الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قال
(1)
: (الدّرجة
الثّالثة: عطش المحبِّ
إلى جَلْوةٍ، ما دونها سحابُ علّةٍ، ولا يُغطِّيها حجابُ تفرقةٍ، ولا يُعرِّج دونها على انتظارٍ).
عطشُ المحبِّ فوق عطش المريد والسّالك، وإن كان كلُّ محبٍّ سالكًا، وكلُّ مريدٍ سالكًا، وكلُّ سالكٍ ومريدٍ محبٌّ. لكن خُصَّ المحبُّ بهذا الاسم لتمكُّنه من المحبّة، ورسوخِ قلبه فيها.
والمريد والسّالك يُشمِّران إلى علمه الذي رُفِع إليه
(2)
ووصل إليه. ولذلك جعل الأولى لأهل البدايات، والثّانية للمتوسِّطين، والثّالثة: لأهل النِّهايات.
قوله: (عطشُ المحبِّ إلى جلوةٍ ما دونها سحابٌ).
يريد بالجلوة: استجلاء القلب لصفات المحبوب ومحاسنه، وانكشافها له.
وقوله: (ما دونها سحابٌ)، أي لا يسترها شيءٌ من سُحُب النّفس، وهي سُحُب العلل التي هي بقايا في العبد، تحول بينه وبين استجلائه صفاتِ محبوبه وتَعُوقُه عنه. فمهما بقي في العبد بقيّةٌ
(3)
من نفسه فهي سحابٌ وغَيْمٌ ساترٌ على قدره، فكثيفٌ ورقيقٌ وبينَ بينَ.
(1)
«المنازل» (ص 76).
(2)
ت: «له» .
(3)
«تحول
…
بقية» ساقطة من د.
قوله: (ولا يُغطِّيها حجابٌ)، الحجب
(1)
في لسان الطّائفة: النّفس وصفاتها وأحكامها، وهم مُجمِعون على أنّ النّفس من أعظم الحجب، بل هي الحجاب الأكبر، فإنّ حجاب الرّبِّ سبحانه عن ذاته هو النُّور، لو كشَفَه لأحرقَتْ سُبُحات وجهِه ما انتهى إليه بصرُه من خَلْقه
(2)
وحجابه من عبده هو نفسه وظلمته، فلو كُشِف عنه هذا الحجاب لوصلَ إلى ربِّه.
والوصول عند القوم عبارةٌ عن ارتفاع هذا الحجاب وزواله. فالحجاب الذي يَشتدُّ على المحبِّ، ويشتدُّ عطشُه إلى زواله: هو حجاب الظُّلمة والنّفس، وهو الحجاب الذي بينه هو وبين الله.
وأمّا الحجاب الذي بين الله وبين خلقه هو حجاب النُّور، فلا سبيلَ إلى كشفه في هذا العالم البتّةَ، ولا يطمعُ في ذلك بشرٌ، ولم يُكلِّم الله بشرًا إلّا من وراء حجابٍ. وهذا الحجاب كاشفٌ للعبد، مُوصِلٌ له إلى مقام الإحسان الذي يُعبِّر عنه القوم بمقام المشاهدة. والأوّل ساترٌ للعبد، قاطعٌ له، حائلٌ بينه وبين الإحسان وحقيقة الإيمان.
والتّفرقة كلُّها عندهم حُجُبٌ، إلّا تفرقةً في الله وبالله ولله، فإنّها لا تَحجُب العبدَ عنه، بل تُوصِلُه إليه. فلذلك قال:(ولا يُغطِّيها حجابُ تفرقةٍ)، فإنّ التّفرقة إنّما تكون حجابًا إذا كانت بالنّفس ولها.
قوله: (ولا يُعرِّج دونها على انتظارٍ)، يعني: لا يُعرِّج المُشاهِدُ لما يشاهده على انتظار أمرٍ آخر وراءها، كما يُعرِّج المحبُّ المحجوبُ على
(1)
ت: «الحجاب» .
(2)
كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، الذي أخرجه مسلم (179).