين يضعُه، وأين يَحسُن استعماله.
و «الجود» يبعثه على المسامحة بحقوق نفسه، والاستقصاء منها لحقوق غيره، فالجود هو قائد جيوش الخير.
و «الصّبر» يحفظ عليه استدامةَ ذلك، ويَحمِله على الاحتمالِ، وكظْمِ
(2)
الغيظ، وكفِّ الأذى، وعدم المقابلة، وعلى كلِّ خيرٍ، كما تقدّم. وهو أكبر العون على نيلِ كلِّ مطلوبٍ من خير الدُّنيا والآخرة. قال تعالى:{آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ} [البقرة: 153].
فهذه الثّلاثة
(3)
أشياء بها يُدرَك التّصوُّف
(4)
، والتّصوُّف: زاويةٌ من زوايا السُّلوك الحقيقيِّ، وهو تزكية النّفس وتهذيبها، لتستعدَّ لسيرها إلى صحبةِ الرّفيق الأعلى، ومعيّةِ من تُحِبُّه، فإنّ المرء مع من أحبّ. كما قال سَمْنون: ذهب المحبُّون بشرف الدُّنيا والآخرة، فإنّ المرء مع من أحبّ
(5)
.
(1)
«المنازل» (ص 46).
(2)
ل: «كضم» .
(3)
كذا في ل، د. ومسح في ش «الـ» بعد كتابتها.
(4)
ل: «التصرف» ، خطأ.
(5)
«الرسالة القشيرية» (ص 654). و «المرء مع من أحب» أخرجه البخاري (6168) ومسلم (2640) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
فصل
قال
(1)
: (وهو على ثلاث درجاتٍ. الدّرجة الأولى: أن تَعرِف مقام الخلق، وأنّهم بأقدارِهم مربوطون، وفي طاقتهم محبوسون، وعلى الحكم موقوفون. فتستفيد بهذه المعرفة ثلاثة أشياء: أمْنَ الخلق منك حتّى الكلب، ومحبّة الخلق إيّاك، ونجاة الخلق بك).
يُريد بهذه الدّرجة: تحسينَ الخُلُق مع الخَلْق في معاملتهم وكيفيّة مصاحبتهم، وبالثّانية: تحسينَ الخُلُق مع الله في معاملته، وبالثّالثة: درجة الفناء على أصله.
فقال: إذا عرفتَ مقام الخلق ومقاديرهم، وجريانَ الأحكام القدريّة عليهم، وأنّهم مقيّدون بالقدر، لا خروجَ لهم عنه البتّةَ، ومحبوسون في قدرتهم وطاقتهم، لا يُمكِنهم تجاوزُها إلى غيرها، وأنّهم موقوفون على الحكم الكونيِّ القدريِّ لا يتعدَّونه= استفدتَ بهذه المعرفة ثلاثة أشياء:
أمْن الخلق منك، وذلك أنّه إذا نظر إليهم بعين الحقيقة لم يطالبهم بما لا يقدرون عليه، وامتثلَ فيهم أمرَ الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بأخذ العفو منهم، فأَمِنوا من تكليفِه إيّاهم وإلزامِه لهم ما ليس في قواهم وقُدَرهم.
وأيضًا فإنّهم يأمنون لائمتَه، فإنّه في هذه الحال عاذِرٌ لهم فيما يجري عليهم من الأحكام فيما لم يأمر الشّرع بإقامته فيهم، لأنّهم إذا كانوا محبوسين في طاقتهم فينبغي مطالبتُهم بما يُطالَب به المحبوس، وعذْرهم بما
(1)
«المنازل» (ص 46).