الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا فِى الْقِصَاصِ ثُمَّ عَفَا، وَلَمْ يَعْلَمِ الْوَكِيلُ حَتَّى اقْتَصَّ، فَلَا شَىْءَ عَلَيْهِ. وَهَلْ يَضْمَنُ الْعَافِى؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَيَتَخرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ، وَيَرْجِعَ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِى
ــ
ولذلك لو لم يَعْفُ، لم يَجِبْ أكثرُ مِن دِيَةٍ، والقَطْعُ يَدْخُلُ في القَتْلِ في الدِّيَةِ دُونَ القِصاصِ، ولذلك لو أراد القِصاصَ كان له أن يَقْطَعَ ثم يَقْتُلَ، ولو صار الأمرُ إلى الدِّيَةِ لم يَجِبْ إلَّا دِيَةٌ واحدةٌ. وقال أبو الخَطَّابِ: له العَفْوُ إلى دِيَةٍ كاملةٍ. وهو قولُ بعضِ أصحابِ الشافعىِّ؛ لأَنَّ القَطْعَ مُنْفَردٌ عن القَتْلِ، فلم يَدْخُلْ حكمُ أحَدِهما في الآخَرِ، كما لو انْدَمَلَ. ولأَنَّ القَتْلَ مُوجِبٌ للقَتْلِ، فأوْجَبَ الدِّيَةَ كاملةً، كما لو لم يَتَقَدَّمْه عَفوٌ. وفارَقَ السِّرايةَ، فإنَّها لم تُوجِبْ قَتْلًا، ولأَنَّ السِّرايةَ عُفِىَ عن سَبَبِها، والقَتْلُ لم يُعْفَ عن شئٍ منه، ولا عن سَبَبِه. وسَواءٌ فيما ذَكَرْنا كان العافى عن الجُرْحِ أخَذَ ديَةَ طَرَفِه أو لم يَأْخُذْها.
4118 - مسَألة: (وإذا وَكَّلَ رجلًا في القِصاصِ ثم عَفا، ولم يَعْلَمِ الوَكِيلُ حتى اقْتَصَّ، فلا شئَ عليه. وهل يَضْمَنُ العافى؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن. ويَتَخَرَّجُ أن يَضْمَنَ الوَكِيلُ، ويَرْجِعَ به على المُوَكِّلِ فِى أحَدِ
أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَالْآخَرُ، لَا يَرْجِعُ بِهِ، وَيَكُونُ الْوَاجِبُ حَالًّا فِى مَالِهِ. وَقَاَل أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
ــ
الوَجْهَيْن؛ لأنَّه غَرَّه. والآخَرُ، لا يَرْجِعُ به، ويكونُ الواجِبُ حالًّا في مالِه. وقال أبو الخَطّابِ: يكونُ على عاقِلَتِه) إذا وَكَّلَ مَن يَسْتَوْفِى القِصاصَ، صَحَّ. نَصَّ عليه أحمدُ. فإن وَكَّلَه، ثم غاب، وعفا المُوَكِّلُ عن القِصاصِ، واسْتَوْفَى الوَكِيلُ، نَظَرْنا؛ فإن كان عَفْوُه بعدَ القَتْلِ، لم يَصِحَّ؛ لأَنَّ حَقَّه قد اسْتُوفِىَ. وإن كان قبلَه وقد عَلِم الوَكِيلُ به، فقد قَتَلَه ظُلْمًا، فعليه القَوَدُ، كما لو قَتَلَه ابْتِداءً. وإن كان قَتَلَه قبلَ العِلْمِ بعَفْوِ المُوَكِّلِ، فقال أبو بكرٍ: لا ضَمانَ على الوكيلِ؛ لأنَّه لا تَفْرِيطَ منه، فإنَّ العَفْوَ حَصَل على وَجْهٍ لا يُمْكِنُ الوَكِيلَ اسْتِدْراكُه، فلم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَلْزَمْه ضَمانٌ، كما لو عَفا بعدَ ما رَمَاه. وهل يَلْزَمُ المُوَكِّلَ الضَّمانُ؟ فيه قَوْلان؛ أحَدُهما، لا ضَمانَ عليه؛ لأَنَّ عَفْوَه لم يَصِحَّ؛ لِما ذَكَرْنا مِن حُصُولِه في حالٍ لا يُمْكِنُه اسْتِدْراكُ الفِعْلِ، فوَقَعَ القَتْلُ مُسْتَحَقًّا له، فلم يَلْزَمْه ضَمانٌ، ولأَنَّ العَفْوَ إحْسانٌ، فلا يَقْتَضِى وُجُوبَ الضَّمانِ. والثانى، عليه الضَّمانُ؛ لأَنَّ قَتْلَ المَعْفُوِّ عنه حَصَل بأمْرِه وتَسْلِيطِه، على وَجْهٍ لا ذَنْبَ للمُباشِرِ فيه، فكان الضَّمانُ على الآمِرِ، كما لو أَمَرَ عبدَه الأعْجَمِىَّ بقَتْلِ مَعْصُومٍ. وقال غيرُ أبى بكرٍ: يُخَرجُ. في صِحَّةِ العَفْوِ وَجْهان؛ بِناءً على الرِّوايتَيْن [في الوَكِيلِ](1) هل يَنْعَزِلُ بعَزْلِ المُوَكِّلِ قبلَ عِلْمِه أو لا (2)؟ وللشافعىِّ قَوْلان كالوَجْهَيْن. فإن قُلْنا: لا يَصِحُّ العَفْوُ. فلا ضَمانَ على أحدٍ؛ لأنَّه قَتَل مَن يجبُ قَتْلُه بأمْرِ مُسْتَحِقِّه. وإن قُلْنا: يَصِحُّ العَفْوُ. فلا قِصاصَ فيه؛ لأَنَّ الوَكِيلَ قَتَل مَن يَعْتَقِدُ إباحَةَ قَتْلِه بسَبَبٍ هو مَعْذُورٌ فيه، فأشْبَهَ ما لو قَتَل في دارِ الحَرْبِ مَن يَعْتَقِدُه حَرْبِيًّا [فبان مسلمًا](3). وتَجِبُ الدِّيَةُ على الوَكِيلِ؛ لأنَّه لو عَلِم لوَجَبَ عليه
(1) سقط من: م.
(2)
انظر ما تقدم في 13/ 477 - 479.
(3)
سقط من: ق، م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القِصاصُ، فإذا لم يَعْلَمْ، تَعَلَّقَ به الضَّمانُ، كما لو قَتَل مُرْتَدًّا قبلَ عِلْمِه بإِسْلامِه. ويَرْجِعُ بها على المُوَكِّلِ؛ لأنَّه غَرَّه بتَسْلِيطِه على القَتْلِ وتَفْرِيطِه في تَرْكِ إعْلامِه بالعَفْوِ، فيَرْجِعُ عليه، كالغارِّ في النِّكاحِ بحُرِّيَّةِ أمَةٍ. ويَحْتَمِلُ أن لا يَرْجِعَ عليه؛ لأَنَّ العَفْوَ إحْسانٌ منه، فلا يَقْتَضِى الرُّجُوعَ عليه، بخِلافِ الغارِّ بالحُرِّيَّةِ. فعلى هذا، تكونُ الدِّيَةُ في مالِ الوَكِيلِ. اخْتارَه القاضى. وتكونُ حالَّةً؛ لأنَّه مُتَعَمِّدٌ للقَتْلِ، لكونِه قَصَدَه، وإنَّما سَقَط عنه القِصاصُ لمعنًى آخَرَ، فهو كقَتْلِ الأبِ. وقال أبو الخَطَّابِ: تكونُ على عاقِلَتِه؛ لأنَّه أُجْرِىَ مُجْرَى الخَطَأ، فأشْبَهَ ما لوِ قَتَل في دارِ الحَرْبِ مسلمًا يَعْتَقِدُه حَرْبِيًّا. وهذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ؛ لأنَّه ليس بعَمْدٍ مَحْضٍ، ولهذا لم يَجِبْ به القِصاصُ، فيكونَ عَمْدَ الخَطَأَ، فتَحْمِلَه العاقِلَةُ. وهذا اخْتِيارُ شيخِنا (1). وقد دَلَّ على ذلك خَبَرُ المرأةِ التى قَتَلَتْ جارَتَها وجَنِينَها بمِسْطَحٍ (2)، فقَضَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بالدِّيَةِ على عاقِلَتِها (3). فعلى قولِ القاضى، إن كان المُوَكِّلُ عَفا إلى الدِّيَةِ، فله الدِّيَةُ في تَرِكَةِ الجانى، ولوَرَثَةِ الجانى مُطالَبَةُ الوَكِيلِ بدِيَتِه، وليس للمُوَكِّلِ مُطالَبَةُ الوَكِيلِ بشئٍ. فإن قيل: فلِمَ قُلْتُم فيما إذا كان القِصاصُ لأخَوَيْن فقَتَلَه
(1) انظر: المغنى 11/ 585.
(2)
مسطح: عمود من أعمدة الخباء.
(3)
تقدم تخريجه في صفحة 18.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحَدُهما، فعليه نِصْفُ الدِّيَةِ، ولأخيه مُطالَبَتُه به في وَجْهٍ؟ قُلْنا: ثَمَّ أتْلَفَ حَقَّه، فرَجَعَ ببَدَلِه عليه، وههُنا أتْلَفَه بعدَ سُقُوطِ حَقِّ المُوَكِّلِ عنه، فافْتَرَقَا. وإن قُلْنا: إنَّ الوَكِيلَ يَرْجِعُ على المُوَكِّلِ. احْتَمَلَ أن تَسْقُطَ الدِّيَتان، لأنَّه لا فائدةَ في أن يَأْخُذَها الورثةُ مِن الوكيلِ، ثم يَدْفَعُوها إلى المُوَكِّلِ، ثم يَرُدَّها المُوَكِّلُ إلى الوَكِيلِ، فيكونُ تَكْلِيفًا لكلِّ واحدٍ منهم بغيرِ فائدةٍ. ويَحْتَمِلُ أن يَجِبَ ذلك؛ لأَنَّ الدِّيَةَ الواجِبَةَ في ذِمَّةِ الوَكِيلِ لغيرِ مَن للوكيلِ الرُّجُوعُ عليه، وإنَّما تَتَساقَطُ الدِّيتَان إذا كان لكلِّ واحدٍ مِن الغَرِيمَيْن على صاحِبِه مِثْلُ ما له عليه. ولأنَّه قد تكونُ الدِّيتَان مُخْتَلِفَتَيْن، بأن يكون أحَدُ المَقْتُولَيْن رجلًا والآخَرُ امرأةً. فعلى هذا، يَأْخُذُ ورثةُ الجانِى دِيَتَه مِن الوكيلِ، ويَدْفَعُون إلى المُوَكِّلِ دِيَةَ وَلِيِّه، ثم يَرُدُّ المُوَكِّلُ إلى الوَكِيلِ قَدْرَ ما غَرِمَه. وإن أحال وَرَثَةُ الجانِى على الوَكِيلِ، صَحَّ. فإن كان الجانى أقَلَّ دِيَةً مِثْلَ أن تكونَ امرأةٌ قَتَلَتْ رجلًا، فقَتَلَها الوكيلُ، فلوَرَثَتِها إحالةُ (1) المُوَكِّلِ بدِيَتِها؛ لأنَّه القَدْرُ الواجِبُ لهم على الوكيلِ، فيَسْقُطُ عن الوكيلِ والمُوَكِّلِ جميعًا، ويَرْجِعُ المُوَكِّلُ على وَرَثَتِها بِنصْفِ دِيَةِ وَلِيِّه. وإن كان الجانى رجلًا قَتَل امرأةً، فقَتَلَه الوَكِيلُ، فلوَرَثَةِ الجانى إحالةُ المُوَكِّلِ بدِيَةِ المرأةِ؛ لأَنَّ المُوَكِّلَ لا يَسْتَحِقُّ عليهم أكثرَ مِن دِيَتِها، ويُطالِبُون الوكيلَ بنِصْفِ دِيَةِ الجانى، ثم يَرْجِعُ به على المُوَكِّلِ.
(1) بعده في تش: «ورثة» .