الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ عَلِمَ آكِلُهُ بِهِ وَهُوَ عَاقِلٌ بَالِغٌ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِ نَفْسِهِ، فَأَكَلَهُ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ. فَإِنِ ادَّعَى الْقَاتِلُ بِالسُّمِّ: إِنَّنِى
ــ
وهو عالِمٌ به. فأمّا إن أكَلَه عالِمًا (1) به، وهو بالِغٌ عاقِلٌ، فلا ضَمانَ عليه، كما لو قَدَّمَ إليه سِكِّينًا فوَجَأَ بها نَفْسَه.
4047 - مسألة: (فإن خَلَط السُّمَّ بطعامِ نفسِه، فدَخَلَ إنْسانٌ مَنْزِلَه فأكَلَه، فلا ضَمانَ عليه)
لأنَّه لم يَفْعَلْه (2)، وإنَّما الدّاخِلُ قَتَل نفسَه، فأشْبَهَ ما لو حَفَر في دارِه بئرًا، فدَخَلَ رجل فوَقَعَ فيها. وسواء قَصَد بذلك قَتْلَ الدّاخِلِ، مثلَ أن يَعْلَمَ أنَّ ظالِمًا يُرِيدُ هُجُومَ دارِه، فتَرَكَ السُّمَّ في الطَّعامِ ليَقْتُلَه، فهو كما لو حَفَر بئرًا في دارِه ليَقَعَ فيها اللِّصُّ إذا دَخَل ليَسْرِقَ منها. ولو دَخَل رجلٌ بإذْنِه، فأكَلَ الطَّعامَ المَسْمُومَ بغيرِ إذْنِه، لم يَضْمَنْه لذلك.
4048 - مسألة: (فإنِ ادَّعَى القاتِلُ بِالسُّمِّ: إنَّنِى لم أعْلَمْ أنَّه سُمٌّ
(1) في ق، م:«وهو عالم» .
(2)
في الأصل، تش:«يدخل» .
لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ سُمٌّ قَاتِلٌ. لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُه، فِى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَيُقْبَلُ فِى الآخَرِ، وَتَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ.
ــ
قاتِلٌ. لم يُقْبَلْ قولُه في أحَدِ الوَجْهَيْن) لأَنَّ السُّمَّ مِن جِنْسِ ما يَقْتُلُ غالِبًا، فأشْبَهَ ما لو جَرَحَه وقال: لم أعْلَمْ أنَّه يموتُ منه. والثانى، لا قَوَدَ عليه؛ لأنَّه يجوزُ (1) أن يَخْفى عليه أنَّه قاتِلٌ، وهذا شُبْهَةٌ يَسْقُطُ بها (2) القَوَدُ، فيكونُ شِبْهَ عمدٍ.
فصل: فإن سَقَى إنْسانًا سُمًّا، أو خَلَطَه بطَعَامِه، فأكَلَ وهو لا يَعْلَمُ به، وكان (3) ممّا (4) لا يَقْتُلُ مثلُه غالِبًا، فهو شِبْهُ عمدٍ. فإنِ اخْتُلِفَ فيه، هل يَقْتُلُ غالِبًا أو لا؟ [وثَمَّ](5) بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ، عُمِل بها. وإن قالت (6): تَقْتُلُ
(1) في م: «لا يجوز» .
(2)
في ق، م:«به» .
(3)
في م: «هو» .
(4)
في الأصل: «ممن» .
(5)
سقط من: الأصل، تش.
(6)
أى البينة. وانظر المغنى 11/ 454.
الثَّامِنُ، أَنْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا.
ــ
النِّضْوَ الضَّعِيفَ دُونَ القَوِىِّ. أو غيرَ ذلك، عُمِل على حَسَبِ ذلك. فإن لم يكُنْ مع أحَدِهما بَيِّنَةٌ، فالقولُ قولُ السَّاقِى؛ لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ القِصاصِ، فلا يَثْبُتُ بالشَّكِّ، ولأنَّه أعْلَمُ بصِفَةِ ما يَسْقِى. فإن ثَبَت أنَّه قاتِلٌ فقال: لم أعْلَمْ به. ففيه الوَجْهان المَذْكُوران.
(الثامنُ، أن يَقْتُلَه بسِحْرٍ يَقْتُلُ غالِبًا) فيَلْزَمُه القَوَدُ؛ لأنَّه قَتَلَه بما يَقْتُلُ غالِبًا، فأشْبَهَ قَتْلَه بالسِّكِّينِ. وإن كان ممَّا لا يَقْتُلُ غالِبًا، أو كان ممّا يَقْتُلُ ولا يَقْتُلُ، ففيه الدِّيَةُ دُونَ القِصاصِ؛ لأنَّه عمدُ الخَطَأ، فأشْبَهَ ضَرْبَ العَصَا.
التَّاسِعُ، أَنْ يَشْهَدَا عَلَى رَجُل بِقَتْل عَمْدٍ، أَوْ زِنًى، أَوْ رِدَّةٍ فَيُقْتَلَ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعَا وَيَقُولَا: عَمَدْنَا قَتْلَهُ. أَوْ يَقُولَ الْحَاكِمُ: عَلِمْتُ كَذِبَهُمَا، وَعَمَدْتُ قَتْلَهُ. أَوْ يَقُولَ ذَلِكَ الْوَلِى. فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ مُوجبٌ لِلْقِصَاصِ إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُهُ.
ــ
(التاسعُ، أن يَشْهَدا على رجلٍ بقَتْلٍ عَمْدٍ، أو زِنًى، أو رِدَّةٍ، فيُقْتَلَ بذلك، ثم يَرْجِعا ويقولا: عَمَدْنا قَتْلَه. أو يقولَ الحاكمُ: عَلِمْتُ كَذِبَهما، وعَمَدْتُ قَتْلَه. أو يقولَ ذلك الوَلِىُّ، فهذا كلُّه عما مَحْضٌ مُوجِبٌ للقِصاصِ إذا كَمَلَتْ شُرُوطُه) وبهذا قال الشافعىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا قِصاصَ عليهما؛ لأنَّه بسَبَبٍ غيرِ مُلْجِئٍ، فلا يُوجِبُ القِصاصَ، كحَفْرِ البئْرِ. ولَنا، ما روَى القاسمُ بنُ عبدِ الرحمنِ، أنَّ رَجُلَيْن شَهِدا عندَ على، كَرَّمَ اللَّه وَجْهَه، على رجلٍ أنَّه سَرَق، فقَطَعَه، ثُمَّ رَجَعا عن شَهادَتِهِما، فقال علىٌّ: لو أعْلَمُ أنَّكما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَعَمَّدْتُما، لقَطَعْتُ أيْدِيَكما. وغَرَّمَهما دِيَةَ يَدِهْ (1). ولأنَّهما تَوَصَّلا إلى قَتْلِه بسَبَبٍ يَقْتُلُ غالِبًا، فوَجَبَ عليهما القِصاصُ، كالمُكْرَهِ (2). وكذلك الحاكمُ إذا حَكَم على رجل بالقَتْلِ عالِمًا بذلك مُتَعَمِّدًا، فقَتَلَه، و (3) اعْتَرَفَ بذلك، وجَبَ القِصاصُ، والكلامُ فيه كالكلامِ في الشّاهِدَيْن، ولو أنَّ الوَلِىَّ الذى باشَرَ قَتْلَه أقَرَّ بعِلْمِه بكَذِبِ الشُّهُودِ وتَعَمُّدِ قَتْلِه، فعليه القِصاصُ. لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. فإن أقَرِّ الشّاهِدان والحاكمُ والوَلِىُّ جميعًا بذلك، فعلى الوَلِىِّ القِصاصُ؛ لأنَّه باشَرَ القَتْلَ عمدًا عُدْوانًا (4). ويَنْبَغِى أن لا يَجِبَ على غيرِه شئٌ؛ لأنَّهم مُتَسَبِّبُون،
(1) أخرجه البخارى، في: باب إذا أصاب قوم من رجل. . .، من كتاب الديات. صحيح البخارى 9/ 10 معلقا.
ووصله ابن أبى شيبة، في: المصنف 9/ 408، 409. والدارقطنى، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطنى 3/ 182. والبيهقى، في: باب الاثنين أو أكثر يقطعان يد رجل معا، من كتاب الجنايات. السنن الكبرى 8/ 41. كلهم عن الشعبى.
(2)
في الأصل: «كالكره» .
(3)
في الأصل، تق:«أو» .
(4)
في م: «وعدوانا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمُباشَرَةُ تُبْطِلُ حكمَ المُتَسَبِّبِ، كالدّافِعِ مع الحافِرِ. ويُفارِقُ هذا ما إذا (1) لم يُقِرَّ؛ لأنَّه لم يَثْبُتْ حُكْمُ مُباشَرَةِ القَتْلِ في حَقِّه ظُلْمًا، فكان وُجُودُه كعَدَمِه. ويكونُ القِصاصُ على الشَّاهِدَيْن والحاكِمِ؛ لأَنَّ الجميعَ مُتَسَبِّبُون. وإن صار الأمْرُ إلى الدِّيَةِ، فهى عليهم أثْلاثًا. ويَحْتَمِلُ أن يتَعَلَّقَ الحكمُ بالحاكم وحدَه؛ لأَنَّ سَبَبَه أخَصُّ مِن سَبَبِهم، فإنَّ حُكْمَه واسِطَةٌ بينَ شَهادَتِهم وقَتْلِه، فأشْبَه المُباشِرَ مع المُتَسَبِّبِ. فإن كان الوَلِىُّ المُقِرُّ بالتَّعَمُّدِ لم يُباشِرِ القَتْلَ، وإنَّما وَكَّلَ فيه، فأقَرَّ الوَكِيلُ بالعِلْمِ وتَعَمُّدِ القَتْلِ
(1) سقط من: الأصل، تش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ظُلْمًا، فهو القاتِلُ وحدَه؛ لأنَّه مُباشِرٌ للقَتْلِ عَمدًا ظُلْمًا مِن غيرِ إكرْاهٍ، فتَعَلَّقَ الحكمُ به، كما لو قَتَل في غيرِ هذه الصُّورَةِ، وإن لم يَعْتَرِفْ بذلك، فالحكمُ مُتَعَلِّقٌ بالوَلِىِّ، كما لو باشَرَه.