الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا، وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا، فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ، فَوَقَعَ في الْبِئْرِ،
ــ
به، فقال أَصْحابُنا: على صاحبِ الدَّابَّةِ الضَّمَانُ، إذا كان راكِبًا، أو قَائِدًا، أو سائِقًا؛ لأنَّه تَلَفٌ حصَل مِن جِهةِ دَابَّتِه التى يَدُه عليها، فأَشْبَهَ ما لو جَنَتْ بيَدِها أو فَمِها. وقِياسُ المذهبِ، أنَّه لا يَضْمَنُ ما تَلِفَ بذلك؛ لأنَّه لا يدَ له على ذلك، ولا (1) يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ منه، فهو كما لو أتْلَفَتْ برِجْلِها، ويُفارِقُ ما إذا أَتْلَفَت بِيَدِها أو فَمِها؛ لأنَّه يُمْكِنُه حِفْظُهُما.
4177 - مسألة: (وإن حفَر بِئْرًا، وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا)
أو نصَب سِكِّينًا، فَعَثَرَ بِالْحَجَرِ (فوَقَعَ في البِئْرِ) أو عَلَى (1) السِّكِّينِ (فَالضَّمَانُ
(1) سقط من: الأصل.
فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ.
ــ
على واضعِ الحَجَرِ) ونَاصِبِ السِّكِّينِ دُونَ الحَافِرِ؛ لأَنَّ الحَجَرَ كالدَّافِعِ له، وإذا اجْتَمَعَ الحافرُ والدَّافِعُ، فالضَّمَانُ على الدَّافِعِ وحدَه. وبهذا قال الشافعىُّ. ولو وَضعَ رَجُلٌ حَجَرًا، ثم حَفَرَ آخَرُ عندَه (1) بِئْرًا، أو نصَب سِكِّينًا، فعَثَرَ بالحَجَرِ، فسَقَطَ عليهما، فهَلَكَ، احْتَمَلَ أن يكونَ الحُكمُ كذلك؛ لِما ذكَرْنا. واحْتَمَلَ أن يضْمَنَ الحافِرُ وناصبُ السِّكِّينِ؛ لأَنَّ فِعْلَهُما مُتَأَخِّرٌ عن فِعْلِه، فأَشْبَهَ ما لو كان زِقٌّ فيه مائِعٌ وهو واقِفٌ، فحَلَّ وِكاءَه إنْسانٌ وأمالَه آخَرُ، فسألَ ما فيه، كان الضَّمانُ على الآخِرِ منهما. وإن وضَع إنْسانٌ حَجَرًا أو حَدِيدةً في مِلْكِه، أو حَفَرَ فيه بئْرًا، فدَخَلَ إنْسانٌ بغيرِ إذْنِه، فهَلَكَ به، فلا ضَمانَ على المالِكِ؛ لأَنَّه لم يتَعَدَّ (2)، وإنَّما الدَّاخِلُ هلَكَ بعُدْوانِ نَفْسِه، وإن وضَع حَجَرًا في مِلْكِه، ونصَب أجْنَبِىٌّ فيه سِكِّينًا، أو حفَر بِئْرًا بغيرِ إذْنِه، فعَثَرَ رَجُلٌ بالحَجَرِ، فوَقَعَ على السِّكِّينِ أو في البِئرِ، فالضَّمانُ على الحافرِ وناصِبِ السِّكِّينِ لتَعَدِّيهِا، إذ لم يتَعَلَّقِ الضَّمانُ بواضِعِ الحَجَرٍ؛ لانْتِفاءِ عُدْوانِه. وإنِ اشْتَرَكَ جماعةٌ في عُدْوانٍ تَلِفَ به شئٌ، فالضَّمانُ عليهم، فلو وضَع اثْنانِ
(1) في الأصل: «غير» .
(2)
في الأصل، تش:«يتعمد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حَجَرًا، وواحِدٌ حَجَرًا، فعَثَرَ بهما إنْسانٌ، فهَلَكَ، فالدِّيَةُ كل عَواقِلِهم أثْلَاثًا، في قِياسِ المذهبِ. وهو قولُ أبى يوسفَ؛ لأَنَّ السَّبَبَ حصَل مِن الثَّلاثةِ أثْلاثًا، فوَجَبَ الضَّمانُ عليهم سواءً وإنِ اختَلَفَتْ أفْعالُهم، كما لو جَرَحَه واحدٌ جُرْحَيْنِ، وجَرَحَه اثْنانِ جُرْحَيْنِ، فمات بها (1). وقال زُفَرُ: على الاثْنَين النِّصْفُ، وعلى واضِعِ الحجَرِ وحدَه النِّصْفُ؛ لأَنَّ فِعْلَه مُساوٍ لفِعْلِهما. وإن حفَر إنْسانٌ بِئرًا، ونصَب آخَرُ فيها سِكِّينًا، فوَقَع إنسانٌ في البئرِ على السِّكِّينِ، فماتَ، فقال ابنُ حامدٍ: الضَّمانُ على الحافرِ؛ لأنَّه بمَنْزِلَةِ الدَّافعِ. وهذا قِياس المسائِلِ التى قَبلَها. ونَصَّ أحمدُ على أنَّ الضَّمانَ عليهما. قال أبو بكرٍ: لأنَّهما في مَعْنىِ المُمْسِكِ والقاتلِ، الحافرُ كالمُمْسكِ، وناصِبُ السِّكِّينِ كالقاتلِ. فيُخرَّجُ مِن هذا أَنْ يَجِبَ الضَّمانُ كل جميعِ المُتَسَبِّبِينَ في المسائلِ السَّابقةِ.
فصل: وإن حفَر بِئرًا في مِلْكِ نَفْسِه، أو في ملكِ غيرِه بإذْنِه، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه غيرُ مُتَعَدٍّ. وكذلك إن حَفَرَها في مَواتٍ، أو وضَع حَجَرًا، أو نصبَ شَرَكًا، أو شَبَكَةً، أو مِنْجَلًا، ليَصِيدَ بها؛ لأنَّه لم يَتَعَدَّ بذلك. وإن فَعَلَ شيئًا مِن ذلك في طَريقٍ ضَيِّقٍ، فعليه ضَمانُ ما تلف به؛
(1) في الأصل، تش:«بهما» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه مُتَعَدٍّ. وسَواءٌ أذِنَ له الإِمامُ أو لم يَأْذَنْ؛ لأنَّه ليس للإمامِ أن يَأْذَنَ فيما يَضُرُّ بالمُسلمينَ، ولو فَعَلَ ذلك الإِمامُ لَضَمِنَ ما يَتْلَفُ به. فإن كان الطَّريقُ واسِعًا، فحَفَرَ في مكانٍ منها يَضُرُّ بالمُسْلِمينَ، ضَمِنَ. وإن حفَر في مكانٍ لا يَضُرُّ بالمسلمينَ، وكان حَفَرَها لنَفْسِه، ضَمِنَ ما تَلِفَ بها، سواءٌ حَفَرَ بها بإذْنِ الإِمامِ أو بغيرِ إذْنِه. وقال أصْحابُ الشافعىِّ: إن حَفَرَها بإذْنِ الإمام، لم يَضْمَنْ؛ لأَنَّ للإمام أن يَأْذَنَ في الانْتِفاعِ بما لا ضَرَرَ فيه، بدَليلِ أنَّه يجوزُ أن يأْذَنَ في القُعُودِ فَيه، ويُقْطِعَه لمن يَبِيعُ (1) فيه. ولَنا، أنَّه تَلِفَ بحَفْرٍ حَفَرَه في حَقٍّ مُشْتَرَكٍ، بغيرِ إذْنِ أهْلِه، لغيرِ مَصْلَحَتِهم، فضَمِنَ، كما لو لم يَأْذَنِ الإِمامُ، ولا نُسَلِّمُ أنَّ للإِمام أن يَأْذَنَ في هذا، وإنَّما يَأْذَن في القُعُودِ؛ لأَنَّ ذلك لا يَدُومُ، ويُمْكِنُ إِزالَتُه في الحالِ، فأَشْبَهَ القُعُودَ في المَسْجِدِ، ولأَنَّ القُعُودَ جائزٌ مِن غيرِ إذْنِ الإِمامِ، بخِلافِ (2) الحَفْرِ.
فصل: وإن حفَر بِئرًا في مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بينَه وبينَ غيرِه، بغيرِ إذْنِه، ضَمِنَ ما تَلِفَ به جَمِيعَه. وهذا قِياسُ مذهبِ الشافعىِّ. وقال [أبو حنيفةَ] (3): يَضْمَنُ ما قابَلَ نَصِيبَ شَرِيكِه، فلو كان له شَرِيكان، ضَمِنَ
(1) في م: «يبتاع» .
(2)
في النسخ: «فكذلك» . والمثبت كما في المغنى 12/ 90.
(3)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثُلُثَى التَّالِفِ؛ لأنَّه تَعَدَّى في نَصِيبِ شَرِيكَيْه (1). وقال أبو يوسفَ: عليه نِصْفُ الضَّمانِ؛ لأنَّه تَلِفَ بجِهَتَيْنِ، فكان الضَّمانُ نِصْفَيْنِ، كما لو جَرَحَه أحَدُهما جُرْحًا، وجَرَحَه الآخَرُ جُرْحَيْنِ. ولَنا، أنَّه مُتَعَدٍّ بالحَفْرِ، فضَمِنَ الواقعَ فيها (2)، كما لو كان في ملْكِ غيرِه، والشَّرِكَةُ أوْجَبَ تَعَدِّيَهُ لجميعِ الحَفْرِ، فكان مُوجِبًا لجميعِ الضَّمانِ. ويَبْطُلُ ما ذكَرَه أبو يوسفَ بما لو حَفَرَه في طرِيقٍ مُشْتَرَكٍ، فإنَّ له فيها حَقًّا، ومع ذلك يَضْمَنُ الجميعَ. والحُكمُ فيما إذا أذِنَ له بعْضُ الشُّرَكاءِ في الحَفْرِ دُونَ بعْضٍ، كالحُكْمِ فيما إذا حفَر في مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بينَه وبينَ غيرِه؛ لكَوْنِه لا يُباحُ الحَفْرُ ولا التَّصَرُّفُ حتى يَأْذَنَ الجميعُ.
فصل: وإن حفَر إنْسانٌ في مِلْكِه بِئرًا، فوَقِعَ فيها إنسانٌ أو دابةٌ، فهَلَكَ به، وكان الدَّاخِلُ دخَل بغيرِ إذْنِه، فلا ضَمان على الحافرِ؛ لأنَّه لا عُدْوانَ منه. وإن دخَل بإذْنِه، والبِئْرُ ظاهِرَةٌ مَكْشُوفَةٌ، والدَّاخِلُ بَصِيرٌ يُبْصِرُها، فلا ضَمانَ أيضًا؛ لأَنَّ الواقِعَ هو الذى أهْلَكَ نفسَه، فأشبَة ما لو قدَّم إليه سِكِّينًا، فقَتَلَ بها نفسَه، وإن كان الدَّاخِلُ أعْمَى، أو كانت في ظُلْمَةٍ لا يُبْصِرُها الدَّاخِلُ، أو غَطَّى رَأْسَها، فلم يَعْلَمِ الدَّاخِلُ حتى وقَع فيها، ضَمِنَه. وبهذا قال شُرَيحٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وحَمَّادٌ، ومالكٌ. وهو أحَدُ الوَجْهينِ لأصْحابِ الشافعىِّ. وقالوا في الآخَرِ: لا (3)
(1) في الأصل، م:«شريكه» .
(2)
في الأصل: «فهما» .
(3)
سقط من: الأصل.