الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ سَقَطَ الْجَنِينُ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ، فَفِيهِ دِيَةُ حُرٍّ إِنْ كَانَ حُرًّا، أَوْ قِيمَتُهُ إِنْ كَانَ مَمْلُوكًا، إِذَا كَانَ سُقُوطُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ
ــ
الضَّمانَ إذا وُجِدَ في أحَدِ أبوَيْه ما يُوجِبُ، وفى الآخَرِ ما يُسْقِطُ، غَلبَ الإِيجابُ، بدليلِ ما لو قتَل المُحْرمُ صَيْدًا مُتَوَلِّدًا مِن مأْكُولٍ وغيرِه. ولا فَرْقَ فيما ذكَرْنا بينَ الذَّكَرِ والأُنْثَى؛ لأَنَّ السُّنَّةَ لم تُفَرِّقْ بينَهما. وبه يقولُ الشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْى، وعامَّةُ أَهْلِ العِلْمَ.
فصل: ولو ضرَب بَطْنَ كِتابِيَّةٍ حاملٍ مِن كِتابِىٍّ، فأسْلَمَ أحدُ أبَوَيْه، ثم أسْقَطَتْه، ففيه الغُرَّةُ، في قولِ ابن حامدٍ والقاضى، وهو ظاهرُ كلامِ أحمدَ، ومذهبُ الشافعىِّ؛ لأَنَّ الضَّمانَ مُعْتَبَرٌ (1) بحالِ اسْتِقْرَارِ الجنايةِ، والجَنِينُ محْكُومٌ بإسْلامِه عندَ اسْتِقْرارِها. وفى قولِ أبى بكُرٍ وأبى الخَطَّابِ، فيه عُشرُ دِيَةِ كِتابِيَّةٍ؛ لأَنَّ الجِنايةَ عليه في حالِ كُفْرِه.
4221 - مسألة: (وإن سقَط الجَنِينُ حَيًّا، ثم مات، ففيه دِيَةُ حُرٍّ إن كان حُرًّا، أو قِيمَتُه إن كان مَمْلُوكًا، إذا كان سُقُوطُه لوَقْتٍ يَعِيشُ
(1) سقط من: م.
مِثْلُهُ، وَهُوَ أَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرِ فَصَاعِدًا، وَإِلَّا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ،
ــ
مثلُه، وهو أن تَضَعَه لسِتَّةِ أشْهُرٍ فصاعِدًا، وإلَّا فحُكْمُه حُكْم المَيِّتِ) هذا قَوْلُ عامَّةِ أهلِ العلمِ. قال ابن المُنْذِرِ (1): أجْمَعَ كلُّ مَن نَحْفَظُ عنه مِن أهلِ العلمِ، على أنَّ في الجَنِينِ يَسْقُطُ حَيًّا مِن الضَّرْبِ، دِيَةً كاملةً؛ منهم زيدُ بنُ ثابتٍ، وعُرْوَةُ، والزُّهْرِىُّ، والشَّعْبِىُّ، وقَتادَةُ، وابنُ شُبْرُمَةَ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْى؛ وذلك لأنَّه مات مِن جِنايَته بعدَ وِلادَتِه، في وَقْتٍ يَعِيشُ لمثلِه، فأشْبَهَ قَتْلَه بعدَ وَضْعِه. وفى هذه المسألةِ ثلاثةُ فُصولٍ؛
أحدُها، أنَّه إنَّما يُضْمَنُ بالدِّيَةِ إذا وَضَعَتْه حَيًّا، فمتَى (2) عُلِمَتْ حَياتُه، ثبَت له (3) هذا الحُكْمُ، سواءٌ ثبَت باستهلالِه، أو ارتضاعه، أو بنَفَسِه (4)، أو عُطاسِه، أو غيرِ ذلك مما تُعْلَمُ به حياتُه. هذا ظاهرُ قولِ
(1) انظر: الإشراف 3/ 135، والإجماع 75.
(2)
في م: «فمن» .
(3)
سقط من: الأصل، تش.
(4)
في م: «تنفسه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخِرَقِىِّ. وهو مذهبُ الشافعىِّ. ورُوِىَ عن أحمدَ أنَّه (1) لا يَثْبُتُ له (2) حُكْمُ الحياةِ إلَّا بأنْ يَسْتَهِلَّ. وهذا قولُ الزُّهْرِىِّ، وقَتادةَ، ومالكٍ، وإسْحاقَ. ورُوِىَ مَعْنَى ذلك عن عمرَ، وابنِ عبَّاسٍ، والحسنِ بنِ علىٍّ، وجابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، رَضِى اللَّهُ عنهم؛ لقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:«إذَا اسْتَهَلَّ المَوْلُودُ، وَرِثَ ووُرِثَ» (3). مَفْهُومُه أنَّه لا يَرِثُ إذا لم يَسْتَهِلَّ. والاسْتِهْلالُ: الصِّياحُ. قاله ابنُ عباسٍ، والقاسِمُ، والنَّخَعِىُّ؛ لأَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«ما مِن مَوْلُودٍ (4) يُولَدُ إلَّا مَسَّهُ الشَّيْطانُ، فيَسْتَهِلُّ صارِخًا، إلَّا مَرْيَمَ وابْنَها» (5). فلا يجوزُ غيرُ ما قالَه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. والأَصْلُ في تَسْمِيَةِ الصِّياحِ اسْتِهْلالًا، أنَّ مِن عادةِ الناسِ أنَّهم (6) إذا رَأَوا الهِلالَ صاحُوا، وأرَاهُ بعْضُهم بعضًا، فَسُمِّىَ صِياح المَوْلُودِ استِهْلالًا؛ لأنَّه في ظُهُورِه بعدَ خَفائه كالهِلالِ، وصِياحُه كصِياحِ مَن يَتَراءاهُ. ولَنا، أنَّه
(1) بعده في الأصل: «قال» .
(2)
سقط من: الأصل، تش.
(3)
انظر ما تقدم تخريجه في 18/ 210، 211.
(4)
بعده في الأصل: «إلا» .
(5)
أخرجه البخارى، في: باب صفة إبليس وجنوده، من كتاب بدء الخلق، وفى: باب: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} من كتاب التفسير. صحيح البخارى 4/ 151، 6/ 42. ومسلم، في: باب فضائل عيسى عليه السلام، من كتاب الفضائل. صحيح مسلم 4/ 1838. والإمام أحمد، في: المسند 2/ 233، 274، 275، 288، 292، 319.
(6)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قد عُلِمَتْ حياتُه، فأشْبَهَ المُسْتَهِلَّ، والخَبَرُ يدُلُّ بمَعْناه وتَنْبِيهِه على ثُبُوتِ الحُكْمِ في سائرِ الصُّوَرِ، فإنَّ شُرْبَه اللَّبَنَ أدَلُّ على حَياتِه مِن صِياحِه، وعُطاسَه ضَرْبٌ منه، فهو كصِياحِه. وأمَّا الحَرَكَةُ والاخْتِلاجُ المُنْفَرِدُ، فلا يَثْبت به حُكْم الحياةِ؛ لأنَّه قد يتَحَرَّكُ بالاخْتِلاجِ وبسَبَبٍ آخَرَ، وهو خُروجُه مِن مَضِيقٍ، فإنَّ اللَّحْمَ يخْتَلِجُ، سِيَّما إذا عُصِرَ ثم تُرِكَ، فلم تَثْبت بذلك حَياتُه.
الفصل الثانى: أنَّه إنَّما يَجِبُ ضَمانُه إذا عُلِمَ مَوْتُه بسبَب الضَّرْبَةِ، ويَحْصُلُ ذلك بسُقوطِه في الحالِ أو مَوْتِه، أو بَقائه مُتَأَلِّمًا إلى أنَ يَمُوتَ، أو بقاءِ أُمِّه مُتَأَلِّمةً إلى أن تُسْقِطَه، فيُعْلَمُ بذلك مَوْتُه بالجِنايةِ، كما لو ضرَب رَجُلًا فمات عَقِيبَ ضَرْبِه، أو بَقِىَ ضَمِنًا حتى مات. وإن ألْقَتْه حَيًّا، فجاء آخَرُ فقَتَلَه، وكانت فيه حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فعلى الثانى القِصاصُ إذا كان عَمْدًا، أو الدِّيَةُ كاملةً، وإن لم تَكُنْ فيه حياةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، بل كانت حَرَكَتُه كحرَكَةِ المَذْبُوحِ، فالقاتلُ هو الأَوَّلُ، وعليه الدِّيَةُ كاملةً، ويُؤَدَّبُ الثانِى. وإن بَقِىَ الجَنِينُ حَيًّا، وبَقِيَ زَمَنًا سالمًا لا ألَمَ به، لم يَضْمَنْه الضَّارِبُ؛ لأَنَّ الظاهرَ أنَّه لم يَمُت مِن جِنايَتِه.
الفصل الثالث: أنَّ الدِّيَةَ إنَّما تجبُ فيه إذا كان سُقوطُه لسِتَّةِ أشْهُرٍ فصاعِدًا، فإن كان لدُونِ ذلك، ففيه غُرَّةٌ، كما لو سقَط مَيِّتًا. وبهذا قال المُزَنِىُّ. وقال الشافعىُّ: فيه دِيَةٌ كاملةٌ؛ لأنَّنا عَلِمْنا حَياتَه، وقد تَلِفَ