الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَيَّاتٍ فَقَتَلَتْهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُمْسِكِ.
فَصْلٌ:
وَإِنِ اشْتَرَكَ فِى الْقَتْلِ اثْنَانِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا، كَالْأَبِ وَأَجْنَبِىٍّ فِى قَتْلِ الْوَلَدِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِى قَتْلِ
ــ
حَيَّاتٍ فقَتَلَتْه، فحُكْمُه حُكْمُ المُمْسِكِ) ذَكَرَه القاضى، وقد مَضَىِ الكلامُ فيه (1). قال شيخُنا (2): والصَّحِيحُ أنَّه لا قِصاصَ فيه؛ لأنَّه ممَّا لا يَقْتُلُ غالِبًا. وتجبُ فيه الدِّيَةُ؛ لأنَّه فَعَل به فِعْلًا مُتَعَمَّدًا لا يَقْتُلُ غالِبًا، فتَلِفَ به، فهو شِبْهُ عَمْدٍ. وهكذا ذَكَرَه في كتابِه «الكافى» (3).
فصل: (وإنِ اشْتَرَكَ في القَتْلِ اثْنان لا يجبُ القِصاصُ على أحَدِهما، كالأبِ والأجْنَبِىِّ في قَتْلِ الولَدِ، والحُرِّ والعَبْدِ في قَتْلِ العبدِ، والخَاطِئَ
(1) انظر ما تقدم في صفحة 20، 21.
(2)
في: المغنى 11/ 452.
(3)
في: 4/ 14، 15.
الْعَبْدِ، وَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ، فَفِى وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشَّرِيكِ رِوَايَتَانِ؛ أَظْهَرُهُمَا، وُجُوبُهُ عَلَى شَرِيكِ الْأَب وَالْعَبْدِ، وَسُقُوطُهُ عَنْ شَرِيكِ الْخَاطِئِ.
ــ
والعامِدِ، ففى وُجُوبِ القِصاصِ على الشَّرِيكِ رِوايَتان؛ أظْهَرُهما، وُجُوبُه على شَرِيكِ الأبِ والعَبْدِ، وسُقُوطُه عن شَرِيكِ الخاطِئ) ظاهِرُ المَذْهَبِ وُجُوبُ القِصاصِ على شَرِيكِ الأبِ. وبه قال مالكٌ، والشافعىُّ، وأبو ثَوْرٍ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخْرَى، لا قصاصَ على واحدٍ منهما. وهو قولُ أصْحابِ الرَّأْى؛ لأنَّه قَتْلٌ تَرَكَّبَ مِن مُوجِبٍ وغيرِ مُوجِبٍ، فلم [يُوجِبْ، كقَتْلِ](1) العامِدِ والخاطِئ، والصَّبِىِّ والبالِغِ، والمَجْنُونِ والعاقِلِ. ولَنا، أنَّه شارَكَ في القَتْلِ العَمْدِ العُدْوانِ (2) في مَن يُقْتَلُ به لو انْفَرَدَ بقَتْلِه، فوَصا عليه القِصاصُ،
(1) في الأصل: «يجب كقتيل» .
(2)
في الأصل: «والعدوان» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كشريكِ الأجْنَبِىِّ. وقوئهمِ: إنَّ فِعْلَ الأبِ غير مُوجِبٍ. مَمْنُوعٌ، فإنَّه يَقْتَضِى الإِيجابَ؛ لكونِه تمَحَّضَ عمدًا عُدْوانًا، والجِنايَة به (1) أعْظَمُ إثْمًا، وأكْبَرُ جُرْمًا؛ ولذلك خَصَّه اللَّه تَعالى بالنَّهىِ، فقال:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ} . ثُمَّ قال: {إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (2). ولمَّا سُئِل النبىُّ صلى الله عليه وسلم عن أعْظَمِ الذَّنْبِ، قال:«أَنْ تَجْعَلَ للَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ، ثمَّ أنَّ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» (3). فجَعَلَه أعْظَمَ الذُّنُوبِ بعدَ الشِّرْكِ، ولأنَّه قَطَع الرَّحِمَ التى أَمَرَ اللَّهُ بَوَصْلِها، ووَضَعَ الإِساءَةَ مَوْضِعَ الإِحْسانِ، فهو أَوْلَى بإيجابِ العُقُوبَةِ والزَّجْرِ عنه، وإنَّما امْتَنَعَ الوُجُوبُ
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سورة الإسراء 31.
(3)
أخرجه البخارى، في: باب قول اللَّه تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، وباب:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ. . .} ، من كتاب التفسير، وفى: باب قتل الولد خشية أن يأكل معه، من كتاب الأدب، وفى: باب إثم الزناة، من كتاب الحدود، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} ، من كتاب الديات، وفى: باب قول اللَّه تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} ، من كتاب التوحيد. صحيح البخارى 6/ 22، 137، 138، 8/ 9، 204، 9/ 2، 186. ومسلم، في: باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده، من كتاب الإيمان. صحيح مسلم 1/ 90، 91. وأبو داود، في: باب في تعظيم الزنى، من كتاب الطلاق. سنن أبى داود 1/ 539، 540. والترمذى، في: باب ومن سورة الفرقان، من أبواب التفسير، عارضة الأحوذى 12/ 57. والنسائى، في: باب ذكر أعظم الذنب، من كتاب تحريم الدم. المجتبى 7/ 82، 83. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 380، 431، 434، 462.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في حَقِّ الأبِ لمَعْنًى مُخْتَصٍّ بالمَحَلِّ، لا لقُصُورٍ في السَّبَبِ المُوجِبِ، فلا يَمْنَعُ عَمَلَه (1) في المَحَلِّ الذى لا مانِعَ فيه. وأمَّا شَرِيكُ الخاطِئ، ففيه رِوايتان؛ إحْدَاهما، يَجِبُ القِصاصُ، فهو كمَسألَتِنا، ومع التَّسْلِيمِ فامْتِناعُ (2) الوُجُوبِ فيه لقُصُورِ السَّبَبِ عن الإِيجابِ، فإنَّ فِعْلَ الخَاطئِ غيرُ مُوجِبٍ للقِصاصِ، ولا صالحٍ له، والقَتْلُ منه ومِن شَرِيكِه غيرُ مُتَمَحِّضٍ عَمْدًا، لوُقُوع اِلخَطَأ في الفِعْلِ الذى حَصَل به زُهُوقُ الرُّوحِ، بخِلافِ مسألتِنا. وكذلك كلُّ شَريكَيْن امْتَنَعَ القِصاصُ في حَقِّ أحَدِهما لمَعْنًى فيه مِن غيرِ قُصُورٍ في السَّبَبِ، فهو في وُجُوبِ القِصاصِ على شَرِيكِه كالأبِ وشَرِيكِه، كالمُسْلِمِ والذِّمِّىِّ في قَتْلِ ذِمِّىٍّ، والحُرِّ والعبدِ في قَتْلِ العبدِ، إذا كان القَتْلُ عمدًا (3) عُدْوانًا، فإنَّ القِصاصَ لا يجبُ على المُسْلِمِ ولا على الحُرِّ، ويجبُ على الذِّمِّىِّ والعبدِ، إذا قُلْنا بوُجُوبِه على شَرِيكِ الأبِ، لأَنَّ امْتِناعَ القِصاصِ عن المُسْلِمِ لإسلامِه، وعن الحُرِّ لحُرِّيَّتِه، وانْتِفاءِ مُكافأةِ المَقْتُولِ له، وهذا المَعْنَى لا يَتَعَدَّى إلى فِعْل شَرِيكِه، فلم يَسْقُطِ القِصاصُ عنه. وقد رُوِى عن أبى عبدِ اللَّه، أنَّه سُئِل عن حُرٌّ وعبدٍ قَتَلا عَبْدًا عمدًا، فقال: أمَّا الحُرُّ فلا يُقْتَلُ بالعبدِ، والعبدُ
(1) في الأصل: «علمه» .
(2)
في الأصل: «بامتناع» .
(3)
سقط من: تش، ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إن شاء سَيِّدُه أسْلَمَه، وإلَّا فَداه بِنصْفِ قِيمَةِ العبدِ. وظاهِرُ هذا أنَّه لا قِصاصَ على العبدِ، فيُخَرَّجُ مثلُ (1) هذا في كلِّ قَتْلٍ شارَكَ فيه مَن لا يجِبُ عليه القِصاصُ.
فصل: فإنِ اشْتَرَكَ في القتْلِ صَبِىٌّ ومَجْنُونٌ وبالِغٌ، فالصَّحِيحُ في (2) المَذْهَبِ أنَّه لا قِصاصَ على البالغِ. وبهذا قال الحسنُ، والأوْزاعِىُّ، وإسحاقُ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُه. وهو أحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ. وعن أحمدَ رِوايَةٌ أُخْرَى، أنَّ القَوَدَ يجبُ على البالغِ العاقلِ. حَكاها ابنُ المُنْذِرِ (3) عن أحمدَ. وحُكِىَ ذلك عن مالكٍ. وهو القولُ الثَّانى للشافعىِّ. ورُوِىَ عن قَتادَةَ، والزُّهْرِىِّ، وحَمَّادٍ؛ لأَنَّ القِصاصَ عُقُوبَةٌ يَجِبُ عليه جَزاءً لفِعْلِه، فمتى كان فِعْلُه عَمْدًا (4) عُدْوانًا، وَجَب عليه القِصاصُ، ولا نَظَرَ إلى فِعْلِ شَريكِه بحالٍ، ولأنَّه شارَكَ في القَتْلِ عَمْدًا عُدْوانًا، فوَجَبَ عليه القِصاصُ، [كشَرِيكِ الأجْنَبِىِّ، وذلك لأَنَّ الإنسانَ إنَّما يُؤاخَذُ (5) بفِعْلِ نَفْسِه لا بفِعْلِ غيرِه. فعلى هذا، يُعْتَبَرُ فِعْلُ الشرِيك مُنْفَرِدًا، فمتى تَمَخَّضَ عَمْدًا عُدْوانًا، وكان المَقْتُولُ مُكافِئًا له](6)،
(1) سقط من: الأصل، تش.
(2)
في ق، م:«من» .
(3)
انظر: الإشراف 3/ 70.
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
في م: «يؤخذ» .
(6)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[وَجَب عليه القِصاصُ](1). وبَنَى الشافعىُّ قولَه على أنَّ عَمْدَ الصَّبِىِّ والمَجْنُونِ إذا تَعَمدَاه عمدٌ؛ لأنَّهما يَقْصِدان القَتْلَ، وإنَّما سُقُوطُ القِصاصِ عنهما لمعنًى فيهما، وهو عَدَمُ التَّكْلِيفِ، فلم يَقْتَضِ [سُقُوطَه عن](2) شَرِيكِهما، كالأُبُوَّةِ. ولَنا، أنَّه شارَكَ مَن لا إثْمَ عليه في فِعْلِه، فلم يَلْزَمْه قِصاصٌ، كشَرِيكِ الخاطِئِ، ولأَنَّ الصَّبِىَّ والمَجْنُونَ ليس لهما قَصْدٌ صَحِيحٌ، ولهذا لا يَصِحُّ إقْرارُهما، فكان حُكْمُ فِعْلِهما (3) حُكْمَ الخَطَأ، ولهذا تَحْمِلُه العاقِلَةُ، فيكونُ الأُوْلَى عَدَمَ وُجُوبِ القِصاصِ.
فصل: ولا يَجِبُ القِصاصُ على شَرِيكِ الخاطِئ في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ. وبه قال الشَّافعىُّ، وأصْحابُ الرَّأْى. وعن أحمدَ أنَّ عليه القِصاصَ. وحُكِىَ عن مالكٍ؛ لأنَّه شارَكَ في القَتْلِ عَمدًا عُدْوانًا، فأشْبَهَ شَرِيكَ العامِدِ، ولأَنَّ مُؤاخَذَتَه بفِعْلِه، وفِعْلُه عمدٌ عُدْوانٌ. ولَنا، أنَّه قَتْلٌ لم يَتَمَحَّضْ عمدًا، فلم يَجِبْ به القِصاصُ، كشبْه العمدِ، وكما لو قَتَلَه واحِدٌ بجُرْحَيْن عمدًا وخَطَأً، ولأَنَّ كلّ واحدٍ مِن الشَّرِيكيْنِ مُباشِرٌ ومُتَسَبِّبٌ، فإذا كانا عامِدَيْن، فكلُّ واحِدٍ مُتَسَبِّبٌ إلى فِعْلٍ مُوجبٍ للقِصاصِ، فقام فِعْلُ شَرِيكِه مَقامَ فِعْلِه (4) لتَسَبُّبِه إليه، وههُنا إذا أَقَمْنا
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل، تش:«سقوط غير» .
(3)
في م: «فعلها» .
(4)
في تش: «فعل نفسه» .