الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ إِنْسَانٍ أَوْ شَرَابِهِ، وَلَيْسَ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ، فَمَنَعَهُ حَتَّى مَاتَ، ضَمِنَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ.
ــ
4191 - مسألة: (ومَن اضْطُرَّ إلى طَعامِ إنْسانٍ أو شَرابِه، وليس به مِثْلُ ضَرُورَتِه، فمنَعَهُ حتَّى مات، ضَمِنَهُ. نصَّ عليه)
وجملةُ ذلك، أنَّ مَن أخَذَ طعامَ إنْسانٍ أو شَرابَه في بَرِّيَّةٍ، أو مكانٍ لا يَقْدِرُ فيه على طَعامٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وشَرابٍ، فهَلَكَ بذلك (1)، أو هَلَكَتْ بَهِيمَتُه، فعليه ضَمانُ ما تَلِفَ به؛ لأنَّه سَبَبُ هَلاكِه. وكذلك إنِ اضْطُرَّ إلى طَعامٍ وشَرابٍ لغيرِه، فطَلَبَه منه، فمَنَعَه إيَّاه مع غِناه عنه في تلك الحالِ، فماتَ بذلك، ضَمِنَه المَطْلُوبُ منه؛ لِما رُوِى عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، أنَّه قَضَى بذلك. ولأنَّه إذا اضْطُرَّ [إليه، صار](2) أحَقَّ به ممَّن هو في يَدِه، وله أخْذُه قَهْرًا، فإذا مَنَعَه إيَّاه، تَسَبَّبَ إلى هَلاكِه بمَنْعِه ما يَسْتَحِقُّه، فلَزِمَه ضَمانُه، كما لو أخَذَ طَعَامَه وشَرَابَه فهَلَكَ بذلك. وظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنَّ الدِّيَةَ في مالِه؛ لأنَّه تَعَمَّدَ هذا الفِعْلَ الذى يَقْتُلُ مثلُه غالِبًا. وقال القاضى: يكونُ على عاقِلَتِه؛ لأَنَّ هذا لا يُوجِبُ القِصاصَ، فيكونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وإن لم يَطْلُبْه منه، لم يَضْمَنْه؛
(1) سقط من: الأصل، تش.
(2)
في م: «فصار» .
وَخَرَّجَ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ كُلَّ مَنْ أمْكَنَهُ إِنْجَاءُ إِنْسَانٍ مِنْ هَلَكَةٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَهُ.
ــ
لأنَّه لم يَمْنَعْه، ولم يُوجَدْ منه فِعْلٌ تَسَبَّبَ به إلى هَلاكِه (وخَرَّجَ عليه أبو الخَطَّابِ كُلَّ مَن أمْكَنَه إنْجاءُ إنْسانٍ مِن هَلَكَةٍ) فلم يُنْجِه مها مع قُدْرَتِه على ذلك، أنَّه يجبُ عليه ضَمانُه، قِياسًا على ما إذا طلَب الطعامَ فمَنَعَه إيَّاه مع غِنَاه عنه حتى هلَك. ولَنا، أنَّ هذا لم يُهْلِكْه، ولم يَكُنْ سَبَبًا في هَلاكِه، [فلا يَضْمَنُه](1)، كما لو لم يَعْلَمْ بحالِه، وقِياسُ هذا على المسْألةِ التى ذكَرَها غيرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّه في الأُولَى مَنَعَه مَنْعًا كان سَبَبًا في هَلاكِه، فيَضْمَنُه بفِعْلِه الذى تَعَدَّى به، وههُنا لم يَفْعَلْ شيئًا يكونُ سَبَبًا.
(1) سقط من: الأصل، تش، ر 3.
وَمَنْ أَفْزَعَ إِنْسَانًا، فَأحْدَثَ بِغَائِطٍ، فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ. وَعَنْهُ، لَا شَىْءَ عَلَيْهِ.
ــ
4192 -
مسألة: (وإن أفْزَعَ إنْسَانًا، فأحْدَثَ بغائِطٍ، فعليه ثُلُثُ دِيَتِهِ. وعنه، لا شَىْءَ عليه) وجملةُ ذلك، أنَّه إذا ضرَب إنْسانًا حتى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحْدَث، فإنَّ عُثمانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قَضَى فيه بثُلُثِ الدِّيَةِ (1). وقال أحمدُ: لا أعْرِفُ شيئًا يدْفَعُه. وبه قال إسْحاقُ. وعنه، لا شئَ عليه. وهو قولُ أبى حنيفةَ، ومالكٍ، والشافعىِّ؛ لأَنَّ الدِّيَةَ إنَّما تَجِبُ لإِتْلافِ مَنْفَعَةٍ أو عُضْوٍ، أو إزالَةِ جَمَالٍ (2)، وليس ههُنا شئٌ مِن ذلك. وهذا
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: باب هل يضمن الرجل من عنت في منزله، من كتاب العقول. المصنف 10/ 24. وابن أبى شيبة، في: باب الرجل يضرب الرجل حتى يحدث، من كتاب الديات. المصنف 9/ 338.
(2)
في الأصل: «كمال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو القِياسُ، وإنَّما ذهَب مَن ذهَب إلى إيجابِ الثُّلُثِ؛ لقَضِيَّةِ عُثمانَ؛ لأنَّها في مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، ولم يُنْقَلْ خِلافُها، فيكونُ إجْماعًا، ولأَنَّ قَضاءَ الصَّحابِىِّ فيما يُخالِفُ القِياسَ يدُلُّ على أنَّه تَوْقِيفٌ. وسواءٌ كان الحَدَثُ ببَوْلٍ أو غائِطٍ أو ريحٍ. قالَه (1) القاضى. وكذلك الحُكْمُ فيما إذا أفْزَعَه حتى أحْدَثَ. والأُولَى إن شاءَ اللَّهُ التَّفْرِيقُ بينَ الرِّيحِ وغيرِها، إن كان قَضاءُ عُثمانَ في الغائطِ والبَوْلِ؛ لأَنَّ ذلك أفْحَشُ، فلا يُقاسُ عليه.
فصل: إذا أكْرَهَ رَجُلًا على قَتْلِ إنسانٍ فقَتَلَه، فصارَ الأمْرُ إلى الدِّيَةِ، فهى عليهما؛ لأنَّهما كالشَّرِيكَيْنِ. ولو أَكْرَهَ رَجُلٌ امرأةً على الزِّنَى، فحمَلَتْ، وماتتْ مِن الولادةِ، ضَمِنَها؛ لأنَّها ماتت بسَبَبِ فِعْلِه، وتَحْمِلُه العاقِلَةُ، إلَّا أن لا يَثْبُتَ ذلك إلَّا باعْتِرافِه، فتكونُ الدِّيَةُ عليه؛ لأَنَّ العاقِلَةَ لا تحْمِلُ اعْتِرافًا، ولذلك إن شهِد شاهِدانِ على رَجُلٍ بقَتْلٍ عَمْدٍ، فقُتِلَ، ثم رَجَعَا عنِ الشَّهادةِ، لَزِمَهُما الضَّمانُ، كالشَّريكَيْنِ في الفِعْلِ، ويكونُ الضَّمانُ في مالِهِما، لا تَحْمِلُه العاقِلَةُ؛ لأنَّها لا تَحْمِلُ الاعْتِرافَ، وهذا ثبَت باعْتِرافِهِما.
(1) في الأصل: «قال» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: إذا قتَل رَجُلًا وادَّعَى أنَّه كان عَبْدًا، أو ألْقَى عليه حائِطًا وادَّعَى أنَّه كان مَيِّتًا، وأنْكَرَ وَلِيُّه، فالقولُ قولُ الوَلِىِّ مع يَمِينِه. وهو أحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ. وقال في الآخَرِ: القولُ قولُ، الجانِى؛ لأَنَّ الأَصْلَ بَراءةُ ذِمَّتِه، وما ادَّعاه مُحْتَمِلٌ، فلا يَزُولُ عن اليَقِينِ بالشَّكِّ. ولَنا، أنَّ الأَصْلَ حياةُ المَجْنِىِّ عليه وحُريَّتُه، فيَجِبُ الحُكْمُ ببَقائِه، كما لو قتَل مُسْلِمًا وادَّعَى أنَّه ارْتَدَّ قبلَ قَتْلِه، وبهذا يَبْطُلُ ما ذكَرَه. وإن قطَع عُضْوًا وادَّعَى شَلَلَه، أو قلَع عَيْنًا وادَّعَى عَماهَا، وأنْكَرَ المَجْنِىُّ عليه، فالقولُ قولُه؛ لأَنَّ الأَصْلَ السَّلامةُ. وهكذا لو قطًع ساعِدًا وادَّعَى أنَّه لم يَكُنْ عليه كَفٌّ، أو ساقًا وادَّعَى أنَّه لم يَكُنْ لها قَدَمٌ. وقال القاضى: إنِ اتَّفَقَا على أنَّه كان بَصِيرًا، فالقولُ قولُ المَجْنِىِّ عليه، وإلَّا فالقولُ قولُ الجانِى. وهذا مذهبُ الشافعىِّ؛ لأَنَّ هذا [ممَّا لا](1) يَتَعَذَّرُ إقامَةُ البَيِّنَةِ عليه، فإنَّه لا يَخْفَى على أهْلِه وجِيرانِه ومُعامِلِيه، وصِفَةُ أدَاءِ الشَّهادةِ عليه، أنَّه كان يُتْبعُ الشَّخْصَ بَصَرَه، ويَتَوَقَّى ما يتَوَقَّاه البَصِيرُ، ويتَجَنَّبُ البئْرَ وأشْباهَهُ في طَرِيقِه، ويَعْدِلُ في العَطَفاتِ خَلْفَ مَن يَطْلُبُه. ولَنا، أنَّ الأَصْلَ السَّلامةُ، فكان القولُ قولَ مَن يَدَّعِيها، كما لو اخْتَلَفا في إسْلامِ المَقْتُولِ في دارِ الإِسْلامِ وفى حياتِه. قولُهم: لا يَتَعَذَّرُ إقامةُ البَيِّنَةِ عليه. قُلْنا: وكذلك لا يتَعَذَّرُ
(1) في م: «مما» .