الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للذى لم يُمْكِنِ القِصاصُ فيه (1)، كما لو جَرَحَه هاشِمةً، فإنَّه يَقْتَصُّ مُوضِحَةً، ويَأْخُذُ أَرْشَ باقِى جُرْحِه. وعلى قولِ أبى بكرٍ، لا يُسْتَحَقُّ مع القِصاصِ أَرْشٌ. وقال القاضىِ: إذا لَطَمَه مثلَ لَطْمَتِه، فذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِه، ولم تَبْيَضَّ، ولم تَشْخصْ، فإن أمْكَنَ مُعالَجَتُها حتى تَبْيَضَّ وتَشْخَصَ، مِن غيرِ ذَهابِ الحَدَقَةِ، فَعَلَه، فإن تَعَذَّرَ ذلك، فلا شئَ عليه، كما لو انْدَمَلَتْ مُوضِحَةُ المَجْنِىِّ عليه وَحِشةً قَبِيحَةً، ومُوضِحَةُ الجانِى حَسَنَةً جَمِيلَةً، لم يجبْ شئٌ، كذلك ههُنا. وبَنَى (2) هذا على أنَّ اللَّطْمَةَ حصلَ بها القِصاصُ كما حصَل بجُرْحِ المُوضِحَةِ، وقد بَيَّنَّا فَسادَ هذا.
4127 - مسألة: (و)
يُؤْخَذُ (السِّنُّ بِالسِّنِّ) وهو إجْماعُ أَهْلِ العلمِ؛ للآيةِ وحَدِيثِ الرُّبَيِّعِ (3)، ولأَنَّ القِصاصَ فيها مُمْكِنٌ؛ لأنَّها مَحْدودَةٌ في نَفْسِها. وتُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ بالصَّحِيحةِ، والمَكْسُورَةُ بالصَّحيحةِ؛ لأنَّه يأْخُذُ بعضَ حَقِّه. وهل له أَرْشُ الباقِى؟ فيه وَجْهان، ذكَرْناهُما.
فصل: ولا يُقْتَصُّ إلَّا مِن سِنِّ مَن أثْغَرَ؛ أى سقَطَتْ رَواضِعُه ثم نَبَتَتْ. يقالُ لمن سقَطَتْ رَواضِعُهُ: ثُغِرَ، فهو مَثْغُورٌ. فإذا نبَتَتْ قيل: أثْغَرَ واثَّغَرَ
(1) في الأصل، تش:«منه» .
(2)
في م: «بناء» .
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 202.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لُغَتان. وإن قُلِعَ سِنُّ مَن لم يُثْغِرْ، لم يُقْتَصَّ مِنَ الجانِى في الحالِ. وهذا قولُ مالكٍ، والشافعىِّ، وأَصْحابِ الرَّأْى، لأنَّها تَعُودُ بحُكْمِ العادةِ، فلا يُقْتَصُّ منها، كالشَّعَرِ. فإن عادَ (1) بَدَلُ السِّنِّ في مَحَلِّها مثْلُها على صِفَتِها، فلا شئَ على الجانِى، كما لو قلَع شَعَرَهُ ثم نبَت. وإن عادَتْ مائِلَةً عن مَحَلِّها، أو مُتَغَيِّرَةً عن صِفَتِها، كان عليه حُكُومَةٌ؛ لأنَّها لو لم تَعُدْ ضَمِنَ السِّنَّ، فإذا عادتْ ناقِصةً ضَمِنَ ما نقص. وإن عادت قَصِيرةً، ضَمِنَ ما نقَص بالحسابِ، ففى ثُلُثِها ثُلثُ دِيَتِها، وعلى هذا الحسابُ. وإن عادتْ والدَّمُ يَسِيلُ، ففيها حُكومةٌ، لأنَّه نَقْصٌ حصلَ بفِعْلِه. وإن مَضَى زَمَنُ عَوْدِها ولم تَعُدْ، سُئِلَ أهلُ العلمِ بالطِّبِّ، فإن قالوا: قد يُئِسَ مِن عَوْدِها. فالمَجْنِىُّ عليه مُخَيَّرٌ بينَ القِصاصِ و (2) الدِّيَةِ. فإن مات المَجْنِىُّ عليه قبلَ الإِياسِ مِن عَودِها، فلا قِصاصَ؛ لأَنَّ الاسْتِحْقاقَ له غيرُ مُتَحَقِّقٍ، فيكونُ ذلك شُبْهَة في دَرْئِه، وتَجِبُ الدِّيَةُ؛ لأَنَّ القَلْعَ مَوْجُودٌ، والعَوْدُ، مَشْكُوكٌ فيه. ويَحْتَمِلُ أنَّه إذا مات قبلَ مَجِئِ وَقْتِ عَوْدِها، أَنْ لا يَجِبَ شئٌ؛ لأَنَّ العادةَ عَوْدُها، فأَشْبَهَ ما لو حلَق شَعَرَه فماتَ قبلَ نباتِه. فأمّا إن قلَع سِنَّ مَن قد أثْغَرَ، وجَب القِصاصُ له في الحالِ؛ لأَنَّ الظاهِرَ عَدَمُ عَوْدِها. وهذا قولُ بعضِ أصْحابِ الشافعىِّ. وقال القاضى: يُسْئَلُ أهلُ الخِبْرَةِ، فإن قالوا: لا تَعُودُ. فله
(1) بعده في الأصل، تش:«في» .
(2)
في م: «أو» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القِصاصُ في الحالِ، وإن قالوا: يُرْجَى عَوْدُها، إلى وقتٍ ذكَرُوه، لم يُقْتَصَّ حتى يَأْتِىَ ذلك الوقْتُ. وهذا قولُ بعضِ أصْحابِ الشافعىِّ؛ لأنَّها تَحْتَمِلُ العَوْدَ، فأشْبَهَتْ سِنَّ مَن لم يُثْغِرْ. إذا ثَبَت هذا، فإنَّها إن لم تَعُدْ، فلا كلامَ، وإن عادتْ، لم يجبْ قِصاصٌ ولا دِيَةٌ. وهذا قولُ أبى حنيفةَ، وأحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ. وقال في الآخَرِ: لا يَسْقُطُ الأَرْشُ؛ لأَنَّ هذه السِّنَّ لا تُسْتَخْلَفُ عادةً، فإذا عادتْ كانت هِبَةً مُجَدَّدةً، ولذلك لا يُنْتَظَرُ عَوْدُها في الضَّمانِ. ولَنا، أنَّها سِنٌّ عادتْ، فسَقَطَ الأَرْشُ، كسِنِّ مَن لم يُثْغِرْ، ونُدْرَةُ وُجُودِها لا يَمْنَعُ ثُبوتَ حُكْمِها إذا وُجِدَت. فعلَى هذا، إن كان أخَذَ (1) الأَرْشَ رَدَّه، وإن كان اسْتَوْفَى القِصاصَ، لم يَجُزْ قَلْعُ هذه قِصاصًا؛ لأنَّه لم يَقْصِدِ العُدْوانَ. وإن عادتْ سِنُّ الجانِى دُونَ سِنِّ المَجْنِىِّ عليه، لم تُقْلَعْ، في أحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لئَلَّا يَأْخُذَ سِنَّيْنِ بسِنٍّ، وإنَّما قال اللَّهُ تعالى:{وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} (2). والثانى، تُقلَعُ وإن عادتْ مَرَّاتٍ؛ لأنَّه أعْدَمَ (3) سِنَّه بالقَلْعِ، فكان له إعْدامُ سِنِّه. ولأصْحابِ الشافعىِّ وَجْهان كهذَيْنِ.
فصل: فإن قلَع سِنًّا، فاقْتُصَّ منه، ثم عادتْ سِنُّ المَجْنِىِّ عليه، فقَلَعَها الجانِى ثانيةً، فلا شئَ عليه؛ لأَنَّ سِنَّ المَجْنِىِّ عليه لمَّا عادتْ، وجَب للْجانِى عليه دِيَةُ سِنِّه، فلما قَلَعَها، وجَب على الجانِى دِيَتُها للمَجْنِىِّ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة المائدة 45.
(3)
في الأصل: «عدم» .