الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
وَدِيَةُ الجَنِينِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إِذَا سَقَطَ مَيِّتًا غُرَّةٌ؛ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ، مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ، كَأَنَّهُ سَقَطَ حَيًّا، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.
ــ
يَلْزَمُه ما نقَص مِن (1) قِيمَتِه، ودَلِيلُهما ما سَبَقَ.
فصل: (ودِيَةُ الجَنِينِ الحُرِّ المُسْلِم إذا سِقَط مَيِّتًا غُرَّةٌ؛ عَبْدٌ أو أَمَةٌ، قِيمَتُها خَمْسٌ مِن الإِبلِ، مَوْروثَةٌ عنه، كأنَّه سقَط حَيًّا، ذَكرًا كان أو أُنْثَى) وهو نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ. يقال: غُرَّةٌ عَبْدٌ. بالصِّفَةِ. وغُرَّةُ عَبْدٍ بالإِضافةِ. والصِّفَةُ أحْسَنُ؛ لأَنَّ الغُرَّةَ اسْمٌ للعَبْدِ نفْسِه، قال مُهَلْهِلٌ (2):
كُلُّ قَتِيلٍ في كُلَيْبٍ غُرَّهْ
حَتَّى يَنَالَ القَتْلُ آلَ مُرَّهْ
(1) في الأصل، تش:«عن» .
(2)
الرجز في: الأغانى 5/ 47، ومقاييس اللغة 4/ 381، واللسان والتاج (غ ر ر).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجملةُ ذلك، أنَّ في جَنِينِ الحُرَّةِ المُسلمةِ غُرَّةً. هذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم عمرُ بن الخطابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، وعَطاءٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، ومالكٌ، والثَّوْرِىُّ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وأصْحابُ الرَّأْى. وقد رُوِى عن عُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه اسْتَشارَ النَّاسَ في إمْلاصِ المرأةِ (1)، فقال المُغيرَةُ بنُ شُعْبَةَ: شَهِدْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فيه بغُرَّةٍ عَبدٍ أو أمَةٍ. قال: لتَأْتِيَنَّ بمَن يَشْهَدُ معك. فشَهِدَ له محمدُ ابنُ مَسْلَمَةَ (2). وعن أبى هُرَيْرَةَ، رضى اللَّه عنه، قال: اقْتَتَلَتِ امرأتانِ مِن هُذَيْلٍ، فرَمَتْ إحْداهُما الأُخْرَى بحَجَرٍ، فقَتَلَتْها وما في بَطْنِها، فاخْتَصَمُوا إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقَضَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ دِيَةَ جَنِينِها عَبْدٌ أو أمَةٌ، وقَضَى بدِيَةِ المرأةِ على عاقِلَتِها، ووَرَّثَها (3) ولَدَها ومَن مَعَهُم. مُتَّفَقٌ عليه (4). والغُرَّةُ عَبْدٌ أو أمَةٌ، سُمِّيَا بذلك لأنَّهُما مِن أنْفَسِ
(1) إملاص المرأة: إلقاء ولدها ميتًا.
(2)
أخرجه البخارى، في: باب جنين المرأة، من كتاب الديات، وباب ما جاء في اجتهاد القضاة. . .، من كتاب الاعتصام. صحيح البخارى 9/ 14، 126. ومسلم، في: باب دية الجنين ووجوب الدية. . .، من كتاب القسامة. صحيح مسلم 3/ 1311. وأبو داود، في: باب دية الجنين، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 497. وابن ماجه، في: باب دية الجنين، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 882.
(3)
في الأصل، تش، م:«ورثها» .
(4)
تقدم تخريجه في صفحة 38.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأَمْوالِ، والأَصْلُ في الغُرَّةِ الخِيارُ. فإن قيل: فقد رُوِىَ في هذا الخبرِ: أو فَرَسٍ أو بَغْلٍ (1). قُلْنا: هذا لم يَثْبُتْ، روَاه عيسى بنُ يُونُسَ، ووَهِمَ فيه. قالَه أهْلُ النَّقْلِ. والحديثُ الصَّحِيحُ إنَّما (2) فيه: عَبْدٍ أو أمَةٍ.
فصل: وإنَّما تَجِبُ الغُرَّةُ إذا سقَط مِن الضَّرْبَةِ، ويُعْلَمُ ذلك بأن يَسْقُطَ عَقِيبَ الضَّرْبِ، أو تَبْقَى منها المَرْأةُ (3) مُتَألِّمَةً إلى أن يَسْقُطَ. ولو قتَل حامِلًا، ولم يَسْقُطْ جَنِينُها، أو ضرَب مَن في جَوْفِها حركةٌ أبى انْتِفاخٌ، فسكَّنَ الحَرَكَةَ وأذْهَبَها، لم يَضْمَنِ الجَنِينَ. وبهذا قال مالكٌ، وقَتادةُ، والأوْزاعِىُّ، والشافعىُّ، وابن المُنْذِرِ. وحُكِىَ عن الزُّهْرِىِّ أنَّ عليه غرَّةً؛ لأَنَّ الظاهِرَ أنَّه قتَل الجَنِينَ، فوَجَبَتِ الغُرَّةُ، كما لو أسْقَطَتْ. ولَنا، أنَّه لا يَثْبُتُ حكم الوَلَدِ إلَّا بخُروجِه، ولذلك لا يَصِحُّ له وَصِيَّةٌ ولا مِيرَاثٌ، ولأَنَّ الحَرَكَةَ يجوزُ أن تكونَ لرِيحٍ في البَطْنِ سكَنَتْ، فلا يَجِبُ الضَّمانُ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب دية الجنين، من باب الديات. سنن أبى داود 2/ 499.
(2)
بعده في الأصل: «هو» .
(3)
زيادة من: الأصل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالشَّكِّ. وأمَّا إذا ألْقَتْه مَيِّتًا، فقد تَحَقَّقَ، والظَّاهِرُ تَلَفُه مِن الضَّرْبَةِ، فيَجِبُ ضَمانُه، سَواءٌ ألْقَتْه في حَياتِها أو بعدَ مَوْتِها. وبهذا قال الشافعىُّ. وقال مالكٌ، وأبو حنيفةَ: إن ألْقَتْه بعدَ مَوْتِها لم يَضْمَنْه؛ لأنَّه يَجْرِى مَجْرَى أعْضائِها، وبمَوْتِها سقَط حُكْمُ أعْضائها. ولَنا، أنَّه جَنِينٌ تَلِفَ بجنايَتِه، وعُلِمَ ذلك بخروجِه، كما لو سقَط في حَياتِها، ولأنَّه لو سقَط حَيًّا ضَمِنَه، فكذلك إذا سقَط مَيِّتًا، كما لو أسْقَطَتْه في حَياتِها، وما ذكَرُوه غيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّه لو كان كذلك، لَكان إذا سقَط مَيِّتًا ثم ماتَتْ، لم يَضْمَنْه كأعْضَائها، ولأنَّه آدَمِىٌّ مَوْرُوثٌ، فلا يدخلُ في ضَمانِ أُمِّه، كما لو خرَج حَيًّا. فإن ظهَر بعْضُه مِن بَطْنِ أُمِّه، ولم يَخْرُجْ باقِيه، ففِيه الغُرَّةُ. وبه قال الشافعىُّ. وقال مالكٌ، وابن المُنْذِرِ: لا تَجِبُ الغُرَّةُ (1) حتَّى تُلْقِيَه؛ لأَنَّ النبىَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما أوْجَبَ الغُرةَ في الجَنِينِ الذى ألْقَتْه المرأةُ، وهذه لم تُلْقِ شيئًا، فأَشْبَهَ ما لو لم يَظْهَرْ منه شئٌ. ولَنا، أنَّه قاتلٌ لجَنِينِها، فلَزِمَتْه الغُرَّةُ، كما لو ظهَر جَمِيعُه، ويُفارِقُ ما لو لم يَظْهَرْ منه شئٌ، فإنَّه لم (2) يُتَيَقَّنْ قَتْلُه ولا وُجودُه. وكذلك إن ألْقَت يَدًا، أو رِجْلًا، أو رَأْسًا، أو جُزْءًا مِن أجْزاءِ الآدَمِىِّ تَجِبُ الغُرَّةُ؛ لأنَّا تَيَقَّنَّا أنَّه مِن جَنِينٍ. وإن ألْقَتْ رَأْسَيْنِ، أو أَرْبعَ أَيْدٍ، لم يَجِبْ أَكْثَرُ مِن غُرَّةٍ؛ لأَنَّ ذلك يجوزُ أن يكونَ مِن جَنِينٍ واحدٍ، ويجوزُ أن يكونَ مِن جَنِينَيْنِ، فلم تَجِبِ الزِّيادَةُ مع
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشَّكِّ؛ لأَنَّ الأَصْلَ بَراءَةُ الذِّمَّةِ، ولذلك لم يَجِبْ ضَمانُه إذا لم يَظْهَرْ، فإن أسْقَطَتْ ما ليس فيه صُورَةُ آدَمِىٍّ، فلا شئَ فيه؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ أنَّه جَنِينٌ. وإن ألْقَتْ مُضْغَة، فَشَهِدَ ثِقات مِن القَوابِلِ أنَّ فيه صُورَةً خفِيَّةً، ففيه غُرَّةٌ، وإن شَهِدْنَ أنَّه مُبْتَدأُ خَلْقِ آدَمِىٍّ لو بَقِىَ تَصَوَّرَ، ففِيه وَجْهان؛ أصَحُّهما، لا شئَ فيه؛ لأنَّه لم يَتَصَوَّرْ، فلم يَجِبْ فيه شئٌ، كالعَلَقَةِ، ولأَنَّ الأَصْلَ بَراءَةُ الذِّمَّةِ، فلا نَشْغَلُها بالشَّكِّ. والثانى، فيه غُرَّة؛ لأنَّه مُبْتَدأُ خَلْقِ آدَمِىٍّ، أَشْبَهَ ما لو تَصَوَّرَ. وهذا يَبْطُلُ بالنُّطْفَةِ (1) والعَلَقَةِ.
فصل: والغُرَّةُ عَبْدٌ أو أمَةٌ. وهو قوِلُ أكثرِ أهلِ العلمِ. وقال عُرْوَةُ، وطاوُسٌ، ومُجاهِدٌ: عَبْدٌ أو أمَةٌ أو فَرَسٌ؛ لأَنَّ الغُرَّةَ اسْمٌ لذلك، وقد جاءَ في حديثِ أبى هُرَيْرَةَ، قال: قَضَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الجَنِينِ بغُرَّةٍ عَبْدٍ (2) أو أمَةٍ أو فَرَسٍ أو بَغْلٍ (3). وجعَل ابنُ سِيرِينَ مكانَ الفَرَسِ مِائةَ شاةٍ، ونحوه قال الشَّعْبِىُّ؛ لأنَّه رُوِىَ في حديثِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه جعَل في ولَدِها مائةَ شاةٍ. روَاه أبو داودَ (4). ورُوِىَ عن عبدِ الملكِ بن مَرْوانَ، أنَّه قَضَى في الجَنِينِ إذا أُمْلِصَ بعِشْرِينَ دِينارًا، فإذا كان مُضْغَةً فأرْبَعِينَ، فإذا كان عَظْمًا فسِتِّينَ، فإذا كان العَظْمُ قد كُسِىَ لَحْمًا فثَمانِينَ، فإن
(1) في م: «بالمضغة» .
(2)
سقط من: م.
(3)
تقدم تخريجه بهذا اللفظ عند أبى داود في صفحة 412.
(4)
في: باب دية الجنين، من كتاب الديات. سنن أبى داود 2/ 499. وفى الرواية:«خمسمائة» مكان: «مائة» . قال أبو داود: والصواب: «مائة» . =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَمَّ خَلْقُه وكُسِىَ شَعَرُهُ فمِائة دِينارٍ (1). وقال قَتادةُ: إذا كان عَلَقَةً فثُلُث غُرَّةٍ، وإذا كان مُضْغَةً فثُلُثَىْ غُرَّةٍ (1). ولَنا، قَضاءُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في إمْلاصِ المرأةِ بعَبْدٍ أو أمَةٍ، وسُنَّةُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قاضِيَةٌ على ما خالَفَها. وذِكْر الفَرَسِ والبَغْلِ وَهَمٌ انْفَرَدَ به عيسى بنُ يُونُسَ عن سائرِ الرُّواةِ، وهو مَتْرُوكٌ في البَغْلِ بغيرِ خِلافٍ، فكذلك في الفَرَسِ، والحديثُ الذى ذكَرْناه أَصَحُّ ما رُوِىَ فيه، وهو مُتَّفَقٌ عليه، وقد قال به أكثرُ أهلِ العلمِ، فلا يُلْتَفَتُ إلى ما خالَفَه. وقولُ عبدِ الملكِ بنِ مَرْوانَ تحَكُّمٌ بتَقْديرٍ لم يَرِدْ به الشَّرْعُ، وكذلك قَتادةُ، وقولُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أحَقُّ بالاتِّباعِ مِن قولِهما. إذا ثبَت هذا، فإنَّه تَلْزَمه الغُرَّةُ، فإن أَرادَ دَفْعَ بَدَلِها، ورَضِىَ المدْفُوعُ إليه، جازَ؛ لأنَّه حَقُّ آدَمِىٍّ، فجازَ ما تَراضَيَا عليه، وأيُّهُما امْتَنَعَ مِن قَبُولِ البَدَلِ، فله ذلك؛ لأَنَّ الحَقَّ فيها (2)، فلا يُقْبَلُ بَدَلُها إلَّا برِضاهُما.
فصل: وقِيمَةُ الغُرَّةِ خَمْسٌ مِن الإِبلِ، وذلك نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ.
= كما أخرجه النسائى، في: باب دية جنين المرأة، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 41، 42، وقال النسائى: هذا وهم، وينبغي أن يكون أراد مائة من الغُرِّ.
(1)
أخرجهما عبد الرزاق، في: باب نذر الجنين، من كتاب العقول. المصنف 10/ 55، 56.
(2)
في م: «لهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رُوِىَ ذلك عن عمرَ، وزَيْدٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما. وبه قال النَّخَعِىُّ، والشَّعْبِىُّ، ورَبيعَةُ، ومالِك، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وأصْحابُ الرَّأْى. ولأَنَّ ذلك أقَلُّ ما قَدَّرَه الشَّرْعُ في الجِناياتِ، وهو أَرْشُ مُوضِحَةٍ ودِيَةُ السِّنِّ، فرَدَدْناه إليه. فإن قيل: فقد وَجَبَ في الأُنْمُلَةِ ثلاثَةُ أبعِرَةٍ وثُلُثٌ، [وذلك] (1) دُونَ ما ذَكَرُوِه. قُلْنا: الذى نَصَّ عليه صاحِبُ الشَّريعَةِ صلى الله عليه وسلم أَرْشُ المُوضِحَةِ، وهو خَمْسٌ مِن الإِبلِ. وإذا كان أبَوَا الْجَنِينِ كِتابِيَّيْنِ، ففِيه غُرَّةٌ قِيمَتُها نِصْفُ قِيمَةِ الغُرَّةِ الواجبةِ في المُسْلِمِ. وفى جَنِينِ المَجُوسِيَّة غُرَّة قِيمَتُها أرْبَعون دِرْهَمًا، فإذا تعَذَّرَ وُجودُ غُرَّةٍ بهذه الدَّراهِمِ، وجَبَتِ الدَّراهِمُ؛ لأنَّه مَوْضِعُ حاجَةٍ. وإذا اتَّفَقَ نِصْف عُشْرِ الدِّيَةِ مِن الأُصولِ كلِّها، بأن تكونَ قِيمَتُها خَمْسًا مِن الإِبِلِ وخَمْسِينَ دِينارًا أو سِتَّمائةِ دِرْهَمٍ، فلا كَلامَ، وإنِ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الإِبلِ، ونِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ مِن غيرِها، مثلَ أن كانت قِيمَةُ الإِبلِ أرْبعينَ دِينارًا أو أربعَمائةِ دِرْهَمٍ، فظاهِرُ كلامِ الخِرَقِىِّ أنَّها تُقَوَّمُ بالإِبلِ؛ لأنَّها الأصْلُ. وعلى قولِ غيرِه مِن أَصْحابِنا، تُقَوَّمُ بالذَّهَبِ أو الوَرِقِ، فتُجْعَلُ قِيمَتُها خَمْسينَ دِينارًا أو سِتَّمائةِ دِرْهَمٍ. فإنِ اخْتَلَفا، قُوِّمَتْ على أَهْلِ الذَّهَبِ به، وعلى
(1) في الأصل: «ذلك» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أَهْلِ الوَرِقِ به، فإن كان مِن أَهْلِ الذَّهَبِ والوَرِقِ جَميعًا، قَوَّمَها مَن هى عليه بما شاءَ منهما؛ لأَنَّ الخِيَرَةَ إلى الجانِى في دَفْعِ ما شاءَ مِن سائرِ الأُصُولِ. ويَحْتَمِلُ أن تُقَوَّمَ بأدْنَاهما على كلِّ حالٍ؛ لذلك. وإذا لم يَجِدِ الغُرَّةَ، انْتَقَلَ إلى خَمْسٍ مِن الإِبلِ. على قَوْلِ الخِرَقِىِّ. وعلى قولِ غيرِه، يَنْتَقِلُ إلى خَمْسِينَ دِينارًا أو سِتِّمائةِ دِرْهَمٍ.
فصل: والغُرَّةُ مَوْرُوثَةٌ عنه، كأنَّه سقَط حَيًّا؛ لأنَّها دِيَةٌ له، وبَدَلٌ عنه، فيَرِثُها وَرَثَتُه، كما لو قُتِلَ بعدَ الوِلادَةِ. وبهذا قال مالكٌ، وأصْحابُ الرَّأْى. وقال اللَّيْثُ: لا تُورَثُ، بل تكونُ بدَلَه (1) لأُمِّه، [لأنَّه](2) كعُضْوٍ مِن أعْضائِها، فأَشْبَهَ يدَها. ولَنا، أنَّها دِيَةُ آدَمِىٍّ حُرٍّ، فوَجَبَ أن تكونَ مَورُوثَةً عنه، كما لو ولَدَتْه حَيًّا ثم مات. وقولُه: إنَّه كعُضْوٍ مِن أعْضائِها. لا يَصِحُّ؛ لأنَّه لو كان عُضْوًا لَدَخَلَ بَدَلُه في دِيَةِ أُمِّه، كيَدِها، ولَما مُنِعَ مِن القِصاصِ مِن أُمِّه، وإقَامَةِ الحَدِّ عليها مِن أجْلِه، ولَما وجَبَتِ الكَفَّارَةُ مِن أجْلِه بقَتْلِه، ولَما صَحَّ عِتْقُه دُونَها، ولا عِتْقُها دُونَه، ولأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ تُضْمَنُ بالدِّيَةِ تُورَثُ، كدِيَةِ الحَىِّ. فعلى هذا، إذا أسْقَطَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، ثم ماتتْ، فإنَّها تَرِثُ نَصِيبَها مِن الغُرَّةِ، ثم يَرِثُها
(1) في الأصل: «تركه» .
(2)
تكملة من المغنى 12/ 67.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وَرَثتُها. [وإن أسْقَطَتْه حَيًّا، ثم مات قَبْلَها، ثم ماتتْ، فإنَّها تَرِثُ نَصِيبَها من دِيَتِه، ثم يَرِثُها وَرَثَتُها](1). وإن ماتتْ قبلَه، ثم ألْقَتْه مَيِّتًّا، لم يَرِث أحَدُهما صاحِبَه، وإن خرَج حَيًّا، ثم ماتَتْ قبلَه ثم مات، أو ماتت ثم خرَج حَيًّا ثم مات، وَرِثَها، ثم يَرِثُه وَرَثَتُه. وإنِ اخْتَلَفَ وُرَّاثُهما (2) في أوَّلِهما مَوْتًا، فحُكْمُهُما حُكْم الغَرْقَى، على ما ذُكِرَ في مَوْضِعِه (3). ويَجِيءُ على قَوْلِ الخِرَقِىِّ في المسْألَةِ التى ذَكَرَها، إذا ماتتِ امرأةٌ وابْنُها، أن يَحْلِفَ ورَثَةُ كُلِّ واحدٍ منهما ويَخْتَصُّوا بمِيراثِه. وإِن ألْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أو حَيًّا، ثم مات، ثم ألْقَتْ آخَرَ حَيًّا، ففى المَيِّتِ غُرَّةٌ، وفى الحَىِّ الأَوَّلِ دِيَةٌ، إذا كان سُقُوطُه لوقتٍ يَعِيشُ مثْلُه، ويَرِثُهُما الآخَرُ، ثم يَرِثه ورَثَتُه إن مات. وإن كانتِ الأمُّ قد ماتتْ بعدَ الأَوَّلِ وقبلَ الثانى، فإنَّ دِيَةَ الأَوَّلِ تَرِثُ منها الأُمُّ والجنينُ الثانى، ثم إذا ماتتِ الأُمُّ، وَرِثَها الثانِى، ثم يَصِيرُ مِيراثُه لوَرَثَتِه. فإن ماتتِ الأُمُّ بعدَهُما، وَرِثَتْهما جميعًا.
فصل (4): إذا ضرَب بَطْنَ امرأةٍ، فأَلْقَتْ أجِنَّةً، ففى كُلِّ واحدٍ غُرَّةٌ. وبهذا قال الزُّهْرِىُّ، ومالك، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ، قال (5): ولا أحْفَظُ عن غيرِهم خِلافَهم. وذلك لأنَّه ضَمانُ
(1) سقط من: الأصل، تش، ر 3، ق.
(2)
في الأصل، تش:«وارثهما» .
(3)
انظر 18/ 255 وما بعدها.
(4)
سقط هذا الفصل من: الأصل.
(5)
انظر: الإشراف 3/ 136.