الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
الثَّالِثُ، أَنْ يُؤْمَنَ فِى الِاستِيفَاءِ التَّعَدِّى إِلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ، فَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى حَامِلٍ، أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ وُجُوبِهِ، لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ،
ــ
كاملةٌ، كما لو قَلَع الأعْوَرُ عينَ صحيحٍ، فإنَّه يجبُ عليه دِيَةُ عَيْنِه، وهو دِيَةٌ كامِلَةٌ. والصَّحيحُ الأَوَّلُ؛ لأَنَّ الواجِبَ بَدَلُ المُتْلَفِ، ولا يَخْتَلِفُ باخْتِلافِ المُتْلَفِ، ولذلك لو قَتَل عبد قِيمَتُه ألْفان حُرًّا، لم يَمْلِكِ العَفْوَ على أكْثَرَ مِن الدِّيَةِ. وأمَّا القصاصُ، فهو عُقُوبَة على الفِعْلِ، فيَتَعَدَّدُ (1)
بتعَدُّدِه (2).
فصل: قال الشَّيخُ، رحمه الله:(الثَّالثُ، أن يُؤْمَنَ في الاسْتِيفاءِ التَّعَدِّى إلى غيرِ القاتِلِ، فلو وَجَب القِصاصُ على حاملٍ، أو حَمَلَتْ بعدَ وُجُوبِه، لم تُقْتَلْ حتَّى تَضَعَ الولَدَ وتَسْقِيَه اللِّبَأَ)(3) لا نَعْلَمُ في ذلك خِلافًا، وسَواءٌ كان القِصاصُ في النَّفْسِ أو في الطَّرَفِ، أمَّا في النَّفْس فلِقَولِ اللَّهِ تعالى:{فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} (4). وقَتْلُ الحامِلِ قَتْلٌ لغيرِ الحامِلِ، فيكونُ إسْرافًا. ورَوَى ابنُ ماجه (5) بإسنادِه عن عبدِ الرحمنِ
(1) في الأصل: «فيعد» .
(2)
في م: «بعدده» .
(3)
اللبأ: أول اللبن.
(4)
سورة الإسراء 33.
(5)
في: باب الحامل يجب عليها القود، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 898، 899.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابنِ غَنْمٍ، قال: حَدَّثَنا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ، وأبو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرّاحِ، وعُبادَةُ ابنُ الصامِتِ، وشَدَّادُ بنُ أوْس، قالوا: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قَتَلتِ المَرْأةُ عَمْدًا، لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِى بَطنهَا إنْ كَانَت حَامِلًا، وحَتَّى تُكَفِّلَ وَلَدَهَا، وإن زَنَتْ، لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِى بَطْنِهَا؛ وحَتَّى تُكَفِّلَ وَلَدَهَا» . وهذا نَصٌّ. ولأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم قال للغامِدِيَّةِ المُقِرَّةِ بالزِّنَى: «ارْجِعِى حَتَّى تَضَعِى مَا فِى بَطْنِكِ» . ثم قال لها: «ارْجِعِى حَتَّى تُرْضعِيهِ» (1). ولأنَّ هذا إجْماعٌ مِن أَهْلِ العلمِ لا نَعْلَمُ بينَهم (2) فيه اخْتِلافًا. وأمَّا الاقْتِصاصُ في الطَّرَفِ؛ فلأنَّنا مَنعْنا الاستِيفاءَ فيه خَشْيَةَ السِّرايَةِ إلى الجانى، أو (3) إلى زِيادَةٍ في حَقِّه، [فلأن نَمْنَعَ](4) منه خَشْيَة السِّرَايةِ (5) إلى غيرِ الجانى، وتَفْويتِ نَفْس مَعْصُومةٍ أوْلَى وأحْرَى. ولأن في القِصاصِ منها قَتْلًا لغيرِ الجانى، وهو حَرامٌ. وإذا
(1) أخرجه مسلم، في: باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1322 - 1324. وأبو داود، في: باب في المرأة التى أمر النبى صلى الله عليه وسلم برجمها من جهينة، من كتاب الحدود. سنن أبى داود 2/ 462. والترمذى، في: باب تربص الرجم بالحبلى حتى تضع، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 211، 212. والنسائى، في: باب الصلاة على المرجوم، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 51. والدارمى، في: باب العامل إذا اعترفت بالزنى، من كتاب الحدود. سنن الدارمى 2/ 179، 180. والإمام مالك، مرسلًا، في: باب ما جاء في الرجم، من كتاب الحدود. الموطأ 2/ 821، 822. والإمام أحمد، في: المسند 4/ 429، 430، 435 - 437، 440، 5/ 348.
(2)
سقط من: في، م.
(3)
في م: «و» .
(4)
في الأصل، تش:«فلا يمنع» .
(5)
في الأصل: «الزيادة» .
ثُمَّ إِنْ وُجِدَ مَنْ يُرْضِعُهُ، وَإلَّا تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ، وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِى الطَّرَفِ حَالَ حَمْلِهَا.
ــ
وَضَعَتْ، لم تُقْتَلْ حتَّى تَسْقِىَ الولدَ اللِّبَأَ؛ لأَنَّ الوَلَدَ يَتَضَرَّرُ بتَرْكِه ضَرَرًا كثيرًا (1). ثم إن لم يكُنْ للولدِ مَن يُرْضِعُه، لم يَجُزْ قَتْلُها حتَّى يَجِيئَ أوانُ فِطامِه؛ لِما ذكَرْنا مِن الخَبَرَيْن. ولأنَّه لَمَّا أخِّرَ الاسْتِيفاءُ لحِفظِه وهو حَمْل، فلأن يُؤَخَّرَ لحفظِه بعدَ وَضْعِه أوْلَى، إلَّا أن يكونَ القِصاصُ فيما دُونَ النَّفْسِ، ويكونَ الغالِبَ بقاؤها، وعَدَمُ ضَرَرِ الاسْتِيفاءِ منها، فيُسْتَوْفَى. وإن وُجِد له مُرْضِعَة راتِبَة (2)، جازَ الاسْتِيفاءُ منها؛ لأنَّه يَسْتَغْنِى عنها بلَبَنِ المُرْضِعَةِ، وكذلك إن كانت مُتَرَدِّدَةً، أو نِساءً يتَنَاوَبْنَه
(1) في م: «كبيرًا» .
(2)
في الأصل: «زانية» .