الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قال
(1)
: (الدّرجة الثّالثة:
تعظيم الحقِّ سبحانه
. وهو أن
(2)
لا يجعل دونه سببًا، ولا يرى عليه حقًّا، ولا ينازع له اختيارًا).
هذه الدّرجة تتضمّن تعظيمَ الحاكم سبحانه، صاحبِ الخلق والأمر، والذي
(3)
قبلها يتضمّن تعظيمَ قضائه لا مقضيِّه، والأولى تتضمّن تعظيمَ أمره.
وذكر من تعظيمه ثلاثة أشياء:
أحدها: أن لا يجعل دونه سببًا، أي
(4)
لا يجعل للوصلة إليه سببًا غيره، بل هو الذي يُوصِل إليه عبدَه، فلا يُوصِل إلى الله إلّا الله، ولا يقرِّب إليه سواه. ولا يتوصّل إلى رضاه إلّا به. فما دلّ على الله إلّا الله، ولا هدى إليه سواه، ولا أَدنى إليه غيرُه. فإنّه سبحانه هو الذي جعل السّبب سببًا، فالسّبب وسببيَّتُه وإيصاله كلُّه خلْقُه وفعلُه.
الثّاني: أن لا يرى عليه حقًّا، أي لا يرى
(5)
لأحدٍ من الخلق ــ لا لك ولا لغيرك ــ حقًّا على الله، بل الحقُّ له على خلقه. وفي أثرٍ إسرائيليٍّ: أنّ داود عليه السلام قال: يا ربِّ، بحقِّ آبائي عليك. فأوحى الله إليه: يا داود، وأيُّ حقٍّ
(1)
«المنازل» (ص 65).
(2)
ش، د:«أنه» .
(3)
كذا في النسخ بدل «التي» .
(4)
«لا يجعل دونه سببًا أي» ساقطة من ش، د.
(5)
ل: «أن لا يرى» . والفعل في جميع النسخ بصيغة الغائب.
لآبائك عليّ؟ ألستُ أنا الذي هديتُهم ومننتُ عليهم واصطفيتهم، ولي الحقُّ عليهم؟
(1)
.
وأمّا حقوق العبيد على الله: من إثابته لمطيعهم، وتوبتِه على تائبهم، وإجابتهِ لسائلهم= فتلك حقوقٌ أَحقَّها هو على نفسه بحكم وعدِه وإحسانِه، لا أنّها حقوقٌ أَحقُّوها هم عليه، فالحقُّ في الحقيقة لله على عبده، وحقُّ العبد عليه هو ما اقتضاه وعدُه وبرُّه، وإحسانُه إليه بمحض جوده وكرمه. هذا قول أهل التّوفيق والبصائر، وهو وسطٌ بين قولين منحرفين. قد تقدّم ذكرهما مرارًا. والله أعلم
(2)
.
وأمّا قوله: (ولا ينازع له اختيارًا).
أي إذا رأيتَ الله قد اختار لك أو لغيرك شيئًا ــ إمّا بأمره ودينه، وإمّا بقضائه وقدره ــ فلا تنازِعْ اختياره، بل ارْضَ باختيار
(3)
ما اختاره، فإنّ ذلك
(1)
أخرجه البزار في «مسنده» (1307) من حديث العباس رضي الله عنه بنحوه. قال البزار: هذا الحديث لا نعلمه يُروى عن العباس عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث أبي سعيد عن علي بن زيد، وأبو سعيد هذا هو الحسن بن دينار، وهو ليس بالقوي في الحديث. وقد روى هذا الحديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل عن العباس. وانظر:«مجمع الزوائد» (8/ 202)، و «السلسلة الضعيفة» (335). وعزاه شيخ الإسلام في «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» (1/ 343 ضمن مجموع الفتاوى) إلى «الحلية» لأبي نعيم. ولم أجده فيه. وقال: وهذا وإن لم يكن من الأدلة الشرعية فالإسرائيليات يعتضد بها ولا يعتمد عليها.
(2)
«والله أعلم» ليس في د.
(3)
ل: «باختياره» .
من تعظيمه سبحانه.
ولا يردّ عليه ما قدَّره عليه من المعاصي، فإنّه سبحانه وإن قدَّرها لكنّه لم يختَرْها له، فمنازعتها عينُ اختياره من عبده. وذلك من تمام تعظيم العبد له، والله أعلم.
* * * *