الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهم وتنكر" قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها" قلت: يا رسول الله صِفْهم لنا قال: "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك".
متفق عليه: رواه البخاري في الفتن (7084)، ومسلم في الإمارة (1847) كلاهما عن محمد بن المثنى، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي، أنه سمع أبا إدريس الخولاني، أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول .. فذكره.
ورواه مسلم عقبه من وجه آخر عن حذيفة قال: قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر، فجاء الله بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخبر شر؟ قال:"نعم" قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: " نعم" قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: "نعم" قلت: كيف؟ قال: ايكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال، قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس" قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع".
ولكن في إسناده انقطاع؛ لأن أبا سلام واسمه ممطور الحبشي لم يسمع من حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. قال الدارقطني في التتبع (ص 226): "وهذا عندي مرسل، أبو سلام لم يسمع من حذيفة ولا من نظرائه الذين نزلوا العراق: لأن حذيفة توفي بعد قتل عثمان رضي الله عنه بليال وقد قال فيه: حذيفة، فهذا يدل على إرساله".
وقال الحافظ في ترجمة ممطور أبي سلام من التهذيب (10/ 296): "أرسل عن حذيفة وأبي ذر وغيرهما".
وقوله في الحديث: "تلزم جماعة المسلمين "قال الطبري: أي الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة. قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدًا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر". انظر: فتح الباري (10/ 37).
25 - باب مناصحة الحاكم باللِّيْنِ والحكمة والموعظة
وقد أرسل الله تعالى موسى وهارون إلى فرعون فقال: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [سورة طه: 43 - 44].
• عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن؟ قال: "لله
ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم".
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (55) عن محمد بن عباد المكي، حدثنا سفيان قال: قلت لسهيل: إن عمرًا حدثنا عن القعقاع، عن أبيك. قال: ورجوت أن يسقط عني رجلا قال: فقال: سمعته من الذي سمعه منه أبي كان صديقا له بالشام - ثم حدثنا سفيان، عن سهيل، عن عطاء بن يزيد، عن تميم الداري .. فذكره.
ورُوي عن أبي هريرة مثله كما عند الترمذي (1926)، والنسائي (4199، 200)، وأحمد (7954) وهو وهم، والصواب حديث تميم كما قال محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (2/ 684 - 685)، والدارقطني في العلل (10/ 115 - 118) بل قال البخاري في التاريخ الصغير (2/ 26):"مدار هذا الحديث كله على تميم، ولم يصح عن أحد غير تميم".
ومعنى نصيحة لله سبحانه: صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته. والنصيحة الكتاب الله: الإيمان به والعمل بما فيه، والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوته، وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، والنصيحة الأئمة المؤمنين: أن يطيعهم في الحق، وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا، والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم. ذكره الخطابي في معالم السنن.
• عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم".
صحيح: رواه أحمد (21590)، وصحّحه ابن حبان (67) كلاهما من طريق شعبة، حدثنا عمر بن سليمان من ولد عمر بن الخطاب، عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، عن أبيه، عن زيد بن ثابت فذكره. وإسناده صحيح
وبمعناه عن ابن مسعود وجبير بن مطعم وغيرهما وكلها مخرج في كتاب العلم.
• عن شريح بن عبيد الحضرمي، وغيره، قال: جلد عياض بن غنم صاحب دارا حين فُتحتْ، فأغلظ له هشام بن حكيم القول حتى غضب عياض، ثم مكث ليالي، فأتاه هشام بن حكيم فاعتذر إليه، ثم قال هشام لعياض: ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أشد الناس عذابا أشدهم عذابا في الدنيا للناس"؟ فقال عياض بن غنم: يا هشام بن حكيم، قد سمعنا ما سمعتَ، ورأينا ما رأيتَ، أو لم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أراد أن ينصح لسلطان بأمر، فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه له"، وإنك يا هشام لأنت الجريء، إذ
تجترئ على سلطان الله، فهلا خشيت أن يقتلك السلطان، فتكون قتيل سلطان الله تبارك وتعالى.
حسن: رواه أحمد (15333) عن أبي المغيرة، حدثنا صفوان، حدثنا شريح بن عبيد الحضرمي وغيره .. فذكروه.
قال الهيثمي في المجمع (5/ 229): "رواه أحمد ورجاله ثقات، إلا أني لم أجد لشريح من عياش وهشام سماعا وإن كان تابعيا".
قلت: ذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 407) عن أبيه في ترجمة عياض بن غنم أنه ممن روى عنه شريح بن عبيد. ولم يعرف شريح بالتدليس، فمثله يُحمل على الاتصال.
وقد روي أن الواسطة بين شريح وعياض بن غنم جبير بن نفير وفي إسناده مقال. وللحديث طرق أخرى في السنة لابن أبي عاصم (1132)، والمستدرك (3/ 290)، والبيهقي (8/ 164) وهي لا تخلو من مقال، لكن بعضد بعضها بعضا وهذا رسم الحديث الحسن.
ومنهج أهل السنة والجماعة مناصحة ولاة الأمراء سرا ولا يكون ذلك على المنابر والمجامع.
فقد كان الصحابة ينصحون الولاة سرا، وقد قيل لأسامة بن زيد: ما يمنعك أن تدخل على عثمان، فتكلمه فيما يصنع؟ ، فقال أسامة: إنكم لترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم، إني أكلمه في السر دون أن أفتح بابا لا أكون أول من فتحه. رواه البخاري (3267)، ومسلم (2989).
وقال سعيد بن جُمهان لعبد الله بن أبي أوفى: إن السلطان يظلم الناس، ويفعل بهم. قال سعيد: فتناول يدي فغمزها بيده غمزة شديدة ثم قال: ويحك يا ابن جُمهان عليك بالسواد الأعظم، عليك بالسواد الأعظم - يعني جماعة المسلمين - إنْ كان السلطان يسمع منك فأْته في بيته، فأخبره بما تعلم. فإن قبل منك وإلا فدَعْهُ فإنك لست بأعلم منه. رواه أحمد (19415) بإسناد حسن.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى: "ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة، وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يفضي إلى الانقلابات، وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويفضي إلى الخروج الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان، والكتابة إليه، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير.
وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل، فينكر الزنى وينكر الخمر وينكر الربا من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير ذلك أن فلانا يفعلها لا حاكم ولا غير حاكم.
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه ألا تنكر على عثمان؟ ، قال: أُنكر عليه عند الناس؟ لكن أنكر عليه بيني وبينه، ولا أفتح باب شر على الناس.
ولما فتحوا الشر في زمن عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان جهرة تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقتل عثمان وعلي