الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَلَا قَطْعُ شَىْءٍ مِنْ أطْرَافِهِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، وَتَجِبُ فِيهِ دِيَتُهُ، سَوَاءٌ عَفَا عَنْهُ أو قَتَلَهُ.
ــ
4109 - مسألة: (وَلَا تَجُوزُ الزِّيادَةُ على ما أتَى به، رِوايَةً واحِدَةً، ولا قَطْعُ شئٍ مِن أطْرَافِه، فإن فَعَل، فلا قِصاصَ فِيهِ، وتَجِبُ فِيه دِيَتُه، سَواءٌ عَفا عنه أو قَتَلَه)
إذا زادَ (1) مُسْتَوْفِى القِصاصِ في النَّفْسِ على حَقِّه، مثْلَ أن يُقْتَلَ وَلِيُّه، فيَقْطَعَ المُقْتَصُّ (2) أطْرَافَه أو بعضَها، نَظَرْنا؛ فإن عَفا عنه بعدَ قَطْعِ طَرَفِه، فعليه ضَمانُ ما أتْلَفَ بدِيَتِه. وبهذا قال أبو حنيفةَ. وقال مالِكٌ، والشّافعىُّ، وابنُ المُنْذِرِ، وأبو يُوسُفَ، ومحمدٌ: لا ضَمانَ عليه، ولكنْ قد أساء، ويُعَزَّرُ، وسَواءٌ عَفا عن القاتِلِ أو قَتَلَه؛ لأنَّه قَطَعَ طَرَفًا مِن جُمْلَةٍ اسْتُحِقَّ إتْلافُها، فلم يَضْمَنْه، كما لو قَطَعَ إصْبَعًا مِن يَدٍ اسْتُحِقَّ قَطْعُها. ولَنا، أنَّه قَطَع طَرَفًا له قِيمَةٌ حالَ القَطْعِ بغيرِ حَقٍّ، فوَجَبَ عليه ضَمانُه، كما لو عَفا عنه ثم قَطَعَه، أو كما لو قَطَعَه
(1) في الأصل، تش:«أراد» .
(2)
سقط من: الأصل، تش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أجْنَبِىٌّ. فأمَّا إن قَطَعَه ثم قَتَلَه، احْتَمَلَ أن يَضْمَنَه أيضًا؛ لأنَّه يَضْمَنُه إذا عَفا عنه، فكذلك إذا لم يَعْفُ عنه (1)، لأَنَّ العَفْوَ إحْسان، فلا يكونُ مُوجِبًا للضَّمانِ. واحْتَمَلَ أن لا يَضْمَنَه. وهو قولُ أبى حنيفةَ؛ لأنَّه لو قَطَع مُتَعَدِّيًّا ثم قَتَلَه، لم يَضْمَنِ الطَّرَفَ، فلَأن لا يَضْمَنَه إذا كان القَتْلُ مُسْتَحَقًّا أوْلَى. فأمَّا القِصاصُ، فلا يَجبُ في الطَّرَفِ بحالٍ. ولا نعْلمُ فيه خِلافًا؛ لأَنَّ القِصاصَ عُقُوبَةٌ تُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، والشُّبْهَةُ ههُنا مُتَحَقِّقَةٌ؛ لأنَّه مُسْتَحِقٌّ لإتْلافِ هذا الطَّرَفِ ضِمْنًا لاسْتِحْقاتِه إتلافَ الجُمْلَةِ، ولا يَلْزَمُ مِن سُقُوطِ القِصاصِ أن لا تَجِبَ الدِّيَةُ، بدليلِ امْتِناعِه لعدمِ المُكافَأةِ. فأمَّا إن كان الجانى قَطَع طَرَفَه ثم قَتَلَه، فاسْتَوْفَى منه بمثْلِ فِعْلِه، فقد ذكَرْناه فيما مضى. وإن قَطَع طَرَفًا غيرَ الذى قَطعه الجانى، كان الجانى قَطَعَ يَدَه، فقَطَعَ المُسْتَوْفِى رِجْلَه، احْتَمَلَ أن يكونَ بِمَنْزِلَةِ ما لو قَطَع يَدَه؛ لاسْتِواء دِيَتهما (2). واحْتَمَلَ أن تَلْزَمَه دِيَةُ الرِّجْلِ؛ لأَنَّ الجانِىَ لم يَقْطَعها، فأشْبَهَ ما لو لم يَقْطَعْ يَدَه.
فصل: فأمَّا إن كانتِ الزِّيادَةُ في الاسْتِيفاءِ مِن الطَّرَفِ، مثلَ أنِ اسْتَحَقَّ قَطْعَ إصْبَعٍ، فقَطَعَ اثْنَتَيْن، فحُكْمُه حُكْمُ القاطع ابْتداءً، إن كان عمدًا مِن مَفْصِلٍ، أو شَجَّة يَجِبُ في مِثْلِها القِصاصُ، فعليه القِصاصُ في الزِّيادَةَ، وإن كان خَطَأً أو جُرْحًا لا يوجِبُ القِصاصَ، مثْلَ مَن يَسْتَحِقُّ
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل، تش:«ذمتهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُوضِحَةً فاسْتَوْفَى هاشِمَةً، فعليه أرْشُ الزِّيادةِ، إلَّا أن يكونَ ذلك بسبَبٍ مِن الجانى، كاضْطِرابِه حالَ الاسْتِيفاءِ، فلا شئَ على المُقْتَصِّ؛ لأنَّه حَصَل بفِعْلِ الجانى. فإنِ اخْتَلَفا هل فَعَلَه عمدًا أو خَطَأً؟ فالقولُ قَوْلُ المُقْتَصِّ مع يَمِينِه؛ لأَنَّ هذا ممّا يُمْكِنُ الخَطأُ فيه، وهو أعْلَمُ بقَصْدِه (1). وإن قال المُقْتَصُّ: حَصَل هذا باضْرابِك. أو: فِعْلٍ مِن جِهَتِك. فالقولُ قولُ المُقْتَصِّ منه؛ لأنَّه مُنْكِر. فإن سَرَى الاسْتِيفاءُ الذى حَصَلَتْ فيه الزِّيادةُ إلى نَفْسِ المُقْتَصِّ منه، أو إلى بعضِ أعْضائِه، مثلَ أن قَطَع إصْبَعَيْه (2) فسَرَى إلى جميعِ يَدِه، أو اقْتَصَّ منه بآلةٍ كالَّةٍ أو مَسْمُومَةٍ، أو في حالِ حَرٍّ مُفْرِطٍ، أو بَرْدٍ شديدٍ، فسَرَى، فقال القاضى: على المُقْتَصِّ نِصْفُ الآيةِ؛ لأنَّه تَلِفَ بفِعْلَيْن؛ جائِزٍ ومُحَرَّمٍ، ومَضْمُونٍ وغيرِ مَضْمُونٍ، فانْقَسَم الواجِبُ عليهما (3) نِصْفَيْن، كما لو جَرَحَه جُرْحًا في رِدَّتِه وجُرْحًا بعدَ إسْلامِه، فمات منهما. وهذا كلُّه مَذْهَبُ الشَّافعىِّ. قال شيخُنا (4): ويَحْتَمِلُ أن يَلْزَمَه ضَمانُ السِّرايَةِ كلِّها، فيما إذا اقْتَصَّ بآلةٍ مَسْمُومَةٍ أو كالَّةٍ؛ لأَنَّ الفِعْلَ كلَّه مُحَرَّمٌ، بخِلافِ قَطْعِ الإصْبَعَيْن.
(1) في م: «بمقصده» .
(2)
في ق، م:«إصبعه» .
(3)
في م: «عليها» .
(4)
في: المغنى 11/ 515.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فأمَّا إن قَطَع بعضَ أعْضائِه، ثم قَتَلَه بعدَ أن بَرَأتِ الجِراحُ، مثْلَ مَن قَطَع يَدَيْه ورِجْلَيْه فبَرَأتْ جِراحَتُه، ثم قَتَلَه، فقد اسْتَقَرَّ حُكْمُ القَطْعِ، ولِوَلِىِّ القَتِيل الخِيارُ، إن شاء عَفا وأخَذَ ثَلاثَ دِياتٍ؛ لنَفْسِه، ويَدَيْه، ورِجْلَيْه، لكلِّ واحِدٍ دِيَة، وإن شاء قَتَلَه قِصاصًا بالقَتْلِ، وأخَذَ دِيَتَيْن لأطْرافِه. وإن أحَبَّ قَطَع أطْرافَه الأربعةَ، وأخَذَ دِيَةً لنفسِه. وإن أحَبَّ قَطَع يَدَيْه، وأخَذَ دِيَتَيْن لنَفْسِه ورِجْلَيْه. وإن أحَبَّ قَطَع طَرَفًا واحِدًا، وأخَذَ دِيَةَ الباقى. وكذلك سائرُ فُرُوعِها؛ لأَنَّ حُكْمَ (1) القَطْعِ اسْتَقَرَّ (2) قبْلَ القَتْلِ. بالانْدِمالِ، فلم يَتَغَيَّرْ حُكْمُه بالقَتْلِ الحادِثِ بعدَه، كما لو قَتَلَه أجْنَبِىٌّ. ولا نَعْلَمُ خِلافًا في هذا.
فصل: فإنِ اخْتَلَفَ الجانى والوَلِىُّ في انْدِمالِ الجُرْحِ قبْلَ القَتْلِ، وكانتِ المُدَّةُ بينَهما يَسِيرَةً، لا يَحْتَمِلُ انْدِمالُه في مثلِها، فالقولُ قولُ الجانى بغيرِ يَمِين. وإنِ اخْتَلَفَا في مُضِىِّ المُدّةِ، فالقولُ قولُ الجانى مع يمينه؛ لأَنَّ الأَصْلَ عَدَمُ مُضِيِّها. وإن كانتِ المُدَّةُ ممّا يَحْتَمِلُ البُرْءُ فيها، فالقولُ قولُ الوَلِىِّ مع يَمِينِه؛ لأنَّه قد وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِ دِيَةِ اليَدَيْن بقَطْعِهما، والجاني يَدَّعِى سُقُوطَ دِيتهما بالقَتْلِ، والأَصْلُ عَدمُ ذلكْ. فإن كانت
(1) في الأصل: «حكمه» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للجانِى بَيِّنةٌ ببَقاءِ المجْنِىِّ عليه ضَمِنًا حتَّى قَتَلَهُ، حُكِمَ له بِبَيِّنتِه، وإن كانت للولِيِّ بِبُرْئِهَ، حُكِمَ له أيضًا، فإن تَعارَضَتا، قُدِّمَتْ بَيِّنةُ الوَلِىِّ؛ لأنَّها مُثْبِتَةٌ (1) للبُرْءِ. ويَحْتَمِلُ أن يكونَ القولُ قولَ الجانى، إذا لم يكنْ لهما بَيِّنَةٌ؛ لأنَّ الأَصْلَ بَقاءُ الجِراحةِ، وعَدَمُ انْدِمالِها. وإن قَطَع أطْرافَه فمات، واخْتَلَفا، هل بَرَأ قبْلَ المَوْتِ، أو مات بسِرِايةِ الجُرْحِ؟ أو قال الوَلِى: إنَّه مات بسَبَبٍ آخَرَ. كأنَّه (2) لُدِغَ، أو ذبَح نَفْسَه، أو ذَبَحَه غيرُه، فالحكمُ فيما إذا مات بغيرِ سَبَبٍ، كالحُكْمِ فيما إذا قَتَلَه سَواءً. وأمّا إذا مات بقَتْلٍ أو سَبَبٍ آخَرَ، ففيه وَجْهان؛ أحَدُهما، تقديمُ قولِ الجانى؛ لأَنَّ الظَّاهِرَ بَقاءُ الجِنايةِ، والأصْل عَدَمُ سَبَبٍ آخَرَ، فيكونُ الظّاهِرُ معه. والثَّانى، القولُ قولُ وَلِىِّ الجِنايةِ؛ لأَنَّ الأَصْلَ بَقاءُ الدِّيّتيْن اللَّتَيْن وُجِد سَبَبُهما، حتَّى يُوجَدَ ما يُزِيلُهما. فإن كانت دَعْواهما بالعَكْسِ، فقال الوَلِىُّ: مات مِن سِرايةِ قَطْعِك، فعليك القِصاصُ في النَّفْسِ. فقال الجانى: بل انْدَمَلَتْ جِراحَتُه قبلَ مَوْتِه. أو ادَّعَى مَوْتَه بسببٍ آخَرَ، فالقولُ قولُ الوَلِىِّ مع يمينه؛ لأَنَّ الجُرْحَ سَبَبٌ للموتِ، وقد تَحَقَّقَ، والأَصْلُ عَدَمُ الانْدِمالِ، وعَدَمُ سَبَبٍ آخَرَ يَحْصُلُ الزُّهُوقُ به. وسَواءٌ كان الجُرْحُ ممّا يَجِبُ به القِصاصُ في الطَّرَفِ، كقَطْعِ اليَدِ مِن مَفْصِل، أو لا يُوجِبُه،
(1) في الأصل، تش:«مبنية» .
(2)
في م: «كأن» .