الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَإِنْ قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً، فَرَضُوا بِقَتْلِهِ، قُتِلَ لَهُمْ، وَلَا شَىْءَ لَهُمْ سِوَاهُ،
ــ
كالجائِفَةِ والقَطْعِ مِن غيرِ مَفْصِلٍ. وهذا كلُّه مَذْهَبُ الشَّافعىِّ.
فصل: (فإن قَتَل واحِدٌ جماعةً، فرَضُوا بقَتْلِه، قُتِل لهمِ، ولا شئَ لهم سِواه) وجملةُ ذلك، أَنَّه إذا قتَل واحِدٌ اثْنَيْن أو أكثرَ، فاتَّفقَ أوْلِياؤُهم على قَتْلِه بهم، قُتِل لهم؛ لأَنَّ الحقَّ لهم، وقد رَضُوا به، ولا شئَ لهم سواه، لأَنَّ الحقَّ لا يَتَّسِعُ لأكْثرَ مِن واحدٍ. فإن أراد أحَدُهم القَوَدَ، والآخَرُون الدِّيَةَ، قُتِل لمَن اخْتارَ القَوَدَ، وأُعْطِىَ الباقون دِيَةَ قَتْلاهم مِن مالِ القاتلِ، سواءٌ كان المُخْتارُ للقَوَدِ الأوَّلَ أو الثَّانِى، أو مَن بعدَه، وسواءٌ قَتَلَهم دَفْعَةً واحدةً، أو دَفْعَتَيْن، أو دَفَعات. فإن بادَرَ أحَدُهم فَقَتَلَه، وَجَبَ للباقين دِيَةُ قَتْلاهم في مالِه، أيُّهم كان. وقال أبو حنيفةَ، ومالكٌ: يُقْتَلُ بالجماعةِ، وليس لهم إلَّا ذلك، وإن طَلَب بعضُهم الدِّيَةَ، فليس له، وإن بادَرَ أحَدُهم فَقَتَلَه، سَقَط حَقُّ الباقين؛ لأَنَّ الجماعةَ لو قَتَلُوا واحدًا قُتِلُوا به، فكذلك إذا قَتَلَهم واحدٌ قُتِل بهم، كالواحدِ بالواحدِ. وقال الشَّافعىُّ: لا يُقْتَلُ إلَّا بواحدٍ، سواءٌ اتَّفَقُوا على الطَلَبِ للقِصاصِ، أو لم يَتَّفِقُوا؛ لأنَّه إذا كان لكلِّ واحدٍ اسْتِيفاءُ القِصاصِ، فاشْتِراكُهم في المُطالَبةِ لا يُوجِبُ تَداخُلَ حُقُوقِهم، كسائرِ الحُقُوقِ. ولَنا، على أبى حنيفةَ، قولُ النبىِّ صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ، فَأهْلُه بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ؛ إنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَحَبُّوا قَتَلُوا، وإنْ أحَبُّوا أخَذُوا العَقْلَ» (1). [فظاهرُ هذا أنَّ أهلَ كلِّ قَتِيل يَسْتَحِقُّون ما اخْتارُوه مِن القَتْلِ أو الدِّيَةِ، فإذا اتَّفَقُوا](2) على القَتْلِ وَجَب لهم، وإنِ اخْتارَ بعضُهم الدِّيَةَ، وجَبَتْ له (3) بظاهرِ الخَبَرِ، ولأنَّهما جِنايَتان لا تَتداخَلان إذا كانتا خَطَأ أو إحْداهما، فلم تَتَداخَلْ في العمدِ، كالجِنايةِ على الأطْرَافِ، وقد سَلَّمُوها. ولَنا، على الشَّافعىِّ، أنَّه مَحَلٌّ تَعَلَّقَتْ به حُقُوقٌ لا يَتَّسِعُ لها [معًا، رَضِىَ المُسْتَحِقُّون](4) به عنها، فيُكْتَفَى به، كما لو قَتَل عَبْدٌ عبيدًا خَطَأً فرَضِىَ سيِّدُهم بأخْذِه عنهم، ولأنَّهم رَضُوا بدُونِ حَقِّهم، فجاز، كما لو رَضِىَ صاحبُ الصحيحةِ بالشَّلَّاءِ، ووَلِىُّ الحُرِّ بالعبدِ، والمسلمُ بالكافرِ. وفارَقَ ما إذا كان القَتْلُ خَطَأً، فإنَّ أرْش الجِنايةِ يجِبُ في الذِّمَّةِ، والذِّمَّةُ تَتَّسِعُ لحُقُوقٍ كثيرةٍ. وما ذَكَرَه أبو حنيفةَ ومالكٌ لا يَصِحُّ؛ لأَنَّ الجماعةَ إنَّما قُتِلُوا بالواحدِ، لئَلَّا يُؤَدِّى الاشْتِراكُ إلى إسْقاطِ القِصاصِ، تَغْلِيظًا للقِصاصِ، ومُبالغَةً في الزَّجْرِ، وفى مسألَتِنا يَنْعَكِسُ هذا، فإنَّه إذا عَلِم أنَّ القِصاصَ واجِبٌ عليه بقَتْلِ واحدٍ، ولا يَزْدادُ بقَتْلِ الثَّانى والثَّالثِ، بادَرَ إلى قَتْلِ مَن يُرِيدُ قَتْلَه، فيصيرُ هذا كإسْقاطِ القِصاصِ عنه ابتداءً مع الدِّيَةِ.