الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجزئ عن تكليف الشّرع بالانتهاء عنه، أي أنّ الشّرع يمنع المكلّف عن بعض الأشياء المكروهة شرعاً بالدّافع والمانع الذّاتي للإنسان عن قربان هذه الأشياء لما يحسّه في نفسه وطبعه من كراهتها والاشمئزاز منها ومن فعلها.
ولكن هذا في الواقع ليس على إطلاقه، إنّما يعمل به ذوي الفطر السّليمة والأخلاق المستقيمة والطّبائع المتينة، وطباع النّاس ونفوسهم تتفاوت في الحبّ والكره، فما يكرهه قوم يحبّه آخرون، وما يراه بعض الناس من القاذورات يراه آخرون من المشتهيات والطّيبات، كتعطّر الهندوس - مثلاً - ببول البقر، وشربهم بول الإنسان للتّداوى. ولذلك كان لا بدّ من أمر الشّارع ونهيه، أمره بما فيه مصلحة المكلّفين ونهيه عمّا فيه مضرّتهم ومفسدتهم.
وبخاصة في هذا الزّمان الذي انتكست فيه الفطر وارتكست الأخلاق، فأصبح كثير من الناس يرون ما ليس حسناً حسناً، حتى رأينا من يأكل عذرة الإنسان وغائطه من غير مجاعة ولا مسغبة ونعوذ بالله من انتكاس الفِطَر وارتكاس الأخلاق.
ثالثاً: من أمثلة هذه القاعدة ومسائلها:
لم يرتّب الشّارع على شرب البول والدّم وأكل العذرة والقيء حدّاً أو عقوبة، اكتفاء بنفرة الطّباع عنها - ولقد وجد في هذا الزّمن من يشرب الدّم والبول ويأكل العذرة، من غير المسلمين. ولكن الخمر والزّنا والسّرقة نهى عنها الشّارع ووضع لها العقوبة الرّادعة لقيام
بواعثها.
ومنها: إقرار الفاسق وغيره على نفسه مقبول؛ لأنّ الطّبع يردعه عن الكذب فيما يضرّ بنفسه أو ماله أو عرضه.
ومنها: عدم اشتراط العدالة في ولاية النّكاح - عند كثير من الشّافعيّة -؛ لأن الوازع الطّبعي يزعه عن التّقصير في حقّ المولَّى عليه.
ومنها: عدم وجوب الحدّ في وطء الميتة - وهو الأصحّ عند الشّافعيّة - قالوا: لأنّه ممّا ينفر عنه الطّبع، ولكن أقول والله أعلم: أنّ مَن يفعل ذلك يجب تعزيره بأقصى درجات التّعزير، لفعله وانتهاكه حرمة الميتة وعدم اعتباره واتّعاظه بالموت. ولو قلنا: بوجوب الحدّ لم يكن ذلك مستبعداً.
ومنها: الصّلاة في المراحيض. لا تجوز - ولو لم يرد فيها نصّ - لكراهة النّفوس والطّباع ذلك.